دعوات لتوضيح أسباب سجن زعيمة اليسار في الجزائر
كشفت المسيرة الثانية عشرة في حراك الجزائر، عن تصعيد غير مسبوق في لهجة الشارع تجاه قيادة المؤسسة العسكرية، ما يعيد العلاقة بين الطرفين إلى ما قبل الثاني والعشرين من فبراير الماضي، ويحوّل المؤسسة من مفتاح لحل الأزمة في البلاد، إلى وجه من الوجوه المطالبة بالتواري عن الأنظار، شأنها شأن المؤسسات المغضوب عليها.
وسمعت قيادة المؤسسة العسكرية في الجزائر، وعلى رأسها قائد الأركان الجنرال أحمد قايد صالح، شعارات وهتافات حادة وشديدة تدفعها إلى إعادة ترتيب أوراقها وتفاصيل مقاربتها لحل الأزمة السياسية في البلاد، وهو تطور لافت في خطاب الشارع الجزائري بعد رفضه لجميع أشكال عسكرة المشهد الداخلي.
وتسير علاقة الشارع بالمؤسسة العسكرية إلى المزيد من التوتر في ظل معطيات تؤشر إلى نوايا لدى المؤسسة العسكرية للاستيلاء على السلطة المدنية في البلاد، وترتيب الاستحقاق الرئاسي المرتقب، بشكل يتواءم مع طموحها في ترك بصمتها في هوية الرئيس المقبل للبلاد.
وباتت الدعوات الواردة في خطاب الجيش من أجل الذهاب إلى مشاورات سياسية مع الرئيس المؤقت، والتشديد على احترام موعد الانتخابات الرئاسية المقرر في الرابع من يوليو، هي القطرة التي أفاضت كأس الشارع خاصة في ظل حديث بعض الدوائر عن تحضير الجيش لرئيس الحكومة السابق عبدالمجيد تبون، ليكون مرشحه ورئيس البلاد القادم.
ويعتبر الغموض الذي يلف مصير رئيسة حزب العمال اليساري لويزة حنون، المتواجدة في سجن البليدة بقرار من القضاء العسكري، أحد المؤشرات على توتر علاقة الجيش بقوى الحراك الشعبي وبالقوى السياسية، حيث لا يزال البعد السياسي والجنائي مبهما في مبررات سجن زعيمة حزب العمال، ولم تتبيّن إلى حد الآن الأسباب الحقيقية لإيداع حنون السجن المؤقت، سواء أكان ذلك يتصل بتصفية حسابات سياسية من قيادة الجيش وبين خصومها السياسيين، أم بضلوعها الفعلي في ما بات يعرف بـ”اللقاءات السرية التي جمعت رموز النظام السابق من أجل إطلاق هجوم مضاد ضد الحراك الشعبي”.
وفي هذا الإطار، دعا عبدالرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم الإخوانية، إلى الكشف عن أسباب إيداع الأمينة العامة لحزب العمال الحبس المؤقت، من أجل رفع اللبس عن الجدل المثير للشكوك في تطور الأوضاع السياسية بالآونة الأخيرة.
وقالت حركة مجتمع السلم في بيان أصدرته السبت، إنه “إذا كان سبب اقتياد السيدة حنون الحبس المؤقت هو موقفها السياسي والعلاقات والاتصالات التي قامت بها في هذا الإطار السياسي المحمي قانونيا ودستوريا، مهما كانت الاختلافات بشأنه مع غيرها، فإننا ندين هذا الموقف ونعتبره عملا خطيرا يجب تصحيحه وإطلاق سراح السيدة المعنية رئيسة حزب العمال”.
وأضاف “أما إذا كانت للجهات السيادية القضائية والعسكرية إثباتات تتعلق بمخالفات قانونية معلومة فإنه حفاظا على مصداقية مؤسسات الدولة وليكون الجميع على بيّنة، يجب تنوير الرأي العام بما يتعلق بذلك من معطيات”.
وجاء موقف الحركة في ظل موجة تعاطف سياسي وحقوقي مع رئيسة حزب العمال، تواءمت مع استمرار قوى الحراك الشعبي، في التجنّد من أجل تحقيق التغيير الشامل ورحيل السلطة، وسحب البساط من تحت طموحات مفترضة للعسكر في الاستحواذ على المشهد السياسي القادم في البلاد. وحتى ألد خصومها السياسيين، القيادي في جبهة الإنقاذ المنحلة علي بلحاج، شدد في تعليق له، على ضرورة ” احترام لويزة حنون كامرأة لها خصوصيتها ومن حقها أن تكون محل مراعاة ومعاملة خاصة، من طرف سلطة الاعتقال في سجن البليدة”.
وفي تحول لافت لنقابة القضاة عبّرت الأخيرة في بيان وزع على وسائل الإعلام، السبت، عن “رفضها التعامل مع القضاء كآلة تتحرك بالأوامر والإيحاءات أو الإيعاز”، وشدد البيان على تمسك القضاة بحقهم الدستوري كسلطة مستقلة تباشر مهامها وفقا لمبدأي الشرعية والمساواة وبمنهج قوامه التندر وغايته الإنصاف.
وذكر بيان النقابة أن “الضمانة والحماية الوحيدة للعدالة والقضاة لا تتأتى من أي جهة خارجة عن دائرة السلطة القضائية، بل تتجسّد بجملة من الإجراءات تكرس الاستقلالية التامة للقضاة، انطلاقا من مراجعة القوانين وإعادة النظر في الهياكل التي تنظم عمل القاضي ومساره المهني”.
ودعا القضاة إلى “وضع الثقة الواجبة فيهم دون وصاية أو ضغط، ما داموا يقفون على مسافة واحدة من جميع أطياف المجتمع”، وتعهدت النقابة بتقديم السند المادي والمعنوي للقضاة بوقوفهم في وجه كل من يحاول المساس باعتبارهم وباستقلاليتهم، سواء تصريحا أو تلميحا.