أفريقيا بوابة تطرف متخف وراء بصمات داعش

إن تزامن تصاعد العنف والعمليات الإرهابية في عدة دول أفريقية، دفع العديد من الخبراء وكذلك الدارسين المختصين في شؤون الجماعات المتطرفة إلى إطلاق ناقوس خطر وإشارات محذّرة من أن تنظيم الدولة الإسلامية هو الآن بصدد إعادة تشكيل نفسه في القارة الأفريقية عبر عقد ارتباطات وثيقة مع جماعات محلية متمرّدة لتعويض خسارته المدوية في سوريا والعراق. لكن تصديق هذه المعطيات، لا يحجب بالتوازي مع ذلك حقيقة أخرى مفادها أن الاندفاع بشكل مفرط في ربط المجموعات الإقليمية بداعش يزيد في حدة التشدّد ولا يقلل من وطأته، ما يستدعي ضرورة إيلاء أهمية كبرى لهذه الجماعات المحلية والتفكير في آليات لتخليص القارة السمراء منها.

يجمع أغلب المطلعين، على تاريخية الجماعات المتشددّة، على أن تنظيم الدولة الإسلامية يعد من أكثر الجماعات دموية وأنه بمقدوره الظهور مجدّدا في مناطق أخرى بأشكال مغايرة لما ظهر عليه في السابق بكل من سوريا والعراق وليبيا.

عقب الهزائم العسكرية التي تكبّدها التنظيم المتطرف في أهم معاقله خاصة بسوريا، دقّت جل الدراسات ناقوس الخطر محذرة المجتمع الدولي من أن داعش قد يتركز مجددا لكن هذه المرة في أفريقيا بعد كشف خططه الساعية للانصهار أو الالتقاء مع بعض المجموعات المحلية المتمرّدة في الكونغو الديمقراطية أو في الموزمبيق وغيرها.

تستند جل هذه المقاربات إلى حد بعيد على روايات وبروباغندا سابقة روجها تنظيم الدولة الإسلامية والتي تقول منذ عام 2016 أن التنظيم تمكّن من التوسّع وحوّل بعض قياداته ووسائط إعلامه وثروته إلى أفريقيا.

لكن ما يثير الاهتمام أنه وعلى عكس جماعات متطرفة أعلنت ولاءها لتنظيم الدولة الإسلامية كجماعة “بوكو حرام” المتمركزة في نيجيريا ومالي وغينيا وكذلك مجموعات إرهابية صغيرة كـ”جند الخلافة” المتمركزة في جبال تونس والجزائر، فإنه لم يثبت بعد وبصفة دقيقة وجود صلة مباشرة بين “القوات الديمقراطية المتحالفة” المتمردة في الكونغو الديمقراطية أو جماعة “أهل السنة والجماعة” في الموزمبيق بتنظيم الدولة الإسلامية.

ويتطلب تطور نسق العمليات الإرهابية في الكونغو الديمقراطية أو الموزمبيق وسط أفريقيا، التفكير بأكثر جدية في مخاطر هذه الجماعات المحلية المروعة لأمن البلدان والقارة بأكملها، من منظور يذهب إلى أبعد من كونها مجرّد امتداد لتنظيم الدولة الإسلامية، لأن الإسهاب في ربطها بداعش قد يزيد في عنفها خاصة أنها تتغذى من بيئة فقيرة تتركز فيها حكومات عادة ما تكون غير عادلة مع شعوبها.

كل هذا الجدل الذي تثيره، “القوات الديمقراطية المتحالفة” أو جماعة “أهل السنة والجماعة”، سلطت عليه الضوء مجلة “فورين بوليسي” الأميركية في تقرير هام جاء تحت عنوان “كل الجهاد في أفريقيا محلي”.

وتنطلق المقاربة من هجوم شنه تنظيم الدولة الإسلامية في الشهر الماضي، استهدف أعضاء في جيش جمهورية الكونغو الديمقراطية، وما رافق ذلك من تعبير بعض المراقبين عن مخاوفهم من أن الجماعة المتشددة تشق طريقها إلى أفريقيا.

هذه التوجسات أكدها رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، بإعرابه عن مخاوفه من أن تحاول الجماعة الإرهابية تعزيز تواجدها في أفريقيا بعد هزيمتها في سوريا والعراق.

العمليات الإرهابية التي تشنها الجماعات المتمردة تشبه إلى حد كبير ممارسات داعش، من خلال وحشيته التي تصل حد قطع الرؤوس

كما قال متحدث باسم القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا إن هناك روابط بين الدولة الإسلامية وجماعة “تحالف القوات الديمقراطية” المتمردة. في وقت تثار فيه أيضا بجنوب القارة الشرقي، مخاوف مماثلة بشأن التهديد الذي يمثله التمرد في الموزمبيق.

يطلق سكان الموزمبيق على المتمردين مجموعة متنوعة من الأسماء التي تشير إلى صلاتهم بالجماعات الإسلامية الدولية، بما في ذلك “الشباب” و”أنصار السنة” و”السنة والجماعة”.

وتشبه عمليات هذه الجماعات المحلية المتمردة إلى حد كبير ممارسات داعش، حيث شارك المسلحون في عمليات وحشية، بما في ذلك قطع رؤوس السكان. وقد ألقت الحكومة الموزمبيقية القبض على المئات من الأشخاص بسبب مشاركتهم المزعومة في التمرد. ونظرا لأن العديد من الأشخاص الذين اعتقلوا كانوا من الأجانب، اعتبر البعض هذا جهادا عابرا للحدود.

وأكد تقرير من مصدر غير موثوق، صادر في إحدى صحف جنوب أفريقيا العام الماضي، سفر 90 مقاتلا من الدولة الإسلامية إلى الموزمبيق، وهو أمر نفته حكومة البلاد.

ويزعم التحليل الذي يصف المجموعات المحلية في المقام الأول على أنها فروع (أو فروع فرعية محتملة) لحركة جهادية عالمية طبيعتها التشدد، وتمتد لتخلف آثارا سياسية ملموسة وخطيرة.

في المقابل، يحذر تقرير “فورين بوليسي” من أن المبالغة في التأكيد على دور الأيديولوجيا الجهادية عبر شعارات الوطنية في التمردات الأفريقية سيؤدي إلى اتباع استراتيجيات غير فعالة لمكافحة التمرد، مثل زيادة الانتهاكات الحكومية التي أدت إلى تجنيد الجماعات المسلحة في السابق.

ويشير أولئك الذين يربطون وجود صلة بين القوات الديمقراطية المتحالفة والدولة الإسلامية إلى التمويل الذي يتلقاه المتمردون من الجهاديين عبر الحدود ومقاطع الفيديو التي نشرها تحالف القوات الديمقراطية والتي تظهر فيها علامة الدولة الإسلامية. لكن، تبقى حقيقة العلاقة بين الطرفين غامضة.

وتأسست القوات الديمقراطية المتحالفة كائتلاف من الجماعات المنشقة، العلمانية والدينية على حد سواء، ردا على قمع الحكومة الأوغندية. ومنذ ذلك الحين، ووفقا لمركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، كانت القوات الديمقراطية المتحالفة تتخفّى وراء العديد من الأقنعة بدءا من السلفية الجهادية إلى القومية العلمانية والقومية الإثنية والانفصالية، واستهدف كل قناع جمهورا مختلفا ووظّف لأغراض منفصلة.

للتصدي لعنف الجماعات المتمردة في أفريقيا، يتعين على الحكومات التفكير في التطرف المحلي وليس حصره فقط في ارتباطاته بداع

وكل هذا يجعل القتال مع المجموعة تحديا كبيرا، إذ تواجه الحكومات الأفريقية المذكورة صعوبة في تحديد الهوية المهيمنة كل مرة.

وتستخدم المجموعة خطابا يربط أنشطتها مع الجماعات الجهادية عبر نشر خطابات الوطنية بعد أن أمضت سنوات من التوسط في العلاقات بين السياسيين ورجال الأعمال المحليين، وتجنيد أعضاء عبر التحدث عن المظالم المحلية، وتوطد نفسها مع المجتمعات التي تنشط فيها بشرق الكونغو.

ولا يعني هذا عدم تأثير التطورات الدولية على عمليات المجموعة. حيث استفادت المجموعة في الواقع من التنافس الإقليمي بين أوغندا والسودان والكونغو. كما تمكّنت المجموعة المتمرّدة من تجنيد أعضاء محليين من خلال توظيف خطاب مستوحى من الأيديولوجيا الجهادية عبر الوطنية.

لكن هذه الخطابات لا تشكل صلة قوية بين المجموعة والدولة الإسلامية، ومن المحتمل ألا يكون لها تأثير على أهداف المنظمة وعملياتها. حيث تجاهل تحليل الصحيفة الجنوب أفريقية المذكورة سلفا، والذي يركز على العلاقات مع الدولة الإسلامية عدم ثبات هوية الجماعة وراء قناع واحد وعلاقاتها بالسياسة المحلية.

وبنفس الطريقة، نشأ التمرد في شمال الموزمبيق نتيجة لتهميش الحكومة وإساءة معاملتها للمواطنين. وتعد محافظة كابو ديلغادو، أين تنشط جماعة “أهل السنة والجماعة”، واحدة من أكثر المناطق المتأخرة اقتصاديا في البلاد. وازدادت التوترات حول كيفية توزيع المكاسب من احتياطي الغاز الطبيعي الضخم في المنطقة.

وفي الوقت نفسه، مثّلت المستويات المرتفعة لبطالة الشباب نقطة ركّزت عليها جهود الاستقطاب التي تنظمها المجموعة. حيث قيّدت الحكومة الموزمبيقية وصول الصحافة إلى المنطقة، مما حدّ من كمية المعلومات المتاحة عن أنشطة المجموعة وأهدافها. وتشير المعلومات الشحيحة التي ظهرت إلى استفادة التمرد من طرق التجارة المربحة التي تمر عبر المنطقة.

تشكل الجماعات المحلية، سواء كانت مرتبطة بجماعات جهادية أم لا، تهديدات كبيرة للأمن الأفريقي. وفي الواقع، تستحق هذه الجماعات اهتماما من الحكومات. ووفقا لمركز النزاع المسلح ومشروع تحليل بيانات الأحداث، شاركت القوات الديمقراطية المتحالفة في الكونغو الديمقراطية في أكثر من 45 عملية عنيفة مرتبطة بوفاة أكثر من 100 شخص في الفترة من يناير إلى 11 مايو 2019. وكانت جلّ هذه العمليات موجهة ضد المدنيين.

وبالمثل، وفي محافظة كابو ديلغادو، شاركت “أهل السنة والجماعة” في 40 عملية عنيفة منذ بداية السنة الحالية. واستهدفت أكثر من 90 بالمئة منها المدنيين، مما خلّف أكثر من 85 قتيلا.

كل هذه العمليات الدامية تتطلب تصديا للعنف والإرهاب اللذين تشهدهما أفريقيا، لكن يتعين على كل من المجتمع الدولي والحكومات الوطنية التفكير على المستوى المحلي وليس فقط تعويم المسألة في ارتباطات هذه الجماعات بتنظيم داعش.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: