نمطية الخطاب لا تجتث التطرف من المساجد

تتزايد في شهر رمضان جهود المؤسسات الدينية لمواجهة الأفكار المتطرفة على مستوى المبادرات والخطط الساعية إلى السيطرة على أكبر قدر من تحركات التنظيمات المتطرفة داخل المساجد وخارجها وتقليص إمكانية نفاذ الأفكار المتشددة إلى المواطنين.

ويطغى على كل هذه الجهود الرسمية، الجانب الوظيفي الذي يفقدها الكثير من قوتها ومقاصدها الأساسية الهادفة إلى اقتلاع جذور التطرف.

تظل مشكلة عدم الاستفادة من الأدوات التي تمتلكها المؤسسات الدينية عائقا أمام تحقيق طفرة على مستوى مواجهة الأفكار المتطرفة، ورغم الدورات التدريبية المتعددة التي وفرتها وزارة الأوقاف المصرية ومؤسسة الأزهر، للوعاظ والدعاة، استمرت المشكلة الأساسية في كيفية إقناع المتلقي بالأفكار الحداثية التي تتطلب جهودا مبتكرة على مستوى الخطاب ومسايرته للعصر الحالي.

اتفقت مؤسسة الأزهر ووزارة الأوقاف، خلال شهر رمضان الجاري، على تنظيم 12 ألف ملتقى فكريا في ألف مسجد بالمحافظات المختلفة، يقدمها 50 ألف واعظ وواعظة جرى توزيعهم على المساجد التابعة لوزارة الأوقاف، وأعلن الأزهر وجود خطة دعوية تشمل 11 برنامجا تقدمها قوافله في أماكن عديدة، بالتوازي مع إصدار المئات من التقارير والبيانات التي تفند محتوى أفكار المتشددين من قبل المؤسستين.

لا تلقى الملتقيات التي ينظمها الأزهر والأوقاف قبولا واسعا من جانب الجمهور، تحديدا في المناطق البعيدة عن العاصمة القاهرة، لأنها تقام في أوقات عمل غالبية المواطنين -بعد صلاة العصر- وتقوم على الدروس الوعظية التقليدية، ومضامينها من اختيار المؤسسات الدينية وليس وفقا لحاجات الجمهور في كل منطقة.

وتقام الملتقيات في المساجد الكبيرة التي تعمل بشكل رسمي، من دون أن تكون هناك جهود موازية في الزاويا (المساجد) الصغيرة التي ما زالت تحت سيطرة تيار السلفيين وبعض الجماعات المتطرفة، ويبلغ عددها حوالي 30 ألف زاوية بالمحافظات المختلفة، أغلبها لم يحصل على تراخيص العمل من قبل وزارة الأوقاف، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي).

تظهر نمطية أداء المؤسسات الدينية من خلال “ملتقى الفكر الإسلامي”، الذي تنظمه وزارة الأوقاف في ساحة مسجد الحسين (أكبر الساحات الشعبية في رمضان)، أن عوامل جذب الجمهور في تلك المنطقة التي تشهد إقبالا كبيرا من المواطنين  تكاد تكون غائبة، وتقوم بالأساس على لفت الأنظار إلى مكان الملتقى.

عبدالغني هندي: الخطب المكررة، لا تمكن من السيطرة على المساجد
عبدالغني هندي: الخطب المكررة، لا تمكن من السيطرة على المساجد

قال محمد ربيع، أحد الذين يحرصون على حضور الملتقى، إن الخطاب المقدم يقوم على الحوار من جانب طرف واحد فقط، وهو الشخص المنوط به إلقاء المحاضرة، وإن المتلقي يغيب عن المشاركة، بالإضافة إلى أن الموضوعات التي يقدمها خلال العام الجاري وحتى الآن لم تختلف عما قدمه في العامين الماضيين.

وأضاف في تصريحات أن تفنيد حجج الجماعات الإرهابية بشكل متكرر في جميع المنتديات والندوات من نفس الأشخاص وبنفس الطريقة، قد لا يأتي بالمردود المتوقع، لأن هذا الخطاب أضحى بحاجة إلى التجديد المستمر، وبحاجة إلى الاستماع لتجارب المواطنين الذين قد يكون البعض منهم تربى على هذه الأفكار، وبالتالي سيكون بحاجة إلى جهود مكثفة ومختلفة عن باقي العوام.

ومع أن ملتقى الفكر الإسلامي بمنطقة الحسين يستضيف في كل عام العديد من المثقفين والكتاب والمسؤولين فإنه يعاني من تكرار هذه الأسماء، إلى جانب أن عنوان الملتقى الأساسي هذا العام والذي يركز على “نشر مكارم الأخلاق والقيم الإنسانية”، لا يحقق عنصر الجذب اللازم للفئات الشبابية التي ترى أن الكثير من موضوعاته ليس لها علاقة بالواقع.

وما يبرهن على أن تكثيف الجهود ينصب على الكم وليس الكيف، أن وزارة الأوقاف حرصت على زيادة أعداد الملتقيات التي تنظمها في رمضان من 5600 ملتقى في العام 2017، إلى 12 ألف ملتقى هذا العام، لكن لم تركز على كيفية ابتكار وسائل جديدة من الممكن أن تشكل عامل جذب للجمهور الذي تستهدفه وتدفعه إلى الاقتناع بما تقدمه.

وأكد عبدالغني هندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أن سيطرة الحالة الوظيفية على دعاة ووعاظ الأزهر والأوقاف تظل إحدى المشكلات التي تعاني منها المؤسسات الدينية في مصر، بعد أن فشلت في سد الفراغ الذي تركته التنظيمات الإسلامية في العديد من مراكز قوتها، بالتالي فإن انجذاب الجمهور لم يكن لرموز هذه المؤسسات، بل الذهاب إلى وسائل غير رسمية للحصول على المعلومات الدينية والفتاوى.

وأضاف في تصريحات ، أن سيطرة المؤسسات الدينية على المساجد بصفة تامة تواجه مشكلات في ظل عدم قناعة المواطنين بها، وذلك يرجع إلى وجود قوالب خطابية واحدة يتعامل بها جميع الدعاة والوعاظ من دون أن تكون هناك دراسة لحالة كل منطقة وماهية المحتوى الذي يصلح معها، وكذلك حسن اختيار الأشخاص الذين يجيدون التعامل مع تلك الفئات.

وأوضح هندي أن “ملتقى الفكر الإسلامي” لا يحقق الغرض من إقامته لأن الإقبال عليه محدود مقارنة بالمنطقة المكتظة بالمواطنين، والأمر لا يرتبط فقط بمستوى الخطب المقدمة، لكن له علاقة باستراتيجية مواجهة التطرف غير الواضحة، بالإضافة إلى غياب الخطط الإبداعية التي تبني على أساسها المؤسسات الدينية علاقتها بالجمهور.

ويغلب على خطوات الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء الرغبة في الظهور وإثبات حسن النوايا في مواجهة الأفكار المتطرفة، وهو ما انعكس على اتخاذ القرارات المتعلقة بتنقية كتب التراث، وإنشاء وحدات لرصد الأفكار المتطرفة، ومضاعفة الأنشطة الخاصة بتدريب الأئمة والوعاظ، وإرسال القوافل الدعوية إلى القرى والنجوع.

وتظل هذه الخطوات من دون تقييم لأدوارها وقدرتها على الوصول للمواطنين من عدمه، ولم تقترب بالطبع من تجديد الأفكار بصورة حقيقية، وارتبطت بتصحيح المفاهيم وفقا للرؤى القديمة، وتعد في النهاية بمثابة جهود متناثرة ومتكررة من المؤسسات الدينية، ولا توجد جهة واحدة تنسق أعمالها، بما يؤدي إلى عدم تعارضها، وتطويعها لتتلاءم مع الفئات التي تخاطبها.

ويرى البعض من المراقبين أن خطط واستراتيجيات مواجهة التطرف ما زالت تتجاهل العوامل السياسية والاجتماعية المتسببة في انتشار هذه الأفكار المتشددة وتركز في المواجهة على الجانب الديني فقط، كما أن مركزية عمل الجهات الدينية تقف عائقا أمام تأثيرها لاختلاف طبيعة كل منطقة، وأن القوانين المنظمة لعملها أضحت بحاجة إلى التعديل، لكنها بحاجة أيضا إلى تطوير في أداء عناصرها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: