السفر عبر الزمن لم يعد مجرد خيال علمي

فكرة السفر عبر الزمن تُطرح دائما في أفلام الخيال العلمي، لكن يبدو أن العلماء قد شرعوا بعد اكتشافاتهم الجديدة المتعلقة بالكون البديل عن الأرض ينسجمون مع هذا النوع من الخيال ويفكرون في طريقة لكسر قانون الطبيعة.

يتجاوز عدد النجوم في الكون ذرات الرمل على الأرض والمليارات منها تضم ما بين كوكب واحد إلى ثلاثة كواكب، والبعض من هذه الكواكب يوجد في منطقة تسمح بوجود الماء السائل على سطحه.

ومنذ اكتشاف أول كوكب خارج المجموعة الشمسية يدور حول نجمه سنة 1995 من طرف عالم الفيزياء الفلكية السويسري ميشيل مايور وتلميذه في ذلك الوقت البروفيسور ديديير كويلوز، تم التعرف على ما يقارب 4000 كوكب خارج النظام الشمسي، منها مئة كوكب قابلة لاستضافة الحياة.

ويرى بعض علماء الفلك أن زيارة هذه العوالم ودراستها عن كثب أمر ضروري لنمو وتطور الجنس البشري، وأن مستقبل البشرية سوف يمر عبر الفضاء.

ويتوقع البعض أن يكون العيش في تلك الكواكب بديلا للحياة الهشة على الأرض التي قد تصبح في يوم ما عدائية ولا تطاق، وهناك الكثير من نقاط الاستفهام تثار في هذا الشأن: ماذا لو أصبحت الأرض أصغر من أن تأوي سكانها بسبب الاكتظاظ السكاني العالمي الذي يلوح في الأفق واستنزفت مواردها، وخروج مناخها عن السيطرة، وتدمير الأوبئة والتلوث بيئتها؟

وهل لدينا التقنيات الكفيلة على سبيل المثال بحرف مسار كويكب يأخذ طريقه صوبها مهددا بوضع نهاية للحياة على سطحها؟

وماذا لو استنفدت الشمس معظم طاقتها وأصبحت الأرض أكثر برودة بحيث تستحيل الحياة فوقها، وما من حل للبشرية سوى مغادرة المجموعة الشمسية برمتها والبحث عن وطن بديل يأويها؟

والعديد من هذه التصورات الكارثية غير مستبعدة في المستقبل البعيد، لذلك وجب عدم الاستهانة بها وأخذها على محمل الجد، لتستمر الحضارة البشرية حتى ولو اختفت الحياة من على الأرض، وكما يقول عالم الفيزياء الفلكية الروسي قسطنطين تسيولكوفسكي إن الأرض مهد الإنسانية والمرء لا يمكن أن يعيش في المهد إلى الأبد.

ولكن هل يتمكن العقل البشري الذي قام بطفرات عظيمة في فهم هذا الكون، من إيجاد السبل والتقنيات اللازمة لتمكين البشر من السفر بين النجوم والمجرات؟

مثل الصعود إلى القمر الذي يبعد عن الأرض ما يقارب مسافة 384.400 كيلومتر، أعظم الإنجازات التكنولوجية في القرن العشرين، وشكل مجسا الفضاء “فوياجر 1” و”فوياجر 2” اللذان يزيد عمرهما عن 41 عاما أسرع ما صنع الإنسان من آلات تغادر النظام الشمسي ويوجدان في فضاء ما بين النجوم ويتحركان بسرعة تقارب 17 كيلومترا في الثانية، والتي تمثل أقل من نسبة 0.01 بالمئة من سرعة الضوء.

ولو تم إرسال مسبار مثل هذين المسبارين إلى أقرب نظام شمسي “ألفا سنتوري”، الذي يتكون من ثلاثة نجوم ويبعد 4.37 سنة ضوئية، حيث تم تسليط الضوء سنة 2016 على كوكب في حجم كوكب الأرض قابل للحياة، يدور حول نجمه “بروكسيما سنتوري”، فسيصل إلى وجهته بعد 76 ألف عام، ما يعني حياة أكثر من 2500 جيل قبل أن يتمكن من إرسال البيانات إلى الأرض.

الفضاء يتوسع باستمرار
الفضاء يتوسع باستمرار

وفي ضوء ذلك، يرى الخبراء أن تقنيات الدفع النفاث المتوفرة حاليا مقيدة بسرعات لا تسمح لرحلات ما بين النجوم، وأنه إذا ما أردنا استثمار عوالم خارج المجموعة الشمسية يجب التخلي عن محركات الدفع الكيميائي الحالية، وتطوير تقنيات الملاحة الفضائية لتكون أسرع وتقترب من حاجز سرعة الضوء في الفراغ، والتي تقدر بـ300 ألف كيلومتر في الثانية، ونكون بذلك قد مهدنا الطريق لرحلات ملؤها الإثارة بين النجوم. وفي هذا الصدد، تدرس وكالة الفضاء الأميركية ناسا إمكانية إرسال مسبار فضائي إلى النظام الشمسي “ألفا سنتوري” بحلول عام 2069، وتسعى لإيجاد حلول للسفر بنسبة 10 بالمئة من سرعة الضوء.

ولو افترضنا أن التكنولوجيا تم تطويرها وأن المسبار سيغادر الأرض في الوقت المحدد له، فإنه سيصل مقصده بعد 43 أو 44 سنة، أضف إلى ذلك أربع سنوات لتصل بيانات المسبار إلى الأرض، وقد يعد ذلك طفرة تقنية هائلة، ولكنه لن يفتح بوابة السفر إلى ما هو أبعد في الكون، إذن هل السفر بسرعات تماثل سرعة الضوء أو تتجاوزها ممكن تكنولوجيا؟

رغم سرعته الفائقة لا ينتقل الضوء على الفور، ويقضي ما يقدر بين 100 ألف إلى 180 ألف سنة لقطع مسافة قطر مجرتنا درب التبانة، ومئات الألوف أو ملايين السنوات للقيام برحلة إلى أقرب جيرانها من المجرات.

وكذلك تؤكد نظرية ألبرت أينشتاين للنسبية الخاصة أن سرعة الضوء هي الحد الأقصى للسرعة في الكون، وأي جسم له كتلة لا يمكن أن يتحرك بسرعة مساوية أو تفوق سرعة الضوء، فكلما ارتفعت سرعة الجسم كلما زادت كتلته وبالتالي زيادة الطاقة لمواصلة تسريعه وهو ما سيفضي في نهاية المطاف إلى مقدار غير محدود من الطاقة.

وقد تم التأكد من ذلك من خلال تجربة في “المسارع النووي الكبير” في جنيف حيث تم تسريع الجسيمات إلى 99.99 بالمئة من سرعة الضوء فأصبحت كتلتها 7000 مرة أكثر مما كانت عليه في البداية.

إذا ما الذي يعنيه ذلك؟ هل يبقى السفر بين النجوم والمجرات ضربا من الخيال العلمي؟

وفقا لنظرية النسبية العامة (1916) لأينشتاين، المكان والزمان مرتبطان ولا يمكن أن يوجد أحدهما بمعزل عن الآخر ويشكلان “نسيجا” رباعي الأبعاد يعرف بـ”الزمكان”، وكل شيء له كتلة وطاقة يؤثر في شكل هذا النسيج، وينتج انحناءات وتجويفات في هندسته، وبالتالي يولد قوة جذب كما تفعل الكواكب والنجوم.

وفي عام 1994 وضع الفيزيائي المكسيكي ميغيل ألكوبيير نموذجا رياضيا للسفر أسرع من الضوء، يذعن للنسبية ويتفق مع معادلات أينشتاين، وتشير نظريته إلى إمكانية تغيير الفضاء من حول السفينة عوضا عن تسريعها، والسفينة بحد ذاتها لن تسير أسرع من الضوء ولكن الفضاء المحيط بها هو من سيفعل ذلك، يتقلص أمامها ويتوسع من خلفها ما يخلق موجة تحركها نحو وجهتها.

ويعد هذا المبدأ الأكثر قابلية للتطبيق، بيد أنه إلى يومنا هذا لا توجد طريقة لإنشاء موجة فضائية، مع أنه ثبت أن الفضاء مرن والطبيعة تفعل ذلك، فمنذ الانفجار الكبير يتوسع الفضاء باستمرار.

وفي هذا الشأن يقول نيل تايسون عالم الفيزياء الفلكية “السفر الروتيني بين النجوم أمر مستحيل دون اكتشافات جديدة تتعلق بنسيج الـ’زمكان’ أو القدرة على التلاعب به لاحتياجاتنا”.

وهناك خيار آخر ولكن أكثر تعقيدا، ويسمى بـ”الثقب الدودي”، وهو عبارة عن ممرات داخلية موجودة في قلب الثقب الأسود يفترض أن من يدخلها يخرج من ناحية أخرى في الكون أو في كون آخر وزمان آخر، والسفينة الفضائية ستخلق نفقا مماثلا في نسيج الـ”زمكان” حيث يوجد مدخل ومخرج للوجهة المحددة. ولا شك أن “محرك ألكوبيير” و”الثقوب الدودية”، يبدوان مثيرين للإعجاب من الناحية النظرية، ولكنهما لا يزالان حبيسين التأملات والفرضيات، وبعيدين عن الإمكانات البشرية الحالية، ولكن هذا لن يثني الرغبة العميقة للجنس البشري في المضي قدما نحو تجسيد هذا الحلم على أرض الواقع، ومواصلة رحلة اكتشاف الكون الذي وصفه الفيلسوف وعالم الفلك الشهير غاليليو غاليلي بأنه “كتاب ضخم مفتوح بين أعيننا ومكتوب باللغة الرياضية”، وإن كان كذلك فعلا، فلن يكون هناك شيء عصي على الفهم.

والخيال العلمي اليوم قد يكون علم الغد، ألم يعتبر جمهور “ستار تريك” في الستينات كل الاتصالات اللاسلكية لطاقم السفينة هي خيال علمي ولكن بعد نصف قرن كلنا مجهزون بهواتف ذكية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: