مفهوم صيام رمضان

من خلال عملي كإعلامي لفتت انتباهي ظاهرة مهمة جدا، وهي مفهوم معظم الناس للصيام وخاصة صيام رمضان، إذ أن معظمهم يلتفت للشكل وليس للمضمون (ومن واجبي ألا أعمّم هنا) لكن شهدت حالات مُخزية وعجيبة من مفهوم الناس للصيام وللتدين بشكل خاص، فكم من مرضى يرفضون الدواء والإبرة وحتى التحاميل لأنها تُفطر وتنتزع الصيام. كما لو أن جوهر الصيام قائم على هذه الشكليات والتفاصيل.

كما لو أن الله لا يهتم إلا بشكل صيامنا، وهو الرحيم الذي أعفى المرضى والمسافرين من الصيام ولم يحمل كل نفس أكثر ممّا تحتمل. جوهر كل صيام هو تنقية النفس ومواجهة أخطائها وفحص علاقاتنا مع القريب والبعيد وأن نبني هذه العلاقات على الإنسانية والمحبة، أن يتصالح المتخاصمون وأن تنقّى القلوب بالمسامحة والرأفة، الصيام هو إحساس بالآخر ووجعه وعوزه وتقديم ما يمكننا تقديمه له، لكن ثمة أناسا يتمسكون بالشكليات فتجد مثلا مرضى بمرض السكري أو ارتفاع الكولسترول يوقفون أدوية هامة وإسعافية لهم بسبب صيام رمضان كما لو أن الله سوف يحاسبهم على عنايتهم بمرضهم.

هذا التعصب للشكليات نراه في بقية الأديان أيضا ولا تفسير له سوى التفكير التعصبي، ففي الديانة المسيحية مثلا مسموح أكل السمك في صيام العيد الصغير (عيد الميلاد) وغير مسموح في الصيام الكبير (الذي ينتهي بالفصح) وكل تلك العادات ليست داخلة في جوهر الدين ولا تمتّ له بصلة.

نحن نبتعد دوما عن الجوهر ونتمسك بالقشور حتى أن عيد الميلاد صار اسمه عيد بابا نويل لما يحمله من هدايا للأطفال. كم من مرضى رفضوا أخذ الإبر المضادة للالتهاب لأن الإبرة (حسب مفهومهم) تُفطر ولا بأس أن يستمر المرض في أجسامهم ناسين أو متناسين أن الدين يُسر وليس عُسرا وبأن رب العالمين سوف يحاسبنا على نوايا نفوسنا وأفعالنا ولن يٍسأل فلانا لماذا قطرت بضعة قطرات من القطرة في عينيك.

المؤلم في الموضوع أن العديد من الفضائيات وخاصة الفضائيات الدينية تخصص برامج خاصة للصيام وأسئلة حوله، ومن يتابع هذه البرامج يصاب بالبله لما تحمل من تفاصيل عجيبة غريبة لا تمتّ إلى الدين بصلة، فأحدهم يسأل: هل صوت المرأة عورة؟ ويخرب الصيام؟ وهل نزع الشعر الزائد لدى الأنثى بالشفرة مسموح به أم ممنوع ويفسد الصيام أيضا! هكذا أسئلة نتوقعها من جمهور لم يجد أمامه سوى إعلام القشور والتفاهات والابتعاد عن الجوهر. فجوهر أيّ صيام حقيقي هو تنقية الذات من شوائبها سواء الحسد أو الطمع أو اللامبالاة، والاهتمام بالآخر أخي في الإنسانية المعذب والمحتاج وأن أعطيه قدر استطاعتي وفي العطاء محبّة وفرح.

كم أحزن حين أجد صفحات على الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي زاخرة بما لذ وطاب من خرفان محشوّة وأطباق كنافة وكل أنواع الحلويات والأطعمة، دون أيّ مراعاة لشعور الفقراء -وما أكثرهم-، فمفهوم التقشف وكبح الرغبات غاب عن جوهر الصيام وأصبحت المطاعم تتنافس في تقديم العديد من أنواع المآكل الرمضانية وكذلك موائد السحور الباذخة، ويبقى طعاما يُطعم الآلاف من الجياع. أليس من الأولى والإنساني أكثر أن يتقشف الإنسان في الصيام كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يتقشف وأن ندخر هذا البذخ الاستعراضي ونقدمه للجمعيات الخيرية والمحتاجين.

ظاهرة مهمة شدت انتباهي وهي ظاهرة الكسل، كما لو أن، الصائم يجب أن يظل مستريحا مسترخيا لا تطلب منه شيئا،  فالبعض يبرّر كسله ونومه حتى الظهر لأنه صائم ولا يريد أن يُعاني أو يتعب. مع العلم أن الصائم تفتح شهيته لمساعدة الآخرين والمحتاجين ولا يبقى الوقت بطوله ساهما منتظرا لحظة الإفطار حيث يأكل ما لذ وطاب.

ليت الفضائيات تخصص برامج عن روحية الصيام أكثر من تخصيصها برامج عن ماديته وتفاصيل الأكل والشرب والسحور الخ . صياما “مباركا” أتمناه للجميع لكن دون تغييب العقل والمنطق.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: