الجمعة الحادية عشرة في حراك الجزائر: الشارع يتحدى الجيش
هيمنت الشعارات الرافضة لمناورات قيادة المؤسسة العسكرية، على مظاهرات الجمعة الحادية عشرة في حراك الجزائر، في محاولة لوضع حد لمساعي المؤسسة العسكرية الرامية إلى الالتفاف على مطالب الحراك الشعبي المرفوعة منذ الثاني والعشرين من فبراير الماضي، من أجل التغيير الشامل ورحيل السلطة.
عبّر المحتجون الذين خرجوا للأسبوع الحادي عشر على التوالي في العاصمة الجزائرية ومختلف مدن ومحافظات البلاد، عن رفضهم المطلق للمقاربة التي تبنّتها قيادة الجيش للخروج من الأزمة السياسية، وللحلول المقدمة من طرف قائد الأركان الجنرال أحمد قايد صالح.
وردّد المتظاهرون “مكانش (لا توجد) انتخابات يا العصابات”، و”الجيش ديالنا (جيشنا) والقايد خاننا”، وهو تطور لافت في بوادر قطيعة بين الشارع وقيادة المؤسسة العسكرية، حيث تسود حالة من الخيبة والاستياء من تصريحات قايد صالح الأخيرة، التي دعا فيها إلى حل الأزمة بالمؤسسات الانتقالية الحالية.
وباتت المظاهرات التي عمّت البلاد الجمعة، توجّه أصابع الاتهام والرفض بشكل أدق إلى قيادة الجيش، بعدما كانت مركّزة خلال الأسابيع الماضية على رموز المؤسسات الانتقالية الموروثة عن نظام الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، لاسيما وأن التطورات أثبتت أن قائد الأركان صار الحاكم الفعلي في البلاد.
وكان الجنرال قايد صالح قد شدد في تصريحاته الأخيرة، على ضرورة الذهاب إلى حوار مع مؤسسات الدولة، وإلى الانتخابات الرئاسية المقررة في الرابع من يوليو القادم، كما ركز على حل الأزمة في إطار الأحكام الدستورية، وفي البند 102، الذي تنحى بموجبه الرئيس السابق، خَلفته مؤسسات انتقالية (رئاسة دولة وحكومة مؤقتة).
واستغرب المحامي والناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي، في تسجيل له عشية الجمعة الحادية عشرة، دعوات الحوار التي وجهها قايد صالح للحراك الشعبي، وتساءل قائلا “مع من يتم الحوار، مع بن صالح وبدوي المرفوضين شعبيا والمطالبين بالرحيل، أم مع المؤسسة العسكرية؟”. وإذ ثمّن المتحدث فكرة الحوار، فإنه شجب أطراف الحوار التي يعرضها قايد صالح.
وأكد ناشطون في الحراك الشعبي على أن قايد صالح استغل احترام الجزائريين للمؤسسة العسكرية لتنفيذ انقلاب أبيض تحول بموجبه إلى حاكم فعلي للبلاد، وموجه مركزي للقرارات المتخذة من طرف الرئاسة المؤقتة ورئاسة الحكومة، رغم عدم دستورية تلك القرارات المتصلة بالإقالات والتعيينات التي لا يسمح بها الدستور للرئيس الانتقالي.
ويضيف هؤلاء أن قائد أركان الجيش وظّف انتفاضة الشارع ضد السلطة، من أجل التخلص من خصومه في الرئاسة والحكومة السابقتين وفي بعض أجهزة الجيش والأمن والاستخبارات، ليتمكن من التربع على عرش السلطة وتوجيه مآلات الحراك إلى نظام سياسي جديد لا يختلف عن النظام السابق، على أن يكون العسكر هو قطبه المركزي.
قايد صالح استغل احترام الجزائريين للمؤسسة العسكرية لتنفيذ انقلاب أبيض تحول بموجبه إلى حاكم فعلي للبلاد
ويبدو أن ورقة محاربة الفساد التي يلوّح بها الجنرال قايد صالح، بعد فتح العديد من ملفات رجال أعمال ومسؤولين كبار وسياسيين، لم تقنع المتظاهرين في مليونيتهم الحادية عشرة، حيث رفعت لافتات كبيرة، تشدد على محاربة الفساد بالقضاء المستقل وليس بقضاء الهاتف، في إشارة إلى توظيف الجهاز في تصفية حسابات وإقامة عدالة انتقامية أو انتقائية، في ظل عدم المساس ببعض رموز المرحلة السابقة المحسوبين على قيادة الأركان.
وشدد المتداولون على “منصة الخطباء”، وهو منبر أقامه النشطاء في وسط العاصمة لاستعراض أفكار وتصورات ناشطي الحراك الشعبي، على أن تسمك قايد صالح بالبند 102 من الدستور تجاوزه الزمن، لأنها مجرد آلية تعالج حالة شغور في رئاسة الجمهورية لأسباب الوفاة أو العجز أو الاستقالة في الظروف العادية.
وأكد أحد المتدخلين أن “البند المذكور لم يعد حلا للأزمة، وأن الدستور برمّته وضعته سلطة بوتفليقة، وزكاه برلمان غير شرعي، وهو بذلك مجرد وثيقة يتم التلاعب بها واختراقها في كل مرة من طرف السلطة نفسها، وإذا كان لا بد من العمل بها فلا بد من الذهاب لتفعيل بنود أخرى تتيح للشعب استعادة سيادته وسلطته في إفراز المؤسسات التي يريدها”.
وكان الجنرال قايد صالح، قد أكد في أحد تصريحاته السابقة، على ضرورة “تفعيل البند 102، بالموازاة مع البندين السابع والثامن للخروج من الأزمة السياسية”، قبل أن يتراجع عن التزاماته أمام الحراك الشعبي، ويبدي انحيازا مكشوفا للمؤسسات الانتقالية، رغم رفض رموزها من طرف الشارع.
ويبدو أن الشارع صار متفطنا أكثر من أي وقت مضى لمناورات سياسية تحاك ضد الحراك الشعبي، عبر رهان المؤسسة العسكرية على أرواق التضييق والوقت وشهر رمضان والموسم الصيفي لإنهاك المحتجين، ودفعهم إلى الرضى بما تم تحقيقه من مكاسب، وصفتها شعارات بـ”الشكلية” و”من يقوم بنصف ثورة كمن يحفر قبره بيده”.
وفي رد على تلك الرهانات رددت هتافات “ما راناش حابسين (لن نتوقف) في رمضان خارجين”، في رسالة تؤكد تصميم الحراك على التمسك بمطالب التغيير الشامل ورحيل السلطة في كل الظروف، بما فيها الصيام والخنق المطبق على مداخل العاصمة من طرف عناصر جهاز الدرك، بإيعاز من قيادة المؤسسة العسكرية.
وعكست بعض الصور المرفوعة في مظاهرات الجمعة ثقة قطاع عريض من قوى الحراك الشعبي في بعض الشخصيات المستقلة لقيادة المرحلة الانتقالية، حيث لوحظت صور أحمد طالب الإبراهيمي، أحمد بن بيتور، اليامين زروال، ومصطفى بوشاشي، بشكل لافت لدى بعض المتظاهرين.
وأكد الناشط والعضو في جمعية “راج” عبدالوهاب فرساوي، أن الرهان على إنهاك الحراك وعلى عامل الوقت، هو “ورقة فاشلة، ومن ينتظر تراجع الحراك في شهر رمضان مخطئ.. الحراك الشعبي أخرج أكثر من 20 مليون جزائري وجزائرية إلى الشارع، ولا يمكنهم أن يعودوا إلى بيوتهم لا في رمضان ولا في غير رمضان، إلا إذا حققوا مطالبهم”.