هل يغامر أحمد قايد صالح باستقرار الجزائر دفاعا عن النظام
أفشل إصرار الشعب الجزائري بمظاهراته السلمية مناورات النظام وأحرق أوراقه الواحدة تلو الأخرى منذ 22 فبراير الفارط، من تهديد رئيس الأركان في البداية ووصفه للملايين من المتظاهرين بالمغرر بهم وهي الصفة التي كانت تطلق على الإرهابيين الإسلاميين، والتظاهر باحترام دستور كثيرا ما داس عليه عبدالعزيز بوتفليقة دون أن يحرك ساكنا، ثم محاولة الظهور بالمخلّص وصاحب اليد النظيفة التي تطهّر البلاد من الفساد وخونة الوطن، وصولا حتى إلى زرع الشقاق بين الإسلاميين والعلمانيين وإثارة النعرات القبلية والعرقية والجهوية.
أما رئيس الدولة عبدالقادر بن صالح ورئيس الحكومة نورالدين بدوي، المسيّران من طرف رئيس الأركان ذاته، فقد أوصلا وظيفتيهما إلى مستوى من الرداءة لم تعرفه الجزائر. حاول الأول، في خطاب بلا طعم ولا رائحة، استعطاف الجزائريين باستعمال الوعظ الديني لإقناعهم بعدم التظاهر في شهر الصيام. والثاني بإصدار تعليمة تسمح لهم باستيراد السيارات القديمة من ألمانيا. لم يدرك القوم أنهم يواجهون ذكاء جماعيا لا يخدع وإرادة فولاذية لا تركع.
وفي الحقيقة كان النظام منذ بداية الثورة في حيرة من أمره، وربما من أكبر الأخطاء التي ارتكبها وأخطرها هي المتعلقة بتواصله مع الجزائريين عن طريق رئيس الأركان ولو أنه هو الناطق الرسمي باسم الحاكم الفعلي؛ الجيش.
بدا أحمد قايد صالح للجزائريين رجلا طاعنا في السن يقرأ ورقة مرة أو مرتين في الأسبوع، يردد الشيء ونقيضه من خطاب لآخر. وهو ما أقنع من كان مترددا أن النظام يتلاعب ولا نية له في تحقيق مطالب الشعب. وما زاد من عزيمة الجزائريين هو كثرة تصريحات الجيش وبياناته وخطابات رئيس أركانه إلى درجة كادت أن تذهب معها هيبة المؤسسة العسكرية.
كانت هيبة الجيش في صمته قبل أن تتواتر طلعات قايد صالح، فمن جهة يؤكد على احترام إرادة الشعب الجزائري ومرافقته حتى تحقيق ما يصبو إليه، ومن جهة أخرى يصر على فرض انتخابات رئاسية لا يريدها الشعب كما ردد في مسيرات الجمعة: لا انتخابات تحت حكم العصابات.
أدرك الجناح المتبقي في النظام وعلى رأسه رئيس الأركان أحمد قايد صالح خاصة بعد المظاهرات المليونية التي خرجت يوم أول جمعة في رمضان والشعارات المرفوعة ضده شخصيا أن الأمور باتت أكثر تعقيدا مما كان يتصور، وتيقن أنه خسر كل أوراقه وخابت كل آماله مع آخر رهاناته التي وضعها في تعب الصوم في شهر رمضان لعلها تضعف من قوة المسيرات.
سيكون من الصعب على قايد صالح وجماعته اللجوء إلى مناورات أخرى، إذ من المفروض أنهم فهموا أن لا حيلة ولا خدعة قد تنطلي على الجزائريين ولا شيء يثنيهم عن مواصلة العمل على تحقيق أهدافهم مهما كلفهم الأمر.
كيف يمكن أن يثق المواطنون في سلطة تستعمل العنف في منعهم من إقامة إفطار جماعي أمام البريد المركزي بالعاصمة الجزائرية يوم أول جمعة احتجاج في رمضان؟ كيف لمن يريد أن تبقى المظاهرات سلمية ويبحث عن مخرج للأزمة أن يقول مهددا في اليوم التالي إن الدولة “أثبتت أنها قادرة على السيطرة على الشارع والسعي لوضع كل من يريد الوقوف ضد إكمال العملية الشرعية عند حده والتي ستكون حتما عبر الانتخابات الرئاسية”.
وأمام هذا التوجه الذي يناقض كل وعود الحوار التي جاءت على لسان قايد صالح، ينبغي التساؤل عما يخفيه النظام قبل بضع أسابيع عن موعد الانتخابات الرئاسية المزعومة المتمسك بها وحده. لم يبق أمام الحاكم الفعلي للبلاد سوى خيارين اثنين متناقضين كليا: إما الرضوخ لمطالب الملايين من المتظاهرين الجزائريين في كل أنحاء البلاد والذهاب إلى مرحلة انتقالية حقيقية، وإما التمادي في إدارة الظهر لهم ومحاولة تنظيم انتخابات رئاسية مرفوضة رفضا شعبيا قاطعا وتحمّل مسؤولية ما يترتب عن مواجهة الإرادة الشعبية، وهو الذي ما فتئ يتغنى بأنه الحامي لمطالب الشعب المشروعة والضامن للتغيير السلس.
في هذا الصدد كتب سعيد رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية سابقا أن هذه الانتخابات الرئاسية المنافية لكل حس سليم في حالة تنظيمها، لن تحل أي مشكلة، بل ستؤدي إلى الأسوأ إذ ستضع الجيش في مواجهة شعب مصمم ومتضامن في بحثه عن الحرية.
وفي هذه المرة لن يكون هناك حزب يعلن القضاء على الحريات الفردية والجماعية (يقصد جبهة الإنقاذ الإسلامية في بداية التسعينات)، ولا حركة تمرد تبرّر اتخاذ إجراءات استثنائية (أي الحركات الإسلامية المسلحة). والسؤال الطاغي في الجزائر اليوم هو: هل يذهب رئيس الأركان إلى المغامرة بأمن واستقرار الجزائر دفاعا عن مصالحه ومصالح جماعته؟