المغرب يحشد جهوده لاقتلاع الفساد من قطاع العقارات

ضاعفت السلطات المغربية من جهود مكافحة جميع مظاهر الفساد، وخاصة في الدوائر الحكومية والقطاعات الاقتصادية الحساسة. وبدأت حملة لترسيخ الشفافية في قطاع العقارات، متسلحة بترسانة من التشريعات، التي ستساعدها على تنفيذ استراتيجيتها وتعزيز مناخ الأعمال.

كشفت الحكومة المغربية عن خطط استباقية جديدة لمكافحة مظاهر الغش والرشوة في قطاع العقارات، التي استفحلت في السنوات الأخيرة.

ويولي المغرب أهمية كبيرة لمحاربة الفساد في كل القطاعات ويبدو أن الأولوية التي تعطيها الحكومة لهذا الأمر من أسباب تسريع استراتيجيتها في هذا المضمار.

واعتبر رئيس الحكومة سعدالدين العثماني خلال لقاء عقد هذا الأسبوع لعرض دراسة تتعلق بخارطة الفساد في البلاد أن قطاع العقارات الأكثر تضررا من استشراء الرشوة والغش.

وقال إن “استشراء الفساد يضرب بعرض الحائط، كل الجهود التنموية ويبدد الجهود المبذولة للنهوض بالبلاد”. وطالب كافة القطاعات الحكومية والمجتمع المدني بالمساهمة في محاربة هذه الآفة.

وتظهر دراسة أجرتها وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان حول مخاطر الفساد أن ظاهرتي الغش والرشوة من أكثر ممارسات الفساد انتشارا في قطاع العقارات بنحو 39 بالمئة، متبوعتين بالابتزاز بنحو 18 بالمئة تم المحسوبية بـ4 بالمئة.

وأشارت الدراسة إلى وجود صورة نمطية سائدة لدى المواطنين بخصوص انتشار الفساد والرشوة في قطاع العقارات حتى دون أن يكونوا قد التجأوا لمصالح تراخيص البناء أو سبق وطلبوا ترخيصا في مجال العقارات أو التعمير.

وحددت الدراسة مخاطر الرشوة في القطاع بـ101 خطرا، توزعت بين 57 خطرا في ميدان البناء والأشغال و32 في مجال التسويق والتوزيع و7 في التخطيط الحضري و5 مخاطر في المجال العقاري، مصنفة إلى ثلاث فئات.

ولفت العثماني إلى أن صورة المغرب تحسنت “نسبيا” على الصعيد الدولي، استنادا إلى المؤشر العالمي لإدراك الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية.

وحققت البلاد نقلة مهمة عبر تحسين تصنيفها لتقفز بنحو 17 مركزا خلال العامين الأخيرين لتحتل المرتبة 73 من بين 180 دولة في العام الماضي، بعدما كانت تحتل المرتبة 90 في العام 2016.

وشدد رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، محمد الراشدي، على ضرورة تعزيز منظومة محاربة الفساد في المغرب، من خلال ضمان تناسق التوجهات القطاعية والوطنية.

وقال إن “هناك حاجة ماسة إلى تضافر جهود كل الفاعلين، كل من موقعه، وذلك بالمزيد من التعبئة الجماعية قصد الوقاية من ظاهرة الرشوة”.

وأكد عبدالأحد الفاسي الفهري وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة أن مجال العقار والتعمير معرض أكثر من غيره إلى مخاطر الرشوة، باعتباره مجالا لتضارب المصالح.

وأوضح أنّ الخروج من هذه الوضعية يستوجب معالجة عميقة تمر عبر المهنية العالية والجدية والصرامة والشفافية، فضلا عن تعديل القانون المتعلق بالزجر في مخالفات البناء.

دراسة لوزارة إعداد التراب الوطني أظهرت أن الغش والرشوة من أكثر ممارسات الفساد انتشارا في قطاع العقارات

وتسعى الحكومة إلى تبسيط الإجراءات المتعلقة بالخدمات التي يقدمها هذا القطاع بوضعها على الخط في شكل دلائل ووسائط توضيحية بغية ترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص للولوج إلى المعلومة وتعزيز الشفافية.

وبلغت الكلفة المالية للمشروع المتعلق بإعداد وتنفيذ خطة للتواصل حول استراتيجية الوقاية من مخاطر الرشوة، حوالي 2.5 مليون درهم (260 ألف دولار).

أما المشروع الذي يهم وضع ونشر الدلائل في وثيقة الإجراءات فتبلغ قيمته المالية حوالي 2.9 مليون درهم (300 ألف دولار).

ويرى خبراء في الهندسة المعمارية أن نجاح سياسة التعمير وإنجاز الاستثمارات يظلان رهينة وضوح وشفافية السوق العقارية. وأشاروا إلى أن الأمر مرتبط أيضا بالاختيارات البناءة في مجال التخطيط وبساطة المساطر الإدارية ووضوح الأنظمة العقارية.

وأكدوا أن الاستثمار يجب أن يشجع التلاحم والتضامن الاجتماعي مع ضمان حق المردودية للمستثمرين في هذا القطاع الحيوي.

ويقول الباحث الجامعي في مجال العقارات عبدالله الفرح، إن الوعاء العقاري يتعين أن يكون محاطا بترسانة قانونية تحميه عند الضرورة، فضلا عن توفر قضاء نزيه يطبق نصوصا قانونية سليمة.

ولفت إلى أنه يجب الحرص على تنفيذ الأحكام القضائية بوتيرة سريعة، ما يساهم في إرساء النجاعة القضائية وفي تقوية ثقة المنعشين العقاريين في مؤسسات الدولة.

وصادقت اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد التي يترأسها رئيس الحكومة في فبراير الماضي على التقرير السنوي المتعلق بحصيلة تتبع المشاريع المندرجة ضمن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد للعامين الماضيين.

ولمحاصرة مشاكل الرشوة والفساد في هذا القطاع الهام، وضعت الحكومة استراتيجية وقائية من مخاطر الرشوة تتركز على 5 أسس وهي الحوكمة والوقاية والزجر والتواصل والتكوين.

وبالإضافة إلى ذلك، وضع مدونة سلوك بأخلاقيات المهنة مع رصد حالات الرشوة وزجر المتورطين فيها.

وكانت الحكومة قد أطلقت في مايو العام الماضي مركزا خاصا بمكافحة الرشوة، في محاولة لمحاصرة هذه الظاهرة في الإدارات الحكومية، التي تسيء إلى سمعة البلاد في مختلف التقارير المالية الدولية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: