جمود العقل وترك الاجتهاد علة تأخّر المسلمين

إلى اليوم ما زالت تطرح عدة أسئلة مزمنة لازمت تاريخ الإسلام وشغلت الباحثين في شؤونه، من قبيل ما هي أسباب تأخر المسلمين وعدم تمكنهم من لحاق ركب حضارات وثقافات أخرى، تمكّنت بفضل تغليب العقل والاجتهاد من بلوغ مرحلة التميّز والابتكار لتدبر شؤون الناس بما يتلاءم مع متطلبات العصر.

ويجمع أغلب المهتمين بالشؤون الإسلامية على أن سوء التعامل مع مسألتي علاقة الدين بالأخلاق وكذلك عدم الاعتماد على الاجتهاد، كانا من أكثر الأسباب التي ساهمت في تعثر تطور المسلمين طيلة قرون، فرغم أن الاجتهاد يُعد من أكثر القضايا وضوحا في الإسلام، إلا أن المسلمين أهملوا توسله لإدراك العصر ومواكبة متغيراته المتحركة بوتيرة سريعة.

ويقتضي تطور المجتمعات وما يرافقه من بروز قضايا جديدة تتطلب حلولا تتناسب معها، تضافر جهود كل العلماء والمشتغلين في حقل الفكر والشؤون الإسلامية لمواكبة التطورات ومسايرة الأوضاع دون التفريط في الثوابت، ولكن باعتماد العقل والاجتهاد كأداتين مجديتين لإيجاد حلول للمشكلات والضغوط المتلاحقة التي تفرضها سيرورة المتغيرات على الأفراد والمجتمعات والتي تستدعي وجوب البحث عن مخارج تراعي ثوابت الدين ومتطلبات العصر على حد السواء.

في هذا الصدد أكد أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي، أنه استنتج كغيره من الباحثين المهتمين بشؤون الدين والتدين، أن ما وقع من تأخر للمسلمين سببه عدم أخذهم بسنن الكون المبنية على السعي والاجتهاد والتي جاءت واضحة المعالم في القرآن الكريم، وتفشي الجهل فيهم وقلة العلماء المؤثرين، وكذلك جمود العقول وفساد الأخلاق.

أحمد التوفيق: تأخر المسلمين سببه عدم الأخذ بسنن الكون المبنية على الجهاد
أحمد التوفيق: تأخر المسلمين سببه عدم الأخذ بسنن الكون المبنية على الجهاد

وأكد التوفيق في افتتاحه للدروس الحسنية الرمضانية التي تلقى في حضرة العاهل المغربي الملك محمد السادس بداية رمضان من كل عام، أن علاقة الدين بالأخلاق لم يعد ينظر إليها بالنظر الفلسفي المتشكك، لأن الدراسات الحديثة لهذه الظاهرة تنطلق من كون الديانات التي تعتمد الكتب المنزلة، لها مرجعيتها في مسألة أصل الخير والشر، معلقا أن القصد بقيم الدين في الإسلام هو كل ما ورد في القرآن الكريم وفي السنة الصحيحة من أحكام وأخلاق.

وأوضح الوزير المؤرخ أن مدلول مصطلح “التنمية” -مصطلحا “التنمية” و”النموذج” بنى عليهما درسه الرمضاني في المحفل الديني الذي أقيم برحاب القصر الملكي في العاصمة الرباط، الجمعة الماضي، والذي حضره جمهور العلماء والسفراء وكبار المسؤولين، من المغرب وخارجه- كما نستعمله اليوم ، بمعنى الزيادة في القيم المختلفة، أموالا كانت أو غيرها، معناه متضمن في التزكية، ولكن التزكية تزيد عنه بمعنى الطهارة، التي تعني في باب المال سلامة وجه اكتسابه وصواب وجه إنفاقه.

أما بشأن مصطلح “النموذج” فيرى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي أن الكلام عنه مبرر في عدة أوجه، منها أن الدين في اعتقاد أهله نموذج في حد ذاته لكمال وتوافق عناصره، ومن ثمة فأسلوب العيش الذي يقترحه لا يمكن أن يكون إلا نموذجيا.

وأكد في في معرض تناوله للمحور الأول في الدرس الرمضاني، المتعلق بـ”مستند الحديث عن علاقة قيم الدين بنموذج التنمية”، أن الإشارة إلى المصطلح المذكور هي تعبير عن النموذجية في حياة الأمة بشروطها، مستدلا على ذلك بقوله الله تعالى “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله”.

وأوضح الوزير المسؤول عن تدبير شؤون الدين الإسلامي في المملكة المغربية أن المعروف، وبقراءة العصر، أنه يمكن التصديق على كل الأعمال المؤطرة بالقوانين والتأسيسات التي تتبناها الجماعة لصالحها، ما لم تناقض حكما قطعيا في الشرع، لاسيما إذا أخذنا بأن الجمهور يقابله اليوم ما يسمى بالأغلبية، موضحا أن مفهوم الأمر بالمعروف مفهوم عظيم جاء ليؤسس حياة المسلمين على اليقظة الدائمة من أجل القيام على البناء المستدام، وعلى الإصلاح من أجل المعالجة المستمرة لأنواع الفساد.

ولام الوزير المؤرخ، أحمد التوفيق، المسلمين على تفويتهم على أنفسهم فرصة الاستفادة التاريخية الكبرى لأسباب ذكر منها على الخصوص عدم التدبر الكافي لسنن الكون، ومنها سنن التاريخ، وعدم توفر الشروط المادية المتوفرة اليوم لتفعيل وازع السلطان، أي سلطة القانون، معلقا بأن الآية بحدودها أو عناصرها ترسم نظاما جماعيا أو بالأحرى نموذجا، في إطار منافسة الأمم الخيرية التي هي غاية النموذج الذي تضع له شروطا تلزم الأمة.

وخلص الوزير المغربي إلى الاستدلال بماكس فيبير، المفكر الألماني الذي أعاد بأطروحته المنشورة عام 1905 حول “الرأسمالية والأخلاق البروتستانتية”، النقاش حول تأثير قيم الدين في الاقتصاد، واصفا إياه بالذي ذهب إلى القول بأن التفسيرات الدينية لطائفة البروتستانت قد تحكمت في سلوكاتهم الاقتصادية بخصوص الادخار والاستثمار، مشيرا إلى ما قام به الباحث الألماني إرنست طرولتش، مؤسس السوسيولوجيا الدينية، الذي قام بإغناء وتعديل أطروحة فيبير، وبين أن تأثير الدين في الاقتصاد لا ينحصر عند ثنائية البروتستانت والكاثوليك، بل ظهر في ديانات أخرى في أوقات وأزمنة مختلفة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: