واشنطن وطهران والرياض: لا نريد الحرب لكننا نستعد لها
تتصاعد حرب تصريحات في الولايات المتحدة وإيران والسعودية تجمع على تجنب نشوب حرب في المنطقة، إلا أنه في الوقت نفسه تستعد هذه الدول للحرب.
وتناقض المؤشرات على الأرض التصريحات بشأن تجنب الحرب، ففي واشنطن نصح مسؤولو شركات الطيران في الولايات المتحدة بتوخي الحذر أثناء تحليق الطائرات فوق مياه الخليج وخليج عمان.
وذكر الأسطول الأميركي الخامس أن دول مجلس التعاون الخليجي بدأت “دوريات أمنية مكثفة” في المياه الدولية بالخليج العربي، السبت.
وجاء في بيان للأسطول الذي مقره البحرين على موقع فيسبوك أن دول المجلس “تزيد على نحو خاص الاتصالات والتنسيق مع بعضها البعض لدعم التعاون البحري الإقليمي والعمليات الأمنية البحرية بالخليج العربي”.
وأجلت شركة إكسون موبيل موظفيها الأجانب من حقل للنفط في العراق بعد سجال متبادل بين واشنطن وطهران على مدى الأيام الماضية. وحذرت البحرين مواطنيها، السبت، من السفر إلى العراق وإيران بسبب “الأوضاع غير المستقرة”.
يتزامن ذلك مع دعوة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز زعماء دول الخليج والدول العربية إلى عقد قمتين طارئتين في مكة في نهاية شهر مايو لبحث تداعيات الهجمات.
وأكدت وزارة الخارجية الإماراتية في بيان لها على أن “الظروف الدقيقة الحالية تتطلب موقفا خليجيا وعربيا موحدا في ظل التحديات والأخطار المحيطة”.
وقالت وزارة الإعلام السعودية إن اتصالا هاتفيا جرى بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو “بحثا خلاله تطورات الأحداث في المنطقة والجهود الرامية لتعزيز أمنها واستقرارها”.
وقالت السعودية إنها لا تريد نشوب حرب في المنطقة وتعمل بكل ما لديها لمنعها، لكنها مستعدة للردّ بكل قوة وذلك بعد هجمات نفذت الأسبوع الماضي على أصول نفطية سعودية من قبل طائرة مسيرة أرسلها المتمردون الحوثيون.
واتهمت الرياض طهران بإصدار أوامر بشن هجمات بطائرات مسيرة على محطتين لضخ النفط في السعودية والتي أعلنت جماعة الحوثيين المتحالفة مع إيران مسؤوليتها عنها. ووقعت هذه الهجمات بعد يومين من تعرض أربع سفن من بينها ناقلتا نفط سعوديتان للتخريب قبالة ساحل دولة الإمارات.
وقال تقرير لشركات تأمين نرويجية إنه “من المرجح بشكل كبير” أن الحرس الثوري الإيراني سهل الهجوم على السفن قرب إمارة الفجيرة بدولة الإمارات.
ولم تحمل الإمارات مسؤولية عمليات تخريب الناقلات لأي طرف في انتظار ما يتوصل إليه التحقيق. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن تلك العمليات لكن مصدرين حكوميين أميركيين قالا الأسبوع الماضي إن المسؤولين الأميركيين يعتقدون أن إيران شجعت مجموعات تابعة لها على تنفيذها.
ويعتقد مسؤولون غربيون أنهم يعرفون من وراء هذا الحادث، إذ قال أحدهم لصحيفة صنداي تلغراف “الإيرانيون محظوظون لأن الأمور لم تتم بشكل أفضل، فلو غرقت السفينة السعودية، لكنا اليوم نشهد حربا”.
وأعلن الحوثيون المدعومون من إيران مسؤوليتهم عن الهجوم بطائرات مسيرة على محطتين لضخ النفط في السعودية. وقالت الرياض إنه لم يسفر عن تعطيل الإنتاج أو الصادرات.
وتنفي إيران وقوفها وراء هذه الهجمات التي تأتي مع تزايد التوترات بين واشنطن وطهران بسبب العقوبات والوجود العسكري الأميركي في المنطقة مما أثار مخاوف من احتمال نشوب صراع أميركي إيراني.
ويبحث الحرس الثوري الإيراني عن طريقة لضرب المصالح الأميركية والدول العربية الحليفة لها دون إثارة شبهة. كما تستغل إيران الميليشيا الشيعية في العراق، التي يمكنها أن تقترب من القوات والمنشآت الأميركية هناك، بما فيها المصالح الدبلوماسية.
وكشفت معلومات استخباراتية صور أقمار اصطناعية أخذت في الأسابيع الأخيرة وعرضت على المسؤولين الأميركيين في الثالث من مايو، تظهر عناصر من الحرس الثوري الإيراني يشحنون صواريخ على قوارب في الخليج، من أجل استهداف سفن أميركية أو حليفة في مضيق هرمز.
وقال فيليب سميث المحلل في مؤسسة واشنطن، إن “إيران جندت في الأسابيع الأخيرة جماعتين هما عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله لشن هجمات في بغداد”.
وأشار إلى أن “الإيرانيين يريدون أن يبعثوا رسالة قوية جدا للأميركيين من أجل إثبات أنفسهم. والمسألة الثانية هي أنهم من خلال الأحداث القوية يريدون اختبار الأميركيين لمعرفة ما هو الخط الأحمر عندهم”.
وقال عادل الجبير وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية في مؤتمر صحافي إن المملكة العربية السعودية لا تريد حربا في المنطقة ولا تسعى لذلك. مؤكدا أن بلاده ستفعل ما في وسعها لمنع قيام هذه الحرب وفي الوقت ذاته تؤكد أنه “في حال اختيار الطرف الآخر الحرب فإن المملكة سترد على ذلك بكل قوة وحزم وستدافع عن نفسها ومصالحها”.
ونفى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف احتمال اندلاع حرب في المنطقة قائلا إن طهران لا تريد الصراع وإنه لا يمكن لأي دولة “أن تتوهم أن بوسعها مواجهة إيران” وهو موقف تكرر على لسان قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي.
ونقلت وكالة تسنيم شبه الرسمية للأنباء عن سلامي قوله “لا نسعى للحرب لكننا لا نخشاها أيضا”.
ولا يتفق غالبية المحللين مع التصريحات الصادرة من واشنطن وطهران والرياض التي تستبعد نشوب الحرب في المنطقة، فالأجواء تشبه إلى حد كبير أجواء حرب عام 1991 و2003 عندما شنت الولايات المتحدة حربا على العراق.
واعتبر الكاتب السياسي رفائيل سانتشيز إن إيران تخوض حربا باردة عبر وكلائها في الخليج، وتختبر عزيمة الولايات المتحدة.
وأضاف سانتشيز في تقرير له بصحيفة صنداي تلغراف أن “المحققين لا يزالون لا يعرفون ما الذي أحدث ثقبا في جسم السفينة السويدية فكتوريا وهي قبالة سواحل الإمارات. وترى بعض الفرضيات أن غواصين سبحوا من سواحل عمان وثبتوا متفجرات في جسم السفينة، بينما تقول فرضية أخرى إن طائرات بلا طيار ضربت السفينة تحت الماء”.
ويصف الكاتب تخريب ناقلات النفط أمام سواحل الإمارات بأنه حادث خطير يبعث على القلق، ولكنه ليس بالحجم الذي يفجّر حربا. ولكنه مؤشر على حرب باردة بين الولايات المتحدة وإيران.
ويشير الكاتب السياسي سيمون تيسدل إلى مخاطر اندلاع مواجهة مسلحة مباشرة بين إيران والولايات المتحدة.
ويقول تيسدل في تقرير له بصحيفة الأوبزرفر البريطانية عندما يتحدث صقور الإدارة الأميركية عن “تهديد وشيك”، فإنهم يذكروننا بالحرب على العراق عام 2003. وفي المقابل يعلو صوت المتشددين في إيران.
ويضيف أن الولايات المتحدة تبقى في كل الحالات أكبر قوة عسكرية في العالم، ويستمر الحديث عن أفضل استعمال لهذه القوة. ففي الماضي كان الهدف روسيا السوفييتية، وتنظيم القاعدة في أفغانستان وصدام حسين في العراق، أما اليوم فالهدف الذي وضعه البيت الأبيض نصب عينيه هو إيران.