رمضان …موسم التسول الشيك لجاليتنا ببروكسيل

رمضان كريم، عبارة تخطت حدود الزمن وتناقلتها الأجيال، خرجت عن كونها مجرد تهنئة بالشهر الفضيل لاختصار معان كثيرة مرتبطة به دون باقي الأشهر، فكرم رمضان وكرم البشر فيه أصبحا مضرب الأمثال في ما يشبه كرم حاتم الطائي.
فالتعاطف مع الجميع أهم مظاهر الكرم حتى بين المتخاصمين، فتبدأ دعوات التسامح والصفح الجميل عن الأخطاء المتعمدة وغير المتعمدة.

في مرحلة طفولتي كنت أرى نساءا ينظمن في ما بينهن ما يشبه الجمعية الخيرية ويقمن بتدوين أسماء فقراء أحيائهن أو الأحياء المجاورة وسؤالهم عن متطلباتهم، ومن ثمة شراء السلع بالجملة لتوفير حقائب بلاستيكية تحوي كافة الاحتياجات، وكذلك تجمعات من الشباب على شكل فرق لتوزيع المشروبات على الطريق لمن أدركه موعد الإفطار خارج بيته سواء لظروف عمله أو أي من الأسباب، وموائد الرحمن المنتشرة على طول الأحياء ورؤوس بعض الشوارع.
الجميل أن ترى على ناصية شارع رئيسي صندوقا خشبيا كبيرا معلقا على حائط ومكتوبا على لافتة ملصقة به “طعام نظيف، خذ ما يكفيك واترك لأخيك”، أو يستمع معدم لبضع طرقات على بابه ليفتح فيجد حقيبة مليئة بملابس نظيفة وأدوية يحتاجها بالفعل من متبرع تجرد من الرياء وأخفى نفسه حتى لا يجرح فقيرا بصدقة متشبها بموسى عليه السلام “فسقى لهما ثم تولى إلى الظل”.
وقفت بعيدا أرقب بحذر “معدما” حال جاليتنا و إفطارها في هذا الشهر الكريم ، و في هذا الموعد تحديدا نجد إعلانات الجمعيات لا الخيرية يغازلون جيوب و قلوب مغاربة بلجيكا تحركهم العاطفة قبل العقل ، مستغلين مشاعر تتحرك بوعود كاذبة و إنجازات في المغرب او في بلجيكا ، إفطارات بالجرة و الطبل ، إفطارات اصبح الغني فيها قبل الفقير ، إفطارات تتنافس فيها الجمعيات  لجمع المزيد من الأموال  ، صور تدمي القلوب وتدمع لها الأعين، لمجرد إجتذاب أموال المتبرعين هربا من نظرة الجالية بنظراتها البريئة، وطمعا في جنة عرضها السماوات والأرض، أصبح رمضان يرتبط لدى البعض بموسم “التسول الشيك”، عرض مستمر لأوجاع مفروشة على خشبة الحياة.
افطارات رمضان بمنتوجات آلدي الرخيصة و حريرة عملت بالأرجل لا بالأيدي ، صلاة التراويح على إيقاع أغاني الشعبي و الركادة ، مائدات التسامح و الموعظة بدلت بمائدة النميمة و التآكل في لحم الغير .

نسبت جمعيات الجالية أن ما يقدمونه رسالة قبل أي شيء، ولكن المتاجرة بشهر التسامح و العبادة أصبح حال  جاليتنا ببروكسيل .
أتساءل: ماذا لو أنفقت أحدى الجمعيات أموالها او المشاركة في عمل إنساني خيري دون بروبغاندا، ودون التلاعب بالدين ؟، عمل واحد فقط قد يمسح دموع طفل ويبدل أحزان أسرة بأكملها لأفراح، ولكن في صمت دون صراخ ولا تعالي أصوات تتاجر ولا فساتين راقية بألوان زاهية، وبدلات آخر صيحة للإعلان عن أوجاع أصحاب الملابس البالية والمشاعر المهلهلة، موسم النفاق الإعلامي بلا منازع.
مظاهر عديدة ترتبط بالشهر الكريم وتعتبر موسمية بحتة منها ما هو مستحسن ومنها ما هو سيء، فما أجمل مشهد شباب في مقتبل العمر يشاركون في دهانات وتجديد مسجد استعدادا لاستقبال المصلين، تسبقهم فتيات في إعداد إفطار جماعي لنساء فقيرات وأطفال الشوارع، وبيوت امتلأت عن آخرها بنسوة يحكن ملابس جديدة لكسوة فقراء وأيتام، وشنط الخير التي ترفع العبء عن الفقير وتمد يد العون للمحتاج، تهدهد فقره وتقرضه ابتسامة عريضة لأن هناك من يشعر به ويشاركه الحزن بدلا من استخدامه كديكور في مشاهد الفرح.
تجمع لصبية قبل الإفطار في كرنفالية جميلة مبتهجين بقدوم رمضان، مباريات الكرة الشعبية برائحة الزمن الجميل مقلدين أهاليهم، وألعاب ومفرقعات صديقة تملأ المكان لتأطير الصورة باستكمال مشهد الفرح والسرور.

مازلت أحلم بأن يأتي شهر الصوم بلا مشاهد تسول تدمي القلوب، وبلا سباق إعلاني على أموال الزكاة والصدقات او أعمال خيرية بلا خير .

البعض حين يحسن لفقير أو يعطي سائلا يطالبه بالدعاء له وكأنما يبتاع منه دعوة بهذه الصدقة، ويبدأ “أوكازيون الدعوات”، فمن يدفع أكثر ينال المزيد من الدعوات الصالحة بالبركة في المال والولد وسعة الرزق وكل حسب جزله العطاء.
حتى المتسولون يجدون مكانا في شهر الكرم، بل يعتبر شهرهم الأكثر سخاء، فتغمرهم قمة التعاطف والتودد في هذه الأيام دون غيرها وإن لم يحظوا بعطاء فلا يتعثرون بزج ولكز.
أكثر ما يبهج عيني مشاهد الصبية والفتيات الصغار بملابس الصلاة يشاركون الأهل في توزيع حقائب الخير الرمضانية التكافلية ووقوفهم على أبواب المساجد لتوزيع التمر واللبن والحليب على المصلين طمعا في الثواب، ورغم ما تتكبده الأسر المغربية من عناء وأزمات مالية إلا أنها دعت الأهل والأصدقاء إلى ولائم رمضانية معلنة.
(ما أجمل أن نغرس في صغارنا حب الخير والعطاء الجميل) وما أجمل أن نستبقي كرم رمضان في نفوسنا طوال العام، وكل عام وأنتم بخير، صباحكم عطاء ورمضانكم كريم.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: