الجيش الجزائري يتجاهل المبادرات السياسية للخروج من الأزمة
أبقى قائد أركان الجيش الجزائري الجنرال أحمد قايد صالح على خيار الانتخابات الرئاسية القادمة، كحل وحيد لإخراج بلاده من الأزمة السياسية التي تتخبط فيها منذ ثلاثة أشهر، رغم الرفض الشعبي والسياسي للاستحقاق المذكور، ورغم المبادرات السياسية التي أطلقتها أحزاب سياسية وشخصيات مستقلة، بغية تجاوز المرحلة القائمة وتلبية مطالب الحراك الشعبي.
وتجاهل قايد صالح كل المبادرات السياسية المطروحة على الساحة للخروج من الأزمة، بما فيها خارطة الطريق التي كشف عنها الدبلوماسي السابق والشخصية المستقلة أحمد طالب الإبراهيمي، التي دعا فيها إلى فتح حوار بين المؤسسة العسكرية وقوى الحراك الشعبي وأحزاب المعارضة.
وأكد الجنرال قايد صالح في رسائل أطلقها أمس الإثنين، من مقر الناحية العسكرية الرابعة بورقلة، على أن الانتخابات الرئاسية القادمة تمثل العمود الفقري للمرحلة المقبلة، وأن الاستحقاق الانتخابي سيقطع الطريق على مساعي تمديد الأزمة السياسية في البلاد.
وهو ما يوحي بأن الموعد القادم يمثل في نظر القيادة العسكرية عمود الحل المثالي للأزمة، بينما يراه كثيرون في الطبقة السياسية والحراك الشعبي إغراقا للبلاد في أزمة أعقد مما هي عليه الآن.
وقال قايد صالح “إن الانتخابات الرئاسية ستضع حدا لمن يحاول إطالة أمد الأزمة، وأن الأولوية الآن هي لتشكيل الهيئة المستقلة لتنظيم الانتخابات”، في حين يجزم الكثير في الجزائر بأن الانتخابات الرئاسية المقررة في الرابع من يوليو المقبل باتت مستحيلة عمليا، قياسا بالظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد منذ نحو ثلاثة أشهر.
ورغم أن مصطلح الانتخابات جاء فضفاضا وعاما ولم يتضمن موعد الرابع من يوليو بشكل صريح، إلا أن تصريحات قايد صالح جاءت مخيبة لآمال الحراك الشعبي ولقوى المعارضة السياسية، المتمسكة بمطلب رحيل السلطة وتنظيم مرحلة انتقالية.
وبات الجنرال أحمد قايد صالح الذي يشغل أيضا منصب نائب وزير الدفاع الوطني حاكما فعليا للبلاد منذ تنحي الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة عن السلطة تحت ضغط الشارع، وما زالت خطاباته ومواقف المؤسسة العسكرية تمثل توجها مهما في التطورات التي تعرفها الجزائر، رغم مزاعم التظاهر بعدم التدخل في الشؤون السياسية والتجاذبات.
ووجه قايد صالح نحو عشرين خطابا وكلمة منذ انطلاق أحداث الحراك الشعبي قبل نحو ثلاثة أشهر، بالبزة العسكرية ومن الثكنات النظامية. وتضاربت تصوراته بين دعم وحماية الحراك الشعبي ومرافقته لتحقيق مطالبه، وبين فرض سياسة ورموز النظام السابق والتمسك ببقاء المؤسسات الانتقالية، وبالأجندة السياسية المرفوضة شعبيا. ويتهم قايد صالح بنكث عهوده السابقة باحترام وتطبيق بنود الدستور للخروج من الأزمة.
ورغم إجماع المبادرات السياسية المتداولة في المشهد الجزائري، على ضرورة الذهاب إلى مرحلة انتقالية قصيرة تتوج بانتخابات رئاسية، وإلى إعلان دستوري يجمد العمل بالدستور الحالي الموروث عن نظام بوتفليقة، ويحدد مهام وصلاحيات الهيئات الانتقالية التي تضطلع بإدارة المرحلة وتنظيم الاستحقاقات المنتظرة، شدد قائد أركان الجيش على ضرورة تفادي الوقوع في الفراغ الدستوري والمؤسساتي.
وقال قايد صالح “إن إجراء الانتخابات الرئاسية يمكّن البلاد من تفادي الوقوع في فخ الفراغ الدستوري، وما يترتب عليه من مخاطر وانزلاقات غير محمودة العواقب، وهو ما يستلزم من كافة الخيرين من أبناء الجزائر الغيورين على سمعة وطنهم ومصالح بلادهم ومكانتها بين الأمم، الالتفاف حول هذا المسعى المصيري على مستقبل البلاد”.
وكان تصريح رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض محسن بلعباس، أول ردود فعل الطبقة السياسية التي علقت على موقف قيادة المؤسسة العسكرية من الأوضاع السياسية الاستثنائية التي تعيشها البلاد، حيث ذكر في منشور له على حسابه الرسمي أنه “بعد أسبوعين من الامتناع عن الكلام، يعيد رئيس أركان الجيش خطابه للأمة من داخل الثكنات، ويواصل تأكيده على الانتخابات الرئاسية دون المرور بفترة انتقالية قادرة على وضع الآليات، ومنها هيئة مستقلة لتنظيم ومراقبة الانتخابات، والتي تضمن انتخابات شفافة وحرة”.
قايد صالح تجاهل كل المبادرات السياسية المطروحة على الساحة للخروج من الأزمة، بما فيها خارطة الطريق التي كشف عنها الدبلوماسي السابق والشخصية المستقلة أحمد طالب الإبراهيمي
وأضاف “رغم عدم مهاجمته هذه المرة الذين يعيقون الحل الدستوري، يساوم على المواقف التي فقدت بشأنها الأمة الكثير من الوقت، والحل الدستوري ببساطة ليس حلا، بل يبقى مشكلة”. ورفض القضاء العسكري الإثنين ملتمسا للإفراج المؤقت المقدم من دفاع كل من سعيد بوتفليقة، وعثمان طرطاق، ومحمد مدين، ورئيسة حزب العمال لويزة حنون، المحبوسين في السجن العسكري بالبليدة بتهمة التآمر على سلطة الجيش والدولة.
وعاد أحمد قايد صالح للحديث عن المسألة بالقول “لا شك أن رؤوس الفتنة التي انكشف أمرها وأمر أعمالها الإجرامية والخبيثة والمضرة بالجزائر، هي الآن تنال جزاءها العادل والمنصف بالحق والقانون، وسوف يكون ذات المصير، إن شاء الله تعالى، لكل الذين تورطوا في التآمر على الجيش وعلى الجزائر، من خلال ما اقترفوه من أعمال إجرامية”.
وفي تلميح إلى إمكانية التحاق وجوه أخرى بلائحة المعنيين بما بات يوصف بـ”المؤامرة ضد الجيش والدولة”، أشار قائد الأركان إلى ذلك بالقول “هؤلاء الذين ستكشفهم مستقبلا التحقيقات المعمقة والمثابرة الجارية، سينالون هم أيضا جزاءهم العادل والمنصف بالحق والقانون”.