لغز سعيد بوتفليقة يؤرق الحراك الشعبي الجزائري
تصريحات وزير الدفاع الأسبق الجنرال خالد نزار تؤكد شرعية المطالب المرفوعة من طرف الحراك الشعبي، لتحييد شقيق ومستشار الرئيس السابق من المشهد السياسي في البلاد، قياسا بما شكله ويشكله من مخاطر على مسار التطورات السياسية في البلاد.
أكد وزير الدفاع السابق خالد نزار أن شقيق ومستشار الرئيس السابق سعيد بوتفليقة، كان مستعدا للذهاب إلى مختلف الحلول والمقاربات من أجل خنق الحراك الشعبي، واستمرار المنظومة التي يديرها في السلطة، بما في ذلك المرور إلى الولاية الرئاسية الخامسة لشقيقه.
وذكر في إفادة قدمها للموقع الأخباري الذي يديره نجله لطفي نزار “ألجيري باتريوتيك” الناطق بالفرنسية، أن سعيد بوتفليقة كان مستعدا لإعلان “حالة الحصار أو الطوارئ في البلاد، من أجل خنق الحراك الشعبي، وتنفيذ الأجندة السياسية لمنظومته”.
وأضاف “حتى آخر دقيقة، تمسك شقيق ومستشار الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، بالبقاء في السلطة، مما أفرز العديد من المحاولات والمناورات التي كانت تستهدف الالتفاف حول الهبة الشعبية في الجزائر”.
وبات سعيد بوتفليقة يتصدر لائحة المطلوبين لدى الحراك الشعبي، من أجل توقيفه وإحالته إلى القضاء، وتصوب إليه أصابع الاتهام بالوقوف وراء الوضع الذي تعيشه البلاد، منذ ما قبل العهدة الرئاسية الرابعة، وباختطاف السلطة من الرئيس الشرعي، فضلا عن إدارة ما بات يعرف بـ“القوة غير الدستورية”.
ولا يزال طيف الرجل يشكل الهاجس الأول للناشطين، بسبب قدرته على قيادة الثورة المضادة وإجهاض الحراك الشعبي، خاصة وأنه لا يزال حرا طليقا، ويحتفظ بمنصبه كمستشار لدى الرئاسة، الأمر الذي يثير استفهامات حول سر احتفاظه بقوته ونفوذه، رغم الخصومات المتداولة بينه وبين قائد أركان الجيش الجنرال قايد صالح.
وذكر الجنرال المتقاعد خالد نزار أنه “تحدث مع سعيد بوتفليقة مرتين منذ بداية الحراك الشعبي، الأولى في السابع من مارس، والثانية في الثلاثين من نفس الشهر، وأنه عبارة عن كتلة من الفوضى”.
وأكد “نصحته بالاستجابة لمطالب المتظاهرين، وقلت له الشعب لا يريد عهدة خامسة، ويريد الذهاب إلى جمهورية ثانية، ويرفضون السياسيين الذين يتقلدون مناصب الدولة حاليا.. أرى أنه يجب الاستجابة لهذه المطالب”.
وأضاف “اقترحت عليه سيناريوهين: الأول يتمثل في عقد ندوة وطنية، مع تحديد التواريخ، ومنها رحيل الرئيس في أجل ستة إلى تسعة أشهر، وتغيير الحكومة الحالية بحكومة تكنوقراط”.
وتابع “أما الثاني، فيتمثل في انسحاب الرئيس إما عن طريق الاستقالة وإما عن طريق المجلس الدستوري، وتعيين حكومة تكنوقراط واستقالة رئيس مجلس الأمة (الغرفة الثانية في البرلمان) بالموازاة مع ذلك، وإنشاء عدة لجان مستقلة، تكون مؤهلة لتنظيم الانتخابات، ووضع الأدوات اللازمة للذهاب إلى الجمهورية الثانية”.
ولفت المتحدث إلى أن سعيد بوتفليقة رفض على الفور السيناريو الثاني ووصفه بـ”الخطر عليهم”، وأنه كان مستعدا لإعلان حالة الطوارئ أو الحصار، إذا رفض الشعب المقترح الذي تقدم به باسم شقيقه، والذي كان في شكل الذهاب إلى انتخابات رئاسية من دون بوتفليقة الرئيس، تنظم خلال عام.
وقال نزار “لقد فوجئت بالكثير من اللاوعي، وأجبته: سي سعيد احذر، المظاهرات سلمية، لا يمكنك التصرف بهذه الطريقة! وفي تلك اللحظة، أدركت أنه يتصرف مثل صانع القرار الوحيد، وأن الرئيس في المنصب قد تم إهماله تماما”. وخلال الاتصال الثاني بين الرجلين، ظهر سعيد بوتفليقة في حالة ذعر، بحسب إفادة خالد نزار، بسبب الاجتماع المشهور لقادة المؤسسة العسكرية، وكان يريد الاستشارة بشأن إقالة قائد أركان الجيش من منصبه، وهو ما قابله المتحدث بالرفض بسبب ما أسماه بـ”خطر تفكيك الجيش”.
ناشطون في الحراك الشعبي يرجحون أن يكون سعيد بوتفليقة يحظى برعاية قائد أركان الجيش الجنرال قايد صالح
وجاءت شهادة وزير الدفاع السابق لتؤكد صحة التوجسات في الشارع، من دور مريب للشقيق والمستشار الرئاسي في هذه المرحلة الحساسة، خاصة في ظل حالة الانسداد المستفحلة بسبب تلكؤ السلطة في الاستجابة لمطالب التغيير الشامل ورحيلها الفوري.
ورغم تنحية معظم الوجوه العاملة في القصر الرئاسي (المرادية) خلال عهد بوتفليقة، إلا أن الرجل يبقى حرا طليقا رغم مطالب التوقيف والمقاضاة المرفوعة في المسيرات المليونية العاشرة في البلاد، ولم يستبعد ناشطون في الحراك الشعبي أن يكون سعيد بوتفليقة جزءا من المنظومة التي تعمل على إنتاج نفسها برعاية قايد صالح.
وكان الجنرال قايد صالح قد وصف في إحدى خطاباته محيط بوتفليقة، بـ”العصابة المشبوهة”، على خلفية المساعي التي قام بها كل من سعيد بوتفليقة والجنرال المتقاعد محمد مدين (توفيق) وعمار غول وعمارة بن يونس ومعاذ بوشارب وضباط استخبارات فرنسية، لإجهاض الحراك الشعبي، بحسب مصادر إعلامية محسوبة على قائد أركان الجيش.
ويواجه قايد صالح انتقادات شديدة، بسبب التصريح المذكور، الذي لم تله أي إجراءات قانونية، خاصة وأن التهم التي وجهها لهم يمكن أن تصنف في جرائم الخيانة العظمى. وهو ما يثير استفهامات حول تواطؤ ما بين رموز السلطة، أو تلاعب قايد صالح بالشارع، وتوظيف الحراك في تصفية خصومه وليس في تحقيق المطالب المرفوعة.