التوابل المغربية في رمضان لوحة ألوان تزينها الرائحة الزكية

أسرار البهارات تحفظ نكهة الطعام المغربي الذي ذاع صيته في الشرق والغرب، وصار هوية البلاد وسفيرها بين البلدان، فالمغاربة يهتمون بأنواع التوابل ويقبلون على شرائها في رمضان وبقية السنة، ويهتم برحيها عطارون اكتسبوا الخبرة عن الآباء والأجداد حتى في عرضها، لتبدو كلوحة فنية زاهية الألوان، تزيد الرائحة الزكية من سحرها.

  ما إن تلج سوق التوابل في السويقة بالرباط في أيام رمضان حتى تصدمك روائح المطيبات والتوابل، التي تخصّصت ببيعها محلات يُدعى كل منها بـ”العطارة”.

الروائح الزكية في السوق تذكر بالأطعمة المغربية التقليدية، كالحريرة -نوع من الحساء- والرفيسة التي تعدُّ من مُداف الخبز مع اللحم والدجاج والخضار، والتوابل، وبعض الأعشاب المطيبة، والكُسكُس الذي يعدُّ من طحين القمح أو الذرة، مع أنواع مختلفة من الخضار مع اللحم والدجاج، أو بالدجاج وحده أو اللحم مع التوابل الخاصة به، والطاجين، وله توابل خاصة به تعطيه مذاقه الخاص.

كل تلك الروائح الزكية في محلات العطارة تعيد إلى ذاكرة المتسوق ما جربه من نكهات خاصة في أطعمة وحلوى تقليدية توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، كالشباكية، والبريوات وكعب الغزال والفقاص وغيرها.

التوابل المعروضة في الحوانيت الكثيرة، تلفت النظر، فهي تأخذ شكل التلال هرمية النهايات وبألوان زاهية تجعل المعروض في عيني المتسوق لوحة كثيرة الألوان بروائح زكية. ألوان زاهية للزعفران الحر، والباربيكا -مسحوق الفلفل الأحمر الحلو- والفلفل الأسود، والقرفة، وورق الغار، وإكليل الجبل، والزنجبيل، والكمون، وهذه أكثرها مبيعا في رمضان.

بائع توابل بالسويقة الحاج رشيد (65 سنة) الذي كان مشغولا بطحن بذور الفلفل الأسود بآلة رحي كهربائية، لتلبية طلب إحدى زبوناته، يقول لـ”اخيارنا الجالية ”، معلقا على ما يقوم به، “بعض الزبائن يفضل الأبزار -مسحوق الفلفل الأسود- جاهزا والبعض الآخر يريد تجهيزه طازجا، لما في الفلفل الطازج من رائحة قوية ضرورية لإعطاء نكهة خاصة للأطعمة الرمضانية كالحريرة التي لا يخلو بيت مغربي منها وقت الإفطار برمضان”.

ويوضح رشيد، الذي ورث خبرته في عملية خلط التوابل وعرضها في حانوته عن والده،”التوابل نوعان، الأول خليط من مساحيق، كالكركم والحبة السوداء والقرفة والكزبرة والفلفل الأسود والليمون الأسود (نومي بصرة) والفلفل الأحمر، ويتم خلطها بنسب محددة لكل نوع من الأطعمة بما يعطيها النكهة المطلوبة، والنوع الثاني أعشاب عطرية، يستخدم كل منها وحده ليضيف إلى الأطعمة طعما معينا، وهناك أعشاب أخرى لا تعطي نكهة، بل هي ضرورية لامتصاص بعض الروائح والنكهات غير المرغوبة في مكونات الأطعمة كورق الغار، والطرخون، الذي يزيل الزفرة، والخزامى، الذي يجعل الطعام أيسر هضما، والزعفران الذي يساعد في تفتيت أنسجة اللحم، ويجعله أكثر ليونة عند المضغ، وغيرها من الأعشاب، وكلها مكملات ضرورية للتوابل ولجعل الطعام صحيا”.

الكثير من التوابل تأتي كمواد خام أعشابا وبذورا، ويقوم رشيد بوضعها في ماكينة الطحن ليحولها إلى مسحوق يسهل خلطه واستعماله في البيوت.

وأضاف الحاج “التوابل كالكركم والحبة السوداء والقرفة والزنجبيل، ورأس الحانوت -خليط من التوابل- والكزبرة، وبذور الكرفس، وغيرها من التوابل والأعشاب تفقد جزءا من رائحتها ونكهتها بعد تحويلها إلى مسحوق ناعم، خصوصا إذا لم تحفظ في مكان ظليل بعيدا عن الرطوبة والرياح”.

الشيف عصام جعفري (35 سنة)، الفائز بعدة جوائز في الطبخ المغربي، يذكر “أن التوابل المستخدمة في المطبخ المغربي تعطي الطعام نكهة فريدة تميزه عن جميع ما تقدمه مطابخ العالم. وهذا واضح من خلال تقديم هذه المطابخ للطعام المغربي في مختلف بلدان العالم. وقيمة الطعام تتحدد بنكهته وطريقة عرضه، فالعين تأكل قبل الفم، والأنف يشم قبل أن يتذوق اللسان، لذلك أحرص على تدوين كل خطوة سأقوم بها أو أي نوع من التوابل سأستخدمه في إعداد الطعام، لأن الأخطاء ممنوعة في عملي، وتهدد صحة الآخرين. المطبخ التقليدي المغربي غني بالأطعمة اللذيذة، التي ينبغي الحفاظ على نكهتها وطريقة عرضها، وتقديمها إلى المطبخ العالمي كإرث تاريخي وحضاري لبلادنا، لما في هذا من دور في جذب السائحين إلى بلادنا للتمتع بالمكان والضيافة”.

ذكرت المندوبية السامية للتخطيط في المغرب (جهة حكومية) في منشور لها، أن استهلاك الفرد المغربي للتوابل يزداد كل سنة بنسبة 5 بالمئة عن السنة التي تسبقها، وأن كلفة استيراد التوابل لعام 2018 بلغت 80 مليون دولار، والعائلة المغربية تستهلك أكثر من 20 نوعا من التوابل وأغلبها مستورد من الخارج.

80 مليون دولار قيمة استيراد المغرب للبهارات، والعائلة تستهلك أكثر من 20 نوعا من التوابل

تؤكد فاطمة (35 سنة) لـ”اخبارنا الجالية ” -والتي كانت تنتظر من بائع التوابل أن يجمع لها توابل رأس الحانوت، التي هي خلطة سرية مكونة من سبعة أنواع من التوابل يجيد خلطها واختيار أنواع توابلها عدد قليل ممن توارثوا هذه المهنة عن ذوي الخبرة- أنها “لا تشتري توابل رمضان أو عيد الأضحى إلا من عطارات محددة، تقصدها في السويقة، فبعضها لديه خلطة غير التي تريدها، كما أن الأسعار في هذه العطارات لا تتغير بمجيء شهر رمضان أو عيد الأضحى”.

وذكرت “أن بعض العطارات تغش في بيع التوابل بخلطها مع الدقيق  لزيادة الوزن، أو عبر خلطها بشوائب ومواد غريبة وتوابل تالفة أو وضع صبغات عليها، لتبدو زاهية الألوان وجديدة، كالزعفران الحر، والفلفل الأحمر”.

يقول بائع التوابل سي سعيد (28 سنة) عن سر خلطة توابل رأس الحانوت، إن “الخلطة مكونة من فليفلة حريفة (فلفل حار) وقرفة، وقرنفل، وجوز الطيب، وإبزار، وكركم، وحبة البركة، وبعض العطارات تضيف إليها الزنجبيل والحلبة، وبعض الأعشاب كالبقدونس والريحان”.

وأضاف سعيد “لكل عطارة أوزان خاصة بها لنسب خلط هذه التوابل، فهي تستخدم في أنواع من الحريرة والدجاج المحمر، والشاورمة، والبسطيلة، واللحم المالح والحلو، والسمك النهري أو البحري، وصلصة مرقة اللحم أو الدجاج أو السمك، فلكل لون من الأطعمة نسبة خليط محددة به”.

وذكَّر أخصائي التغذية هشام فنيش بأهمية اختيار توابل الطعام من مصادر وحوانيت تتابعها الجهات الرقابية، وألا يتم الشراء من بائعين جوالين أو بسطات عشوائية، وعلل هذا بقوله “لأن بعضها يتم خزنه لفترات طويلة مما يؤدي إلى نمو الكثير من البكتيريا المضرة فيها، فتعرض مستهلكها إلى التسمم، وكذلك بسبب ما تتعرض له من أكسدة في مركباتها الكيميائية بفعل أشعة الشمس، ولأنها مكشوفة ومعرضة للملوثات تتحول إلى مواد سمية، مما يهدد مستهلكها بأمراض المعدة والقولون والكبد والسرطانات، وخصوصا الزعتر، والكركم، والفلفل الأحمر والأسود، والكمون وغيرها. ويجب خزن هذه التوابل في أمكنة باردة وبعيدة عن أشعة الشمس، وغير معرضة للرياح أو للملوثات”.

وأضاف فنيش “وللتوابل فوائد طبية كثيرة فهي تساعد في شفاء الكثير من الأمراض، فالقرنفل وجوزة الطيب يستخدمان كمهدئين ومخدرين، ويستخدم الثوم كمعالج لبعض الالتهابات، كما أن خلطات خاصة من القرفة والحبة السوداء والكمون تعالج بعض أمراض الجلد، وكذلك يستخدم الزعفران في الطب البديل لعلاج الأمراض الباطنية والبشرة، ويستخدم الكركم كمادة حافظة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: