عملية الخرطوم الأوروبية إتفاق هش لا يردع الهجرة غير الشرعية

تم إسقاط نظام عمر حسن البشير في السودان، لكن اتفاقات كثيرة أبرمها النظام مازالت جارية إلى اليوم رغم إمساك المجلس العسكري بمقاليد الحكم وأهمها تلك التي تتعلق بمسألة الهجرة وتحديدا “عملية الخرطوم” التي أطلقها الاتحاد الأوروبي مع السودان وجيرانه من الدول الأفريقية.

ويعيش السودان حاليا مرحلة تغيير قوية، بعد الإطاحة بالبشير منذ مطلع أبريل الماضي، وتولى مقاليد البلاد مجلس عسكري.

ويعتبر السودان من الدول المهمة على طريق عبور مسار الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، وهذا دفع الاتحاد الأوروبي لعقد اتفاق “غير مريح” للتعاون مع الخرطوم للحد من تدفق الهجرة غير الشرعية.

ويقف البلد الآن في مفترق الطرق: فهل يصبح حليفا مستقرا للاتحاد الأوروبي أم يتحول إلى بلد المنشأ التالي لأزمة لاجئين جديدة في المنطقة؟ يجب الأخذ في الحسبان أن السودان يأوي 1.1 مليون لاجئ، وكان دوما نقطة إستراتيجية بالنسبة للهجرة، نظرا لموقعه المتميز بين العالم العربي وبقية دول أفريقيا.

وكان السودان ينظر إليه ويتعامل مع سكانه كما لو كانوا “منبوذين” بسبب البشير الملاحق دوليا استنادا على أمر قضائي من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال أزمة دارفور، كما أدرجت الولايات المتحدة السودان ضمن قائمتها بالدول الراعية للإرهاب.

قبل عشر سنوات، كانت أوروبا وجهة علي أحمد جمال جهاد، عندما تسلل من إثيوبيا إلى السودان بصورة غير شرعية، كان يسعى للسفر إلى أوروبا، إلا أن مافيا تجارة البشر استولوا على ماله وتركوه ورحلوا. يحكي الشاب ذو الـ36 ربيعا، مؤكدا أنه رغم من كل شيء لم يتخل عن حلمه بعد.

وعلى حد قوله، الآن أصبح من المستحيل الوصول إلى ليبيا، ومنها إلى أوروبا، “بسبب أنجيلا ميركل”، حيث تعتبر ألمانيا وجهة اللاجئين المفضلة، ولكن الكثيرين لقوا حتفهم في المتوسط، مما دفع بميركل للتدخل. ويتابع “هذا أدى لتوقف الهجرة من السودان”.

وبالفعل في 2014، أطلق الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع دول أفريقية ما يعرف بـ”عملية الخرطوم”، وكان هدف التعاون مع السودان وجيرانه الأفارقة، في المقام الأول، محاربة مافيا الاتجار بالبشر وحماية المهاجرين.

ودرت هذه الخطوة على السودان الملايين من اليوروهات، ومع ذلك أكد مصدر من الاتحاد الأوروبي أنه “لم يكن مقصودا من الأمر تقديم دعم اقتصادي للحكومة في السودان، بل تم توجيه المال لمنظمات غير حكومية ووكالات دعم من أجل التنمية”، على الأقل كان هذا من الناحية النظرية. فهل عقد الاتحاد الأوروبي اتفاقا هشا مع السودان؟

بالنسبة للبشير، وافقت هوى في نفسه حاجة أوروبا للتصدي لتدفق الهجرة. فالسودان يعاني منذ سنوات من أزمة اقتصادية، ومفروض عليه عزلة، جعلته لا يستطيع الحصول على أي تمويل خارجي من المجتمع الدولي، وكانت من تبعات هذه الأزمة على وجه التحديد، الإطاحة بنظام البشير نفسه.

Thumbnail

ورأت الخرطوم في ضغط الاتحاد الأوروبي من أجل التصدي للهجرة فرصة لكسب قدر من المصداقية على الصعيد الدولي، مهما كان الثمن.

في هذا السياق كتبت آنيت ويبر من المؤسسة الألمانية للعلوم والسياسة أن حكومة السودان افترضت، وكانت محقة، أن أوروبا لديها اهتمام كبير بأن يظل اللاجئون في مناطقهم الأصلية.

ولهذا لجأت الخرطوم لإرسال قوات الدعم السريع (RSF) المخيفة لحراسة الحدود الشمالية مع ليبيا، وتوقيف المهاجرين. وتعتبر عناصر الجنجويد هي نواة قوات الدعم السريع، وهي ميليشيات تعاملت بوحشية مع السكان في أزمة دارفور. وكان قائدها محمد حمدان داقلو الشهير بـ(حميتي) يحب التفاخر بأنه يتصرف بناء على رغبة الاتحاد الأوروبي.

وفي تصريحات لقناة الجزيرة في وقت سابق قال “الاتحاد الأوروبي يخسر الملايين في صراعه مع الهجرة، ولهذا يتعين عليه أن يدعمنا”.

وتقول كلوتيلدي وارين من مركز أبحاث كلنجندايل بهولندا “تواجه قوات الدعم السريع اتهامات بإساءة معاملة المهاجرين واستغلالهم بشكل ممنهج، والارتزاق من الاتجار بالبشر”. وتضيف “مقابل المال، تساعد عناصر الدعم السريع المهاجرين على الوصول إلى حدود ليبيا، أو يقومون عمليا ببيعهم على الحدود الليبية”.

ولا توجد مؤشرات على قيام المجلس العسكري بحل ميليشيات قوات الدعم السريع، حيث أصبح “حميتي” الرجل الثاني في المجلس العسكري الانتقالي.

ويشكك خبراء في ردع تيار الهجرة. وتقول وارين “كلما أغلق طريق، فتح آخر. كل ما هنالك أن الطرق يتم استبدالها”.

وتقول نوريكو يوشيدا مديرة مكتب المفوض السامي لشؤون اللاجئين التابع للأمم المتحدة بالسودان “إجراءات الحكومة لن توقف الأشخاص العازمين على الرحيل، سيحاولون مرة تلو المرة. وفي النهاية ينتهي بهم الحال للتعرض لمواقف أكثر خطورة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: