شخصيات سياسية مستقلة تطالب الجيش الجزائري بالحوار مع المحتجين
وجهت الشخصية المستقلة والدبلوماسي السابق أحمد طالب الإبراهيمي دعوة لقيادة المؤسسة العسكرية، من أجل فتح حوار مع ممثلي الحراك الشعبي والفعاليات السياسية المؤيدة له، للخروج من الأزمة التي تتخبط فيها البلاد من فبراير الماضي.
وجاءت الدعوة الصريحة للوزير السابق والدبلوماسي في حقبتي الرئيسين هواري بومدين والشاذلي بن جديد، مشتركة مع الحليفين السياسيين العقيد المتقاعد رشيد بن يلس والمحامي والمناضل الحقوقي السابق علي يحيى عبدالنور.
وكان قطاع عريض من المسيرات الشعبية التي شهدتها الجمعة الثانية عشرة في الجزائر، قد رفع صورا ودعوات صريحة لوزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي من أجل قيادة مرحلة انتقالية في البلاد، وأن الكثير من أنصاره كانوا ينتظرون موافقة آلية للرجل على المطالب المذكورة.
وذكرت مصادر مقربة من طالب الإبراهيمي أن فاعلين وناشطين في الحراك الشعبي اتصلوا أكثر من مرة بالرجل من أجل أن يقبل بقيادة المرحلة الانتقالية نظرا للثقة التي يحظى بها في الشارع الجزائري، وأنه لم يمانع لكنه لم يتحمس للطرح، لدرايته العميقة بتفاصيل النظام السياسي في الجزائر.
ويرى متابعون للشأن الجزائري أن دعوة الشخصيات الثلاث للمؤسسة العسكرية بفتح حوار مع ممثلي الحراك الشعبي ومع القوى السياسية والمدنية المؤيدة له، تمثل إحراجا لقيادة الجيش الماسكة بمقاليد السلطة منذ تنحي الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة عن الحكم.
والإبراهيمي الذي تجاوز الثمانين عاما، ولم يعد له طموح سياسي منذ مشاركته في سباق الانتخابات الرئاسية للعام 1999، لا يريد التورط في مغامرة سياسية غير مضمونة النتائج، وليست لديه أي ضمانات لإدارة مرحلة انتقالية، من طرف سلطة مازالت تتلاعب بتلبية المطالب السياسية المرفوعة من طرف الشارع الجزائري منذ فبراير الماضي. وسبق له أن انسحب عشية يوم الاقتراع مع المرشحين الخمسة آنذاك، في الانتخابات المذكورة، احتجاجا على ما وصفوه حينها بـ”انحياز الإدارة والمؤسسة العسكرية لصالح مرشح السلطة عبدالعزيز بوتفليقة”.
وذكر البيان الذي تحصلت “العرب” على نسخة منه “ندعو بإلحاح القيادة العسكرية إلى فتح حوار صريح ونزيه مع ممثلي الحراك الشعبي والأحزاب السياسية المساندة لهذا الحراك، وكذلك القوى الاجتماعية المؤيدة له، من أجل إيجاد حل سياسي توافقي في أقرب الآجال يستجيب للطموحات الشعبية المشروعة المطروحة يوميا منذ ثلاثة أشهر تقريبا”.
ولا يزال الوضع في الجزائر في حالة انسداد غير مسبوق، بسبب تمسك طرفي الصراع بموقفيهما، فبمرور الحراك الشعبي إلى المسيرة الثالثة عشرة وسط أجواء مشحونة وانتقادات كبيرة للممارسات القمعية والعنيفة من طرف قوات الأمن، مازالت قيادة الجيش الماسكة بمقاليد السلطة منذ تنحي بوتفليقة، تلتزم الصمت، وتوحي مؤشرات عديدة إلى استحالة إجراء الانتخابات الرئاسية في الرابع من يوليو القادم، وفق الأجندة المعلن عنها من طرف السلطة.
ولفت مراقبون إلى أن موقف الثلاثي (أحمد طالب الإبراهيمي، رشيد بن يلس وعلي يحيى عبدالنور) تناغم مع إرادة الشارع بدعوته الصريحة لقيادة العسكر لفتح حوار مباشر مع ممثلي الحراك الشعبي والقوى السياسية والأهلية المؤيدة له، بدل الحوار الذي حض قائد الأركان الجنرال قايد صالح على إجرائه مع الرئاسة المؤقتة بقيادة عبدالقادر بن صالح، المرفوض شعبيا.
وتبقى فكرة الحوار قاسما مشتركا بين الأطراف الفاعلة في الأزمة السياسية، وأن تقلص حظوظ إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها سيدفع بإطلاق قنوات اتصال بين المعنيين، وتمثل دعوة شخصيات مستقلة في صورة الثلاثي الموقع على البيان، الصريحة لطرفي الأزمة (الجيش والحراك) إلى فتح حوار بينهما، انتقالا نوعيا في تحديد هوية أصحاب الحل والعقد في الأزمة.
وذكر البيان أن “المتظاهرين الذين بلغ عددهم رقما قياسيا تاريخيا، يطالبون اليوم، بعدما أرغموا الرئيس المترشح المحتضر على الاستقالة، ببناء دولة القانون في ظلَ ديمقراطية تكون مسبوقة بمرحلة انتقالية قصيرة المدة، يقودها رجال ونساء ممن لم تكن لهم صلة بالنظام الفاسد في العشرين سنة الأخيرة”.
وأضاف “إن هذه المرحلة ضرورية، حتى يتسنى وضع الآليات واتخاذ التدابير التي تسمح للشعب صاحب السيادة بالتعبير الحر الديمقراطي عن خياره بواسطة صناديق الاقتراع.. ”.
وبهذا الطرح يكون الثلاثي المستقل قد تناغم مع الطرح الواسع في الحراك الشعبي، الداعي إلى تنظيم مرحلة انتقالية قصيرة المدة (من 6 إلى 12 شهرا)، بقيادة هيئة رئاسية تتشكل من شخصيات لم تشارك في سلطة العقود الأخيرة، ولا تملك طموحات شخصية ذاتية، لكنه (الطرح) ظل محل رفض شديد من طرف قيادة المؤسسة العسكرية.