بريكست يعاقب المحافظين والعمال في الانتخابات المحلية
ترجمت نتائج الانتخابات البريطانية المحلية غضب البريطانيين وسخطهم على الحزبين الرئيسيين في البلاد، حزب المحافظين وحزب العمال، بعد الفوز الساحق الذي حققه الحزب الديمقراطي الليبرالي (وسط)، ما اعتبرته بعض الأوساط السياسية رسالة واضحة المعالم للأحزاب التقليدية مفادها: ها نحن نعاقبكم على بريكست.
تعرّض المحافظون الحاكمون في بريطانيا والعماليون المعارضون إلى خسائر الجمعة في الانتخابات المحلية خصوصا، بسبب الإحباط السائد في أوساط الناخبين من الجمود الذي يواجه ملف بريكست، فيما يزداد الغموض بشأن مآل اتفاق بريكست العالق في البرلمان.
وخسر حزب رئيسة الوزراء تيريزا ماي المحافظ عدة مجالس محلية والمئات من المقاعد، لكن حزب العمال لم يستفد كذلك من الخسارة، إذ منحت الأصوات بدلا من ذلك إلى الأحزاب الأصغر، حيث كان الحزب الديمقراطي الليبرالي الفائز الأكبر، حيث حصل على أكثر من 300 مقعد، بحسب النتائج الأولية. وفاز المستقلون أيضا بـ200 مقعد إضافي.
ولا تبشر نتائج الحزبين الرئيسيين في بريطانيا بخير قبيل انتخابات البرلمان الأوروبي المقبلة التي يتوقع أن تجري في بريطانيا بتاريخ 23 مايو. وبعدما صوّت البريطانيون في يونيو 2016 لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، كان من المفترض أن تغادر لندن في 29 مارس هذا العام، وهو ما كان سيعني أنها لن تخوض الانتخابات الأوروبية. لكن تم تأجيل موعد الانسحاب إلى 31 أكتوبر، بعدما فشل النواب المنقسمون في الموافقة على اتفاق الانفصال الذي أبرمته ماي مع الاتحاد الأوروبي.
ويجري المحافظون والعمال محادثات في مسعى إلى التوصّل إلى حل بإمكانه الحصول على تأييد جميع الأحزاب، رغم أنه من غير المتوقّع أن يتم التوصّل إلى نتيجة في الوقت المناسب لتجنّب إجراء الانتخابات الأوروبية في بريطانيا.
وحقق الليبراليون الديمقراطيون (وسط) والخضر (يسار)، وكلاهما يناهض بريكست، مكاسب إلى جانب المرشحين المستقلين. وقال وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت إن النتائج تبدو “كصفعة في وجه الحزبين الرئيسيين”. وتوجه الناخبون إلى مراكز الاقتراع الخميس في الأرياف والضواحي، حيث يجري التصويت للفوز بـ8000 مقعد.
وتتنافس الأحزاب في أيرلندا الشمالية على جميع المجالس المحلية الـ11 في المقاطعة. وقال الخبير في شؤون الانتخابات جون كورتيس، “يبدو أن الرسالة الأساسية من الناخبين إلى كل من حزبيْ المحافظين والعمال هي تبّا لكما”. وأضاف كورتيس أن الحزبيْن الرئيسيين “يتعرضان للخسائر في الدوائر التي كانا فيها الأقوى”، مع خسارة المحافظين مقاعد في جنوب بريطانيا والعمال في الشمال.
ويعدّ المحافظون أقوى تقليديّا في المناطق التي جرت المنافسة فيها الخميس حيث يدافعون عن موقعهم. وعادة ما ينقلب الناخبون على الحكومة وهي في السلطة في مرحلة منتصف المدة هذه من الدورة الانتخابية. لكن حتى حزب العمال اليساري مُني بخسائر. وعلى أي حزب يهدف إلى تولي الحكومة أن يتوقع تحقيق مكاسب كبيرة.
وقال زعيم الليبراليين الديمقراطيين فينس كابل إن الناخبين “لم يعد لديهم ثقة بالمحافظين لكنهم يرفضون مكافأة العمال، بينما يراوغ الحزب بشأن أهم مسألة اليوم: بريكست”. وموقف حزب العمال بشأن بريكست، الذي يصفه بعض المعلقين بأنه أشبه بالغموض البنّاء، مصمم لتجنّب خسارة داعميه سواء من أنصار مغادرة الاتحاد أو أولئك الذين يطالبون بالبقاء في التكتل.
وقال النائب عن حزب العمال أوين سميث الذي حاول الإطاحة بزعيم الحزب جيريمي كوربن في 2016 إن تخبط العمال بشأن بريكست بات مكشوفا بالنسبة للعامة، مضيفا “الناخبون لا يكافئون المراوغين”.
وقد تتفاقم المشكلات التي يواجهها الحزبان الرئيسيان في الانتخابات الأوروبية عندما سيواجهان كذلك قوتين تشكّلتا حديثا هما: حزب بريكست الذي يحتل الصدارة وفق استطلاعات الرأي وحزب التغيير البريطاني الوسطي والمؤيد للاتحاد الأوروبي. ولم يخض أيّ الحزبين الانتخابات المحلية التي منعهما توقيتها من إيجاد الآلاف من المرشحين.
وبإمكان نتائج الانتخابات المحلية أن تساهم في دفع الساسة لإيجاد حل للجمود الذي يواجه بريكست. وقال النائب المحافظ برنارد جينكن لإذاعة الـ”بي.بي.سي”، “إذا لم يصلح الحزب المحافظ أساليبه سريعا، فسينتهي”. وقال الكثير من المحللين والسياسيين إن التأخير والغموض بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عاملان رئيسيان في انقلاب الناخبين على الحزبين الرئيسيين.
وتساءل الكاتب ماثيو باريس على أعمدة صحيفة التايمز “من كان يتوقع أن أكثر الأحزاب السياسية شعبية سيكون حزبا لا يساري، لا يميني، بل وسطي” وذلك تعليقا على الفوز الساحق الذي حققه الحزب الديمقراطي الليبرالي.
وقال باريس إن بروز حزب وسطي اليوم كقوة دفعت طريقها نحو النصر، متفوقة على الأحزاب الأخرى في صناديق الاقتراع لأنها اتخذت قرارا واضحا على عكسهم، مضيفا “يبدو هذا انتصارا للديمقراطيين الأحرار لأنهم اتخذوا موقفا واضحا بشأن مسألة الخروج”.
ويرى الكاتب أن حزب بريكست الذي يترأسه نايجل فاراج، والذي لم يطعن في هذه الانتخابات المحلية، حقق نتائج طيبة لأنه اتخذ موقفا واضحا بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وخلص بالقول “يجب اعتبار هذه الانتخابات المحلية ضربة قاتلة لأي أمل في حل وسط يتعلق بخروج بريطانيا من الكتلة الأوروبية”.