هل تتجه الفتيات إلى التخلي عن الأمومة من أجل الجمال

يزداد اهتمام الكثير من الفتيات اليوم أكثر فأكثر بجمالهن مؤمنات بأنه عصر المظاهر وعصر الصورة وأيضا عصر الفردانية وحب الذات قبل كل شيء، هذا التفكير خلق رغبة لدى كثيرات في عدم الإنجاب تجنبا لتأثيرات الحمل والرضاعة على جمالهن ورشاقتهن، وتفضل أخريات عدم التضحية بجمالهن في سبيل الاعتناء بالأبناء وتحمل مسؤولياتهم المتعددة والتي قد تدفعهن لإهمال الاعتناء بمظهرهن.

نرى حالات كثيرة في مجتمعاتنا العربية اليوم لفتيات ونساء يبالغن في الاهتمام بالزينة والماكياج وفي مواكبة الموضة، ويعتبرن أن الجمال والأنوثة ميزة المرأة التي لا يمكن أن تتخلى عنها تحت أي ظروف، وتصل مبالغة بعضهن إلى رفض إنجاب الأطفال ويتخلين عن أمومتهن في سبيل مواصلة الحصول على نظرات إعجاب المحيطين بهن.

وبالرغم من غياب أرقام وإحصائيات تحصر نسبة هذه الفئة من النساء اللاتي يقدسن الجمال ويتخلين عن الإنجاب لأجله، إلا أن مختصين اجتماعيين يرجحون زيادة هذه النسبة من النساء بسبب انفتاح المرأة وخروجها للعمل وبالتالي تمتعها بموارد مالية تتيح لها الإنفاق بحرية على العناية بجمالها، كما تجعل فكرة عدم الإنجاب مستساغة عندها وأحيانا عدم الزواج أيضا لأنه بإمكانها أن تعيل نفسها ولا تحتاج لزوج أو أبناء يعيلونها.

ويؤكد مختصون أن تأثر الفتيات اليوم بطغيان الصورة والمظاهر وبالتقنيات الحديثة الطبية والتجميلية منها جعل بعضهن يبالغن في الاهتمام بالجسد والشباب ونظارة البشرة وجمال الأظافر وغيرها من التفاصيل التي يحققن من خلالها الرضى على مظهرهن ويعتدن به وهو ما يرضي جانبا هاما من غرور ونرجسية المرأة. هذا إلى جانب عوامل أخرى اجتماعية مثل ارتفاع نسب العزوبية الناجمة عن عدم الرغبة في الارتباط وعدم التخلي عن حب الذات وعن الراحة أو الجمال في مقابل تحمل مسؤوليات البيت والأسرة والأبناء.

ويقول أحمد، طالب بكلية التجارة، “حدثتني إحدى زميلاتي بالجامعة عن أختها الكبرى التي وهبت نفسها لجمالها وكرست عملها لتحقيق ذلك، وكان زواجها تقليديا بعدما تبوأت منصبا مهما بأحد البنوك الاستثمارية فكانت تعمل به لساعات طويلة، واستمر هذا الوضع بعد زواجها ويئس زوجها من مطالبتها برعاية أطفالها الثلاثة، لكنها لم تبال فقد كان مظهرها وجمالها أهم ما في حياتها وكانت تردد دائما أن الزواج والأسرة والأمومة والأبناء أشياء يمكن تحقيقها في أي لحظة، لكن الجمال إذا ضاع لا يمكن استرجاعه”.

وتعبر مشيرة عادل، موظفة بشركة خاصة وغير متزوجة، عن حيرة الفتيات أمام رغبات الشباب فإذا كرست المرأة نفسها لبيتها وللأمومة طارد الأزواج النساء الجميلات وإذا سألتهم عن المبررات يؤكدون أن زوجاتهم مهملات لمظهرهن وجمالهن ولا يتفرغن سوى لرعاية أبنائهن، وإذا احتذت زوجاتهم أو هؤلاء الأمهات حذو هؤلاء الفاتنات في الاهتمام بجمالهن وأنوثتهن يتهموهن بالتقصير في بيوتهن ومهام الأمومة!

ويرى علاء رأفت، موظف، أن النساء يرين المسألة من وجهة نظر ضيقة جدا فليس المقصود أن تهتم المرأة بشيء فقط على حساب شيء آخر كأن تهتم إحداهن بجمالها وأنوثتها على حساب أمومتها أو العكس.

نسمع كثيرا عن سيدات يرفضن أن ينعم وليدهن برضاعة طبيعية ليحافظن على جمال أجسادهن ولا نعرف إن كان ذلك راجعا للهوس بالجمال والأنوثة أم لجنون الأنانية

ويضيف “يبدو لي أنه إذا حدث تعارض بين الاثنين فإن التضحية بجمالهن واجبة لأن عطاءهن الحقيقي في اهتمامهن بأبنائهن، وإذا راهنت أي سيدة على حصان الجمال فهو بالتأكيد حصان خاسر لا محالة لأن الجمال مصيره الزوال ولن يبقى سوى الإحساس بالأمومة”.

ويروي خبير علم الاجتماع مصطفى جلال حادثة جدت داخل إحدى المحاكم حيث وقفت فتاة صغيرة لم يتجاوز عمرها سبع سنوات تستجدي القاضي ليرحمها من سجنها مع أمها التي انفصلت عن أبيها منذ ثلاث سنوات وأهملتها؛ فكثيرا ما كانت تهرب لجدتها لأبيها التي احتضنتها لكنها ما تلبث أن تعود لأمها التي حصلت على حكم قضائي بحضانتها، وتؤكد الصغيرة أن أمها كانت مهووسة بالموضة والأنوثة والجمال وطوال وقتها في البيت لم تكن ترعى شؤون ابنتها ولا تحتضنها، إنما تتفرغ لأدوات مكياجها وحمامات تجميلها فقط.

وتقول خبيرة العلاقات العامة والقضايا الاجتماعية سوسن فتحي “غريب أن بعض النساء وهبهن الله القدرة على الحمل والإنجاب لكنهن يفضلن جمالهن وأنوثتهن لأنهما عندهن أكثر أهمية من إحساس الأمومة، فكثيرا ما نسمع ونرى حالات فتيات أو سيدات يرفضن أن ينعم وليدهن برضاعة طبيعية ليحافظن على جمال أجسادهن، هذا مجرد نموذج وهناك نماذج وحالات عديدة.. ولا نعرف إن كان ذلك راجعا للهوس بالجمال والأنوثة أو جنون الأنانية”.

ويؤكد أستاذ علم النفس جلال أحمد أن التكوين النفسي للمرأة يتفق مع الرجل في الكثير من الوجوه ويختلف معه قليلا، وتعد الأمومة من أهم أوجه الاختلاف السيكولوجي لأنها غريزة وعاطفة قوية لدى الأنثى تسعى دائما للإحساس بها وتمثل إحدى أهم الحاجات النفسية التي تتحكم في سلوك وردود أفعال وتعاملات المرأة واستعدادها الإنساني لكي تصبح عضوا فاعلا في مجتمعها. أما إحساسها بالجمال والأنوثة فهو غريزي أيضا، لكن عند حدوث تعارض ظاهري بين الإحساسين فإن غالبية النساء ينتصرن لإحساس الأمومة أو يحاولن على الأقل أن يوازين بينهما.

ومن المبادئ النفسية المتأصلة في تكوين الإنسان بصرف النظر عن جنسه أن يحدث نوع من التضحية بحاجات إنسانية في سبيل إشباع حاجات أخرى أكثر أهمية وإلحاحا، وقد أجرينا بعض البحوث النفسية لقياس قوة الحاجات والغرائز والعواطف وأولوياتها لدى المرأة ومن بينها إحساسها بالأمومة وعواطفها تجاه أبنائها فاتضح منها أن بعض السيدات قمن بالتضحية بوظائفهن وطموحاتهن وأبدين استعدادا للمزيد من هذه التضحيات في سبيل هذا الإحساس.

وفي رأي د.محمد سلامة أستاذ علم الاجتماع فإن المرأة التي لا تقيم وزنا لمشاعر أمومتها تعاني من ضعف علاقتها إما بأمها أو بزوجها، فالأمومة من الناحية الاجتماعية هي الرابطة القوية التي ينسج على أساسها أفراد الأسرة علاقاتهم الأسرية القوية ودائما تؤكد موروثاتنا وتراثنا الشعبي العربي أن يتيم الأم هو اليتيم الحقيقي.

ويؤكد بعض الخبراء أن الأبناء الذين تتم تربيتهم بين أمهات لا يقدرن عاطفة الأمومة ينشؤون ولديهم مشكلات نفسية واجتماعية خطيرة ربما تدفعهم للانحراف وارتكاب الجرائم. ويردف سلامة “أرى أن انحدار قيمة ومستوى عاطفة الأمومة لدى الفتيات والسيدات لإعلاء قيمة الجمال والأنوثة يتم دون قصد لأنه إذا كان متعمدا فهذه كارثة اجتماعية تسأل عنها حركة التغيير الاجتماعي التي تمر بها مجتمعاتنا العربية”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: