البرلمان التونسي يُجهز على مبادرة المساواة في الإرث
التعطيل الممنهج لمناقشة مشروع قانون المساواة في الإرث المثير للجدل في تونس يثير تساؤلات حول دور حركة النهضة الإسلامية في عرقلته، والتي يقول مراقبون إنها عملت طيلة الفترة الماضية على عامل الوقت لإجهاض المبادرة التي أطلقها الرئيس الباجي قائد السبسي.
فقد أنصار مبادرة المساواة في الإرث بتونس الأمل في إمكانية نجاحها أمام التجاهل الذي يلقاه مشروع القانون داخل البرلمان الذي شارفت مدته النيابية على الانتهاء.
وقالت رئيسة لجنة الحقوق والحريات بشرى بلحاج حميدة إنه “بات من المستحيل الانتهاء من مشروع هذا القانون نتيجة التعطيل الممنهج الذي يتعرض له”.
وأوضحت بشرى بلحاج حميدة في تصريحات لصحيفة “المغرب” المحلية أنه “بعد مرور 6 أشهر على إيداعه بمجلس نواب الشعب لم تنعقد سوى جلسة وحيدة لمناقشته”.
وقبل ذلك عبرت منظمات من المجتمع المدني، من بينها جمعية “بوصلة” و”أصوات نساء”، عن استنكارها لتأجيل النظر في مشروع القانون المتعلق بالمساواة في الميراث وتغيير جدول أعمال لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية داخل مجلس النواب بسبب غياب وزير العدل محمد كريم الجموسي.
وعبرت منظمة “البوصلة” في بيان عن تفاجئها بتغيير جدول أعمال لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية دون سابق إعلام، مشيرة إلى أن مشروع القانون المتعلق بالمساواة في الميراث “لم تنعقد من أجله سوى جلسة استماع واحدة، رغم استعجال النظر الذي يحظى به”.
كما أثار التأجيل حفيظة بعض النواب الذين طالبوا بوضع جدول زمني واضح للاستماع إليهم بسبب تغيّب ممثلي الحكومة.
وكان من المقرر أن تناقش لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية خلال جلسة الخميس، مع ممثلين عن وزارة العدل بشأن مشروع القانون الأساسي المتعلق بتنقيح مجلة الأحوال الشخصية والمعروف بقانون المساواة في الميراث، وحول مشروع القانون المتعلق بتنقيح وإتمام مجلة الجنسية.
إلا أن رئيس اللجنة سهيل العلويني أعلن إثر افتتاح عمل اللجنة عن تأجيل النظر في مشروع القانون المؤسس للمساواة في الميراث بسبب عدم حضور وزير العدل، لتكتفي اللجنة بمشروع القانون المنقح لمجلة الجنسية الوارد من وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن.
وحملت تصريحات بشرى بلحاج حميدة اتهامات مبطنة إلى حركة النهضة الإسلامية بعرقلة هذا المشروع والعمل على إسقاطه أو على الأقل تأجيل الحسم فيه إلى ما بعد الانتخابات المقبلة، باعتبارها المسيطرة على البرلمان بأكبر كتلة إضافة إلى تحالفها مع حركة “تحيا تونس” المحسوبة على رئيس الحكومة يوسف الشاهد.
ويبدو أن حركة النهضة عملت طيلة الفترة الماضية على كسب الوقت وعدم طرح هذا القانون على البرلمان في هذه المرحلة، تجنبا للإحراج أمام قواعدها، إذا ما تم تمريره والمصادقة عليه. أما في صورة ما تم إسقاطه بسبب رفضها له فستواجه حملة تشكيك داخلية وخارجية بشأن عدم احترامها لمدنية الدولة.
لكن سهيل العلويني، نفى أن تكون هناك نية في تعطيل مشروع القانون، معتبرا أن قانون المساواة في الإرث “ليس قانونا عاديا حتى يتم تمريره بسرعة”.
وتابع قائلا “أتفهم وجود ضغوط لتمرير مشروع القانون المذكور لكنه مشروع هام ويهم مجلة الأحوال الشخصية ويجب أن نستمع إلى الحكومة ممثلة في وزارة العدل ومن ثمّ سيتم الاستماع إلى منظمات المجتمع المدني”.
وأوضح أن “اللجان التشريعية داخل المجلس تشتغل على عدة مشاريع قوانين، ولها برنامج مضبوط لمناقشة عدد منها، وهذا المشروع ليس الوحيد المطروح للنقاش”.
وأثار مشروع القانون جدلا كبيرا في تونس منذ طرح المبادرة من قبل الرئيس الباجي قائد السبسي في 2017.
ويستند مؤيدو المبادرة ورافضوها إلى الدستور لتمريرها أو إسقاطها. وفي حين يؤكد داعموها على أن الدستور ينص على المساواة التامة بين الجنسين، يستند معارضوها على المرجعية الإسلامية للدولة التي يؤكد عليها الفصل الأول من الدستور.
وعرض القانون على أنظار لجنة الحقوق والحريات بمجلس النواب، لتدارس فصوله، التي يزيد عددها عن 360 فصلا ويتطلب نقاشها وقتا طويلا، بعد أن تمت المصادقة عليه في مجلس وزاري برئاسة الرئيس قائد السبسي في نوفمبر الماضي.
وقال مراقبون حينذاك إن الرئيس التونسي وضع حركة النهضة الإسلامية من خلال هذه المبادرة أمام امتحان جديد بشأن احترام مدنية الدولة. ويرى هؤلاء أن النهضة ستواجه اختبارا صعبا داخل البرلمان وأمام قواعدها.
وتطبع الازدواجية موقف حركة النهضة من قانون المساواة في الإرث؛ ففي حين صرحت قيادتها خارج حدود البلاد بعدم ممانعتها للمبادرة، كثفت شخصيات ومنظمات محسوبة عليها من تحركاتها داخليا لإسقاطها.
وقال رئيس الحركة راشد الغنوشي في مقابلة مع صحيفة “لو باريزيان” الفرنسية في نهاية نوفمبر الماضي إنه “لا يعارض المبادرة”.
وأضاف “الأصل في الأشياء الحرية. المورّث حر في الطريقة التي يختارها. من يريد توريث أطفاله بالمساواة فله ذلك، لكن مجتمعنا التونسي محافظ. واستطلاعات الرأي تظهر أن الأغلبية تريد الاحتفاظ بالنظام القديم لتوزيع الإرث (أي حسب الشرع). أما نحن فمع حرية الاختيار”. وقادت عدة منظمات وشخصيات مقربة من حركة النهضة الأشهر الماضية سلسلة احتجاجات على المبادرة التي اعتبروها تعديا على الدين الإسلامي.
ويخيم الغموض على مصير المبادرة لاسيما وأن المدة النيابية للبرلمان لم يبق منها سوى خمسة أشهر حيث من المزمع إجراء الانتخابات التشريعية في أكتوبر والرئاسية في نوفمبر.
ويعتبر كثيرون أن المبادرة فشلت، غير مستبعدين إمكانية إعادة طرحها من قبل البرلمان أو الرئيس القادمين في صورة فوز القوى الحداثية في الانتخابات المقبلة.