أحاديث “القائد” محمود عباس في “كتاب أخضر” على طريقة القذافي
لا يبدو أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قد أدرك جيدا حجم السخرية والاستهجان الذي رافق إعجابه بإطلاق كتيّب يحمل مقولاته واقتباسات من أحاديثه وتعميمها على المدارس الفلسطينية.
وأثار الكتيّب الذي يحمل اسم “قدوتنا رئيسنا” موجة واسعة من الانتقادات في الأراضي الفلسطينية بعد تشبيهه بأنه النسخة الفلسطينية من الكتاب الأخضر للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.
وأطلقت وزارة التربية والتعليم الكتيّب ضمن مبادرة “لأجل فلسطين نتعلم” في حفل حضره كبار المسؤولين الفلسطينيين الذين لم يتوانوا عن مدح “حكمة وأفكار ومقولات” محمود عباس طوال مسيرته في قيادة السلطة قبل نحو 14 عاما.
وأثار هذا الكتيّب حفيظة شريحة واسعة من النشطاء والكتّاب والمثقفين الفلسطينيين على مختلف توجهاتهم السياسية. وطالب هؤلاء بضرورة سحب الكتيّب من المدارس باعتباره “يعبّر عن الانحطاط السياسي”.
ولم يتوان صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والذي شارك بالحفل في الدفاع عن إطلاق الكتيّب الذي يحمل اقتباسات من كتب خطّت بيد عباس طوال السنوات الماضية.
وطالب عريقات في تدوينة على فيسبوك كل الذين يعتبرون إصدار الكتيب “نفاقا تسحيجا وعبادة للأشخاص وطالبوا بسحبه أن يقوموا بقراءته قبل إطلاق الأحكام”.
وأوضح أن الكتيّب عبارة عن “مراجعة وتلخيص لـ19 كتابا” للرئيس عباس بينت أن كل ما كتبه “كان إثباتا للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني”.
وعلى الرغم أن غالبية النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي تساءلوا عن الفائدة من نشر مقولات رئيس السلطة وتدريسها للتلاميذ في المدارس إلا أن وزير التربية والتعليم الفلسطيني مروان عورتاني اعتبر أن “هذه المبادرة لها أهمية كبيرة في تنمية مهارات الطلبة الإبداعية لإبراز الهوية الوطنية”.
وتساءل النشطاء عن الفائدة من نشر مقولات وصفت بأنها ساهمت بشكل أساسي في تعقيد الوضع الفلسطيني من ناحية انسداد أفق الحل السياسي مع إسرائيل وتعقّد ملف المصالحة الداخلية وسوء الأوضاع الاقتصادية. وتساءل هؤلاء عن كيفية تنمية مهارات الطلبة عبر “حكم ومقولات مأثورة لزعيم شبه غائب عن حياتهم العادية”.
واعتبر المحلل السياسي الفلسطيني جهاد حرب أن عملية نشر الكتيّب في المدارس يعدّ “نمطا من تفكير لإنتاج الدكتاتورية”، مشيرا إلى أن تمجيد الزعيم هو إحدى صور ما يعرف في فلسطين بـ”التسحيج”.
وقال في تصريح له إن “هذا النوع من التوجه لا يفيد التلاميذ بقدر ما يسيّس المناهج التعليمية ويجعل من المؤسسة التعليمية مسرحا للحزبية”، مضيفا أن “من قام بهذا العمل إنما يضرّ بالرئيس وصورته داخل المجتمع وبالمؤسسة التعليمية، ولا أخال أن الرئيس يرضى بذلك”.
لكن عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح والذي شارك أيضا في حفل إطلاق كتيّب “قدوتنا رئيسنا” نقل عن عباس أنه “يريد طباعة الكتيّب وتعميمه من جديد على كافة المؤسسات التعليمية”. وقال الأحمد إن عباس “أعجب كثيرا بهذه المبادرة”.
ورد أكثر من مئة كاتب ومثقف وناشط مدني فلسطيني بحملة على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل المطالبة بسحب الكتيّب، داعين في الوقت نفسه بضرورة تربية الأطفال على “قيم الحرية والكرامة والمساواة والتفكير النقدي.. لا عبادة الرؤساء والزعماء”.
وقال الكاتب والأكاديمي الفلسطيني خالد الحروب إن كتيّب “قدوتنا رئيسنا خطوة في منتهى الانحطاط الثقافي والسياسي والأخلاقي والتعليمي”.
وأضاف أن “أفكار عبادة وتقديس الفرد الحاكم ستالينية وبائتة ويمكن أن نتفهم حدوثها في كوريا الشمالية أو أشباهها، ولم تحدث عربيا إلا مع الكتاب الأخضر الخالد للعبقري القذافي”.
والكتاب الأخضر هو من تأليف معمر القذافي عام 1975 وتضمن أفكاره لأنظمة الحكم حيث أثار موجة واسعة من السخرية طوال فترة حكمه لليبيا التي امتدت على مدار أربعين عاما.
وتوقع جهاد حرب أن خطوة نشر الكتيّب ستلاقي معارضة قوية في الأيام القادمة بعد موجة السخرية والغضب على مواقع التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين.