محررون يبحثون عن قصة صحافية
أتراه زمن نضوب “القصص الصحافية” المبتكرة التي تنشرها الصحافة في مقابل القصص التي تنشرها منصات التواصل الاجتماعي بدلا عن الصحافة؟
هو كلام تسمعه في إشارة إلى التفرد والمهنية التي سادت زمنا طويلا وأنتجت صحافيين محترفين في أنحاء العالم برعوا في إنتاج القصص الصحافية المبتكرة.
جيل كامل كان يترقب الإعلان المسبق للصحيفة عن قصتها الصحافية القادمة من الميدان وأسرار تكشف للمرة الأولى وما إلى ذلك من العناوين التي كانت تثير شغف ملايين القراء.
فما بال تلك العناوين قد اختفت ومعها خفتت القصص الصحافية المبتكرة التي تجتذب القراء؟
صار فرض مثل هذه الأطروحة على الصحافيين والمحررين يجعلهم في وضع لا يحسدون عليه بسبب تغير أساليب العمل الصحافي ومعطيات التواصل مع المتلقين.
في الماضي كان الصحافي هو الوحيد الذي يمتلك أسرار المهمة الصحافية التي ينوي القيام بها تحت إشراف رئيس التحرير، لكن الأمر تغير اليوم: زمان القصة ومكانها صارا برسم مستخدمين عاديين لمنصات التواصل الاجتماعي، وصار بإمكانهم نقل كل شيء بالصوت والصورة وبذلك ذهبت بضاعة الصحافي أدراج الرياح.
في المقابل يجد الباحث ماك روغ الكثير من الحسنات في صلة الصحافة وصانعي القصص الصحافية مع منصات التواصل الاجتماعي، فهو يرى أن من تلك الحسنات اختصار المسافة مع جمهور الصحافة إذ يمكن للصحافي مشاركة جمهوره من خلال تلك المنصات بشكل فوري.
من جهة أخرى فإن هذه المنصات ضاعفت من أعداد المستخدمين والمستفيدين من الخدمة الصحافية لأنهم يلتقون مع الصحافي من خلال منصة واحدة مجانية يدخلها عشرات الآلاف من المستخدمين.
لكننا وبسبب هذا الاستسهال ومرونة الوصول إلى القصص الإخبارية صرنا أمام ظاهرة أخرى. ففي دراسة مسحية يشير إليها الباحث روغ نفسه، إن ما يقارب 45 بالمئة من مستهلكي الأخبار في الولايات المتحدة يحصلون عليها من منصات التواصل الاجتماعي، فماذا يعني ذلك؟
إنه يعني باختصار إمكانية تسرب الأخبار المزيفة والمضللة والكاذبة، فضلا عن حملات حرف الرأي العام عن مساره.
ثم إنه يعني أن جمهورا عريضا يكون قد استغنى عن حرفية صناعة الخبر والقصة الصحافية ومن هو صانع القصة وتحت أيّ ظروف وأجواء بل سوف يتحول ذلك الصانع الماهر إلى مجهول ينطمس جهده في وسط تدفق الأخبار مجهولة المُنشئ.
الوكالات هي الأخرى تغذي منصات التواصل الاجتماعي بشكل مباشر أو غير مباشر بتلك القصص الصحافية التي لا يُعرف غالبا من الذي أنشأها وكيف ولماذا.
الحاصل أن الظاهرة تتشعب حتى تثبت الإحصائيات أن أكثر من 75 بالمئة من الصحافيين لا غنى لهم عن منصات التواصل الاجتماعي في نشر قصصهم الصحافية بل وحتى تغذيتها مسبقا بالمعلومات من بعض منصات التواصل الاجتماعي.
التأسيس لمعايير أخرى تتعلق بإنتاج القصص الصحافية صار هو السائد والمنطقي والصحافي الذي يجلس في المكتب المكتظ بالصحافيين والمحررين يقابله الصحافي الذي يجلس على الأريكة في منزله أو في مقهى هادئ وكلاهما ينتجان قصة صحافية بنفس المستوى.
واقعيا حتى أجواء العمل تغيرت، الصحافي المسترخي في مكان مريح سواء في منزله أو خارجه قد ينتج قصصا صحافية أفضل مما لو كان مقيدا بساعات عمل وإنتاج مكتبي وروتين، لا يسمن جميها ولا يغني من جوع.
القدرة على الابتكار التي صارت أيضا معيارا نسبيا غير خاضعة لظروف عمل محددة صارت تحديا بالنسبة للصحافي في إنتاج قصة أو قصص صحافية مبتكرة فالعبرة ليست في سد الفراغات بل في التأثير والإقناع.
التقنية غيرت الكثير من تقاليد العمل ومعاييره بشكل غير مسبوق، وغيرت كذلك في شكل ومحتوى القصص الصحافية وكيفية إنتاجها، من أيّ مصادر وتحت أيّ أجواء عمل وظروف صحافية.