“الترمضينة” في المغرب.. حجة يبرر بها صائمون ممارسة العنف

بعد أكثر من أسبوعين عن بداية شهر الصيام تتواتر الأحداث العنيفة المرتبطة بسلوكيات عنيفة من سب وشتم ومشادات كلامية قد تصل إلى حد العراك بالأيادي داخل البيوت وفي أحياء وشوارع المدن المغربية، وأحيانا تصل إلى أقصى درجات ممارسات العنف بحجة التوتر الناجم عن الصيام. ودرج المغاربة على وصف هذا السلوك غير الحضاري بـ”الترمضينة”.

يربط الكثير من الصائمين العديد من السلوكيات المستهجنة بالصيام ويعلقون على شماعة الترمضينة أو الغضب تصرفاتهم العنيفة تجاه الآخرين سواء في البيت مع بقية أفراد الأسرة، حيث تشتكي العديد من الزوجات في الأسر العربية من عصبية أزواجهن المبالغ فيها في فترة الصيام ومن سرعة نشوب الخلافات بينهم وبين الزوجة والأبناء بسبب مزاجهم السيء، أو في الشارع حيث تكثر المشاجرات والصراخ وأحيانا تبادل العنف في الأماكن العامة.

ويقول الطبيب والخبير في التحليل النفسي جواد مبروكي، لـ ” اخبارنا الجالية ” ،الكل يردد أن شهر مضان شهر الغفران والسلم والسلام، لذلك نرى وكأن الترمضينة سلوك جديد علينا بينما هو سلوك حاضر على طول السنة”.

ويوضح المختص أنه من البديهي أن السلوك والأخلاق والتربية السائدة في المجتمعات لا تتغير فجأة أو بمجرد حلول رمضان بطريقة عجائبية، لكن بإمكانها أن تتغير خلال السنة بالتدريب وتنمية القدرات النفسية والروحانية والأخلاقية لدى الأفراد بهدف التخلص من السلوكيات العنيفة بشكل دائم.

السلوك والأخلاق والتربية السائدة في المجتمعات لا تتغير فجأة
السلوك والأخلاق والتربية السائدة في المجتمعات لا تتغير فجأة

ويضيف مبروكي “لكن ومع الأسف، نجد في هذا المجال فراغا كبيرا، سواء داخل المنزل أو المدرسة، وصولا إلى الشارع مع غياب تام للتربية الروحانية والتدريب عليها في مقررات التعليم”.

وحسب باحثين في علم الاجتماع لا يوجد أي رابط بين الصيام ومزاج الغضب الذي يسيطر على الصائم، وفي هذا الصدد يفسر الباحث في علم الاجتماع علي شعباني أنه يمكن أن يكون للصيام تأثير على مردودية الإنسان في العمل، وهذه مسألة طبيعية، أما أن يكون له انعكاس سلبي على المزاج فهذه قضية فاقدة للوجاهة والبراهين العلمية.

ونتيجة خلاف حاد حول طلب تغيير مكان سيارته تعرض بائع بطيخ أحمر قبل أيام لضربة قوية على مستوى الرأس من قبل صاحب محل للحدادة، وسقط على إثرها أرضا مغشيا عليه ثم نقل مباشرة إلى المستشفى، والسبب حسب ما قاله شهود عيان، هو الترمضينة التي جعلت الصراخ والعنف اللفظي يطغيان على تدخلات البعض لتهدئة الوضع.

وتوفي رجل أربعيني في إقليم الصويرة مؤخرا، إثر تعرضه لطعنات قاتلة بعد مشادات كلامية مع أربعة من أفراد عائلته، قبل أن تتطور الأمور إلى اعتداء بدني استعمل فيه سكين، قبيل أذان المغرب.

وتعتبر هذه العينة من الصائمين الصيام مناسبة لممارسة شتى أنواع العنف، ما يُحوّل هذا الشهر من فرصة دينية تحض على العفو والعطاء إلى فترة يرتفع فيها مؤشر معدلات الجريمة.

ويؤكد مبروكي أن ثقافة الترمضينة طغت في المجتمع المغربي ودخلت في التكوين منذ الصغر ورسخت في الأذهان منذ الطفولة حين تحذر الأم أبناءها مثلا من محاورة والدهم لأنه قد ينزعج كثيرا خاصة وأنه صائم.

الكثير من المنحرفين يبررون تصرفاتهم بأنهم محرومون من التدخين، أو أن مزاجهم معكر بسبب الصيام والجوع أو لأسباب أخرى تستعمل ذرائع ومبررات لهذه الانحرافات

وغالبا ما تسمع في الشوارع جملا من قبيل “هل تريد أن تظهر لي ترمضينتك”… وغيرها من التعبيرات العنيفة، ويعلق مبروكي على هذه السلوكيات قائلا “شهر رمضان ابتعد عن مغزاه الروحي والديني وطغى عليه الشكل المجتمعي الذي جعله يشبه كرنفالا يبيح الترمضينة وعددا من السلوكيات العنيفة؛ حيث نرى تغييرا كبيرا في نمط الحياة الاجتماعية.

ويرجع باحثون في علم الاجتماع والطب النفسي هذه السلوكيات المستفزة لشعور الأغلبية بالانقطاع عن التدخين والمخدرات والقهوة، والحل حسب هؤلاء هو الإقلاع عن تلك المواد لفترة كافية قبل رمضان حتى لا يتأثر الفرد بنقصها.

فالغضب والاستثارة عنوان بارز لأصحاب الترمضينة، وهذه الحالة حسب جواد مبروكي، مؤشر قوي ودلالة على اضطراب مزاجي وسلوكي وأمراض نفسية غير مشخصة، صار شهر رمضان موعد بروزها وتفجرها.

ويقول أطباء إن الإدمان على مواد كالمخدرات والتبغ والكافيين والتحول الذي يطرأ على الساعة البيولوجية للإنسان، عاملان يسببان حالة من التوتر والغضب كون خلايا الدماغ تفتقر إلى تلك المواد وقد تكون سببا في تهيج الصائم ما تنتج عنه حوادث خطيرة.

ويقول علماء دين مغاربة لـ”اخبارنا الجالية ” إن رمضان لا علاقة له بالسلوكيات العدوانية لبعض الصائمين، وأن هذه المتغيرات النفسية التي تنعكس على سلوك الفرد لا تمت للأخلاق بصلة ولا تعطي الحق لهؤلاء في الإساءة للآخرين.

لا يوجد أي رابط بين الصيام ومزاج الغضب الذي يسيطر على الصائم
لا يوجد أي رابط بين الصيام ومزاج الغضب الذي يسيطر على الصائم

ويقول سعيد، سائق سيارة أجرة بمدينة فاس، لـ”اخبارنا الجالية ”، “نعيش حالة من التوتر والضغط في الشوارع بسبب السلوكيات المستفزة لبعض الصائمين سواء الركاب أو المارة والذين يفترشون حواشي المساجد التي تقع في طريق سيرنا، ما يجعل بعض السائقين يدخلون في حالة من العصبية الشديدة التي قد تزيد الوضع سوءا”، مشيرا إلى أن الكثير من الصائمين لا يعرفون حقيقة الصيام ولا أهدافه ومنها عدم الرد في حالات الانفعال.

ورصدت “اخبارنا الجالية ” عددا من الشجارات في بعض شوارع وأسواق مدينة فاس، والأسباب غالبا ما تكون تافهة لا تستحق استدعاء قاموس من السباب والكلام النابي، وعلقت امرأة خمسينية تشتري بعض المواد من أحد المحلات، بأن “الأمر بات لا يطاق فعلا فلم يعد هناك احترام لقدسية هذا الشهر وكأن الفرد يصوم مكرها، كما أن انعدام التربية على الصبر والتسامح والعلاقة الطيبة يؤدي بالبعض إلى نهج هذه السلوكيات العنيفة”.

ويرى علي شعباني الأستاذ الباحث في علم الاجتماع أن الكثير من المنحرفين يبررون تصرفاتهم بأنهم محرومون من التدخين، أو أن مزاجهم معكر بسبب الصيام والجوع أو لأسباب أخرى تستعمل ذرائع ومبررات لهذه الانحرافات، ما يجعل منسوب العنف والخصومات يرتفع وبالتالي ترتفع نسب الجريمة، وتكثر هذه السلوكيات في العديد من الأحياء سيما تلك المكتظة بعد الزوال، غير أن هذه الظاهرة لا يمكن تعميمها، بل هي حكر على بعض الصائمين.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: