لويزة حنون ضحية تصفية حسابات أم شريكة في مؤامرة
لا يزال الغموض يلف وضع زعيمة حزب العمال اليساري لويزة حنون، بعد إيداعها السجن المؤقت بقرار من القضاء العسكري، والسؤال الذي يطرحه الجزائريون هل كان الأمر يتصل بضلوع حنون بمؤامرة حيكت في الظلام للانقضاض على الحراك الجزائري، أم أنها خطوة تندرج في سياق تصفية حسابات سياسية بين مؤسسة الجيش والمرأة التي لم تتوان عن انتقاد رجل المرحلة القوي الجنرال قايد صالح، مقابل تعاطفها مع خصمه اللدود الجنرال المتقاعد محمد مدين “توفيق”.
وشكل انضمام حنون للائحة المسجونين في سجن البليدة، بقرار من القضاء العسكري، تحولا لافتا في مسار ملف “التآمر على المؤسسة العسكرية والدولة” المفتوح من طرف قيادة الجيش ضد رموز عسكرية وسياسية.
يأمل المراقبون في تفعيل ملف حنون من طرف القضاء العسكري، نحو الدفع بالكشف التدريجي عن حدود السياسي والجنائي في قضيتها. فالتعاطف الذي حظيت به من طرف شخصيات وأحزاب سياسية، تحت يافطة التحذير من انقلاب العسكر على الساسة، يبقي دور وعلاقات حنون مع رموز في نظام بوتفليقة مثيرا للشبهات وقد تكشف إشادتها بالجنرال “توفيق” أسرارا جديدة للرأي العام.
أسرار تنتظر الكشف
وتذكر تسريبات وسائط إعلامية محسوبة على قيادة الجيش، أن عدة زعامات سياسية وحزبية شاركت في لقاءات سرية جمعت شخصيات هامة في نظام بوتفليقة، من أجل بلورة خطة مضادة لإجهاض الحراك الشعبي، وفيما تطرقت لعمارة بن يونس وعمار غول ومعاذ بوشارب، إلا أنه لم يرد حينها اسم حنون في اللائحة.
ويبدو أن المسارعة بسجن حنون، انطوت على دور محوري في المؤامرة التي تتحدث عنها قيادة الجيش، وتريد معالجتها في سياق قضاء عسكري، رغم ما للمسألة من تداعيات سياسية، لأن المرأة تبقى إحدى المناضلات السياسيات البارزات في المشهد الجزائري، منذ بداية الانفتاح والتعددية في نهاية الثمانينات.
المناكفات الأخيرة بين حنون وقيادة الجيش، خلال الفترة الأخيرة، بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، حيث وجهت زعيمة حزب العمال انتقادات شديدة ومبطنة تتعلق بما وصفته بـ”الانقلاب على الشعب” وفبركة سيناريوهات بهدف الإطاحة بمراكز القرار
وتكون المناكفات الأخيرة بين حنون وقيادة الجيش، خلال الفترة الأخيرة، بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، حيث وجهت زعيمة حزب العمال انتقادات شديدة ومبطنة للجنرال أحمد قايد صالح، في ما يتعلق بما وصفته بـ”الانقلاب على الشعب” وفبركة سيناريوهات بهدف الإطاحة بخصومه في مراكز القرار.
وأبدت حنون في تسجيل صوتي سبق قرار التوقيف، تعاطفا مع المدير السابق لجهاز الاستخبارات الجنرال “توفيق”، ونعتته بمفردات رمزية وتاريخية، كونه يمثل أحد أقطاب الدولة والنضال خلال ثورة التحرير وأثناء الاستقلال، حيث شغل منصب مدير ديوان الجهاز لخمسة وعشرين عاما.
ويبقى الرجل شخصية مثيرة، فقد صنع من نفسه قطبا التفت حوله قوى سياسية واجتماعية وثقافية وإعلامية من مختلف التيارات، وجمع حوله اليساريين والإسلاميين والعلمانيين، وتنسب له إدارة الطبقة السياسية، وأظهرت المرأة وفاء تاما له في ذروة لحظات الانهيار وتهم الخيانة والتآمر، وهو ما يؤكد أن قطاعا عريضا من فعاليات المجتمع هو صناعة استخباراتية وبإشراف من “توفيق” نفسه، ومن بينهم لويزة حنون.
يسارية مع الإسلاميين
ويسجل التاريخ وقوف زعيمة اليسار الجزائري مع إسلاميي جبهة الإنقاذ في مطلع تسعينات القرن الماضي، ومشاركتها في ندوة “سانت ايجيدبو” للمعارضة في منتصف تسعينات القرن الماضي بإيطاليا، كما سيسجل لها أنها شاركت في ثلاثة انتخابات رئاسية، وأدت دور “الأرنب” بامتياز، وذهبت لحد مدح بوتفليقة، وانتقاد خصومه، وهي تخوض حملتها الانتخابية في رئاسيات العام 2014.
كانت حنون تستفيد من نظام ”الكوتة” في مختلف الانتخابات التشريعية التي جرت خلال العقدين الأخيرين، حيث دأبت كتلها النيابية على أداء دور المعارضة داخل البرلمان، لكن حلمها بصناعة الخط السياسي الثالث باء بالفشل، وجعل الحزب في مأزق، لا هو معارض ولا هو موال للسلطة.
سيرت حزب العمال بمنطق دكتاتورية الطبقة الشغيلة، حيث تربعت على عرشه منذ ميلاده إلى غاية اليوم، ولم تسمح لكوادره بالتداول على قيادته، لتدخل بذلك في تناقضات صارخة، فالمرأة التي تفرض على نوابها دفع جزء من رواتبهم لخزينة الحزب، لا تتورع في انتقاد دكتاتورية الزعامات السياسية في الأحزاب الأخرى.
وفوق ذلك قابلت انتقادها الشرس للحكومات المتعاقبة وللتوجهات الليبيرالية للسلطة ولما كانت تسميه بـ”الأوليغارشيا”، وتحالف المال والسياسة، وتغلغل الفساد في البرلمان، ورحبت بالولاية الرئاسية الرابعة لبوتفليقة، وشاركت فيها لإضفاء الشرعية السياسية على الاستحقاق الرئاسي، وأدارت آنذاك ظهرها لأصوات المعارضة في تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي، التي تشكلت حينها لرفض ترشيح بوتفليقة.
وفوق ذلك دافعت حنون عن ترشيح بوتفليقة وأدت له حملة انتخابية في ذروة حملتها، الأمر الذي أسقط المرأة من عيون الناخبين وحتى المقاطع للانتخابات، وبات ينظر إليها على أن خطاب اليسار والطبقة الشغيلة، هو مجرد شعارات جوفاء ترددها المرأة في إطار أجندة معينة.
ومع ذلك تبقى درجة وحدود الإلهام الذي تستشفه مما تصفه بـ”رمزية” الجنرال “توفيق”، قياسا بالتناقضات التي ميزت مسارها السياسي منذ تأسيس الحزب إلى غاية التسجيل الصوتي الأخير، خاصة وأن العلاقة توترت بين توفيق نفسه وبين جناح الرئاسة بداية من العام 2013، وبقاء حنون وفية لبوتفليقة إلى غاية الأشهر الأخيرة التي سبقت الحراك الشعبي، ومناهضة لمحيطه السياسي والمالي.
حجم الدولة العميقة
يطرح التساؤل عن دور ونفوذ مدير الاستخبارات السابق في ما يعرف بـ”الدولة العميقة”، المكونة من جيوب موالية له في مختلف مؤسسات الدولة، وفي القوى السياسية والمالية والإعلامية والمجتمع المدني، على اعتبار أن رسائل وفاء حنون كانت واضحة في تصريحها الأخير، المنتقد لقيادة الجيش الحالية، والمشيدة بالجنرال “توفيق”، وهو ما لا يبعد فرضية مشاركة المرأة في ما وصفه قايد صالح، بـ”العصابة” و”الاجتماع المشبوه”.
وتبقى نقاط ظل كثيرة في مسار حنون النضالي، فقد سحبت نوابها من البرلمان في الأسابيع الأولى لانطلاق الحراك الشعبي، وأطلقت العنان لنفسها ولقادة الحزب ليكونوا في مسيرات الشعب، في حين تذكر مصادر أنها كانت حاضرة في ثلاثة اجتماعات من أربعة عقدتها المجموعة المناوئة للجيش، فأي دور كانت تؤديه حنون؟ وهل كانت تلعب على الحبلين للنجاة بنفسها وبحزبها من غضب انتفاضة الشارع، والبقاء في المنظومة المضادة للحفاظ أيضا على نفسها وحزبها في حال سحب البساط من الحراك ومن الجيش؟
وليست هذه هي المرة الأولى التي تسجن فيها حنون، فقد سبق وأن لاقت نفس المصير في ثمانينات القرن الماضي، بسبب نشاطها النقابي وأفكارها اليسارية، وتم إطلاق سراحها في إطار إجراءات تهدئة باشرها آنذاك الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد. الفارق هذه المرة أن المرأة تحوم حولها شكوك وتهم خطيرة حول شركائها، قد تصل عقوبتها إلى 20 سنة سجنا نافذا في أحسن الأحوال، وتجهل لحد الآن درجة مسؤوليتها وضلوعها في التهم الشكوك المذكورة.
علمانية من نوع مختلف
ناهضت حنون التوجه الليبيرالي للحكومات المتعاقبة، وخاضت حملات شرسة لإجهاض قانون المحروقات العام 2005، بدعوى الدفاع عن السيادة الوطنية على ثروات الشعب، ووضعت وزير النفط السابق شكيب خليل على رأس أهدافها حتى تحقق هدفها وسقط ما كان يعرف بـ”قانون المحروقات”.
كما دعت في تسعينات القرن الماضي إلى إطلاق سراح قادة جبهة الإنقاذ الإسلامية، وإلى إشراك الحزب الإسلامي في حل أزمة العشرية الدموية، وناضلت طويلا من أجل حرية المرأة وحقوقها، لتبقى الاستفهامات قائمة حول مسار المرأة، ومدى استقلالية أفكارها عن مثلها الرمزي الجنرال توفيق.
ولم تتوان في مهاجمة الحزب الحاكم بقيادة الأمين العام السابق عمار سعداني، واتهمته بزرع المال الفاسد في مؤسسات الدولة، وذهبت لحد وصف نوابه بـ”نواب الشكارة وتجار المخدرات”، واتخذت من نقابة مركب الحجار للحديد والصلب في مدينة عنابة، منصة لمقاومة من كانت تنعتهم بأباطرة المال الفاسد.
وفيما شغلت حنون ثلاث عهدات نيابية في البرلمانات المتعاقبة، شاركت في ثلاثة انتخابات رئاسية تراوح وعاؤها بين الواحد والأربعة بالمئة من الناخبين، ومع ذلك كانت تفضي شكلا تعدديا على الاستحقاقات المذكورة، رغم أن مشاركاتها كانت رمزية أكثر منها تنافسية، ففي كل ظروف الانتخابات الديمقراطية، تبقى قيادة امرأة للجزائر، آخر ما يمكن تخيله، قياسا بالنزعة الذكورية للمجتمع.
وإذ شرع حزب العمال في حشد حملة تضامن دولية مع زعيمتها من أجل تحقيق الإفراج الفوري وغير المشروط، تبقى لويزة حنون ممنوعة من مقابلة أي من أفراد عائلتها أو من قيادات الحزب، بحسب بيان صدر عنها، وأن حالة “الشاهد” الواردة في وثيقة الاستدعاء لم تعد مجدية، ما دامت المرأة تقبع في إحدى زنزانات سجن البليدة، مما يرجح فرضية توجيه الادعاء العام العسكري تهما معينة لها.