لوحات الفن السيء

لوحات الفن السيء ،  في بروكسيل تحمل  خصوصية فريدة، إذ تحوي العديد من الاشخاص يعتبرون أنفسهم فنانين تشكيليين تعرّضت للنقد ووصف بأنه لا يروج للفن بل لنقيضه، إذ يعتبر ما تعرضه بعض ( الفنانات ) على أنه “مُنتج سيئ” ولا يمكن اعتباره فنًا”، السؤال الإشكالي المطروح حاليًا اختلف حوله منظرو الفن ومفكرو علم الجمال وهو ببساطة “هل الفن السيء يعتبر فنًا”؟ طرح “ألترا صوت” السؤال على عدد من الفنانين، وأضفنا: “هل هنالك فن ولا- فن؟”.

يوجد فن أو لا فن، فالأول هو إنجاز جيد، والأخير بالضرورة يعتبر أي شيء آخر غير الفن

التشكيلي يوسف عبدلكي يعقب على السؤال بقوله: “بشكل عام، يوجد فن أو لا فن، فالأول هو إنجاز جيد، والأخير بالضرورة يعتبر أي شيء آخر غير الفن”، ويضيف: “في كل عصر كان هنالك حرفيون في مجال التصوير والنحت والسيراميك، إلى جانب التجّار والمتلصصين، وهؤلاء فلنغسل أيدينا منهم، لأن الفنانين الحق هم المبدعون، أصحاب المواهب والشجاعة لمواجهة الغثاثة، ومستفيدين من الغثاثة، ومؤسسات وزعماء الغثاثة”.

أما عن ربط صفة الجودة بالفن، فيَعتبر فنان الكاريكاتير فارس قره بيت أن الفن الجيد هو المفيد والهادف، والذي يحمل رسالة ما. أما السيء فهو عكس ذلك، من دون أن يحمل صفة فَنّ، هذا من ناحية الفن بالعموم، ثم يستطرد في حديثه عن الفن التشكيلي بشكل خاص فيقول: “إن صفة العمل الجيد ترتبط بالتكنيك والتكوين والقيمة الفكرية والأكاديمية، بينما العمل الفني السيئ فيكون عكس ذلك”.

إن تقييم الفن أو العمل الفني بوصفه سيء/جيد يعتبر حسب الكاتب والسيناريست هوزان عكو طرحًا لإشكالية جمالية، فالفن بالنسبة له كلٌ متكامل، أما الأعمال فهي جزئيات، وقيم الجودة والرداءة إنما هي قيم جمالية للحكم على العمل الفني.

في حين  يتناول ثنائية فن أو لا فن، إذ يؤكد أنه لا يوجد فن سيئ، إنما هناك فن أو لا فن، وبعد ذلك نقوم بتقييم العمل الفني نقديًا. فبالنسبة له: “الشرط الأول هو أن يحوي العمل إبداعًا وجديّة، بالإضافة إلى حضور الأدوات الفنية، وتحقيق العمل الفني للأسس الفنيّة التي إن غابت تغيب معها صفة “فن” عن العمل، فليست كل مساحة ملونة تعتبر تشكيلًا، ولا كلّ مجموعة أصوات تُسمع تعتبر موسيقى، كذلك ليست كل الأبيات الموزونة شِعرًا”. ويضيف: “الفن أكبر وأعمق من أن يلتصق فيه الركام الذي ينتشر عن طريق الفيسبوك، ويشوش على صورة الفن بذهن المتلقين”.

ليست كل مساحة ملونة تشكيلًا، ولا كلّ مجموعة أصوات موسيقى، ولا كل الأبيات الموزونة شِعرًا

ملاحظة الفنان السابقة ربما توضح قليلًا مما يحصل داخل الساحة الفنية بين الجالية ببلجيكا ، فمع ازدياد روّاد ومتابعي وسائل التواصل الاجتماعي، وتحوّل هذه الوسائل إلى منصّات عرض ومنابر، وأدوات تحول أي هاوٍ، إلى “محترف مشهور”، يُطرح التساؤل عن كيفيّة تقييم الأعمال الفنية  حاليًا؟ وهل كل ما يُعرض هو بالضرورة فن؟

تحدث عالم الاجتماع هاورد بيكر عن تقييم الفن بشكل عام، وعن وجود سلطة متمثلة بنقاد وحكام مختصين يطلقون على المُنتج صفة الفن، إن أردنا إسقاط هذا المفهوم على الوضع التجربة الفنيّة السوريّة، فنلاحظ حاليًا أن هناك سلطة تُحدد القيمة الفنية، ولكنها سلطة سياسية/دينية/اجتماعية غير متخصصة، وما إن وضعت هذه السلطات محدداتها الفنية فسيميل الفنان وحتى المتلقي إلى تبنيها.

استكمالًا لفكرة بيكر نجد في كتاب “سوسيولوجيا الفن” الصادر عن “عالم المعرفة” حديثًا عمن يتحكم بالتقييم والمحددات، “ففي وقت من الأوقات لم يكن الجمهور يبحث عن لوحات كبيرة لموضوعات رفيعة، وإنما كانوا يطلبون لوحات يضعونها في منازلهم”، ونقرأ أيضًا أن النظام الذي نشأ للإيفاء بهذه الاحتياجات، وليصل ما بين هذه الجماعات، هو نظام التاجر/الناقد، بالإضافة لعوامل مثل العرض والطلب التي تلعب دورًا بالتشجيع أو تثبيط أساليب معينة من الممارسة الفنية.

ربما يمكن الُنظر إلى الحالة الفنية السورية على أنها جهود فرديّة، ذلك لعدم وجودها ضمن سياق ثقافي كما كانت سابقًا، لذلك فإن تقييمها كمجموع ليس بالأمر السهل وتقييمها ما إن كانت فنًا جيدًا أو سيئًا غير قابل للحدوث، لأنها دون سياق فني أو حقل فني ذي مؤسسات واضحة المعالم.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: