منفذو هجمات سيرلانكا: حياة الرفاه والتعليم الجيد لا تحصّن ضد التطرف

قبل أسبوع كان إنشاف أحمد ابراهيم صاحب ثروة طائلة ويعيش حياة رفاهية ضمن نخبة المجتمع السريلانكي، التي تلقبه بـ”ملك التوابل”، قبل أن يصبح حاملا لصفة “إرهابي” هو وأخوه إلهام، وهما من بين منفذي الاعتداءات التي شهدتها سريلانكا يوم عيد الفصح والتي أودت بحياة 360 شخصا وإصابة 500. ونفذها إلى جانب الأخوين إبراهيم عدد ممن وصفهم وزير الدفاع السريلانكي بمجمعة من الأثرياء والمتعلمين، والذين قادهم رئيس “جماعة التوحيد الوطنية”.

لم يثر تبني تنظيم الدولة الإسلامية للهجمات الإرهابية التي شهدتها سريلانكا الاهتمام بقدر ما أثارته خلفيات منفذي الهجوم الاجتماعية ومستويات تعليمهم، فمنهم من ينتمي إلى عائلات ثرية ومنهم من تخرج في جامعات بريطانية وعاش في أستراليا، الأمر الذي يثير التساؤل حول الأسباب التي تدفع بهؤلاء إلى التطرف.

طرح هذا التساؤل في السنوات الماضية، التي شهدت ذروة هجمات تنظيم الدولة الإسلامية، قبل أن تنهار دولة الخلافة. شهدت عدة دول في تلك السنوات عمليات إرهابية أو موجات سفر لأبنائها إلى سوريا.

في البداية لم يكن أمر الخلفية الاجتماعية يثير الاهتمام لكن سلط عليها الضوء عندما ارتفع معدل الموالين لتنظيم الدولة الإسلامية، خاصة بعد أن استقطب التنظيم عناصر من دول أوروبية أو حتى عربية تعرف باعتدالها وانفتاحها على غرار تونس، كما كان لافتا أن أغلب الشباب الذي أعلن مبايعته للتنظيم كان من خريجي الجامعات وبعضه من عائلات ميسورة الحال، كما هو حال منفذي هجمات سريلانكا.

تهديد مستمر

قالت السلطات السريلانكية إن تسعة من “المتعلمين” نفذوا الهجمات التي أودت بحياة أكثر من 350 شخصا خلال الاحتفالات بعيد الفصح، محذرة من تهديد إرهابي مستمر. وذكر وزير الدفاع السريلانكي روان ويجيوار دين، في تصريحات أن “معظم المهاجمين تلقوا تعليما جيدا، ومن عائلات قوية اقتصاديا، ودرس بعضهم في الخارج”. وتابع قائلا “نعرف أن واحدا منهم سافر إلى بريطانيا وأستراليا لدراسة القانون، ويقوم الشركاء الأجانب، بينهم بريطانيا، بالمساعدة في التحقيقات”.

إنشاف أحمد ابراهيم كان صاحب ثروة طائلة ويعيش حياة رفاهية قبل أن يتحول إلى متطرف وأحد منفذي هجمات سريلانكا التي أودت بحياة أكثر من 350 شخصا
إنشاف أحمد ابراهيم كان صاحب ثروة طائلة ويعيش حياة رفاهية قبل أن يتحول إلى متطرف وأحد منفذي هجمات سريلانكا التي أودت بحياة أكثر من 350 شخصا 

وتضم قائمة منفذي الهجمات الأخوين إنشاف أحمد وإلهام إبراهيم وهما نجلا تاجر توابل ثري من كولومبو، وامرأة حامل، فجرت نفسها وثلاثة من أولادها، وهي زوجة أحد أبناء تاجر البهارات الثري وابنة أحد صانعي المجوهرات الأثرياء، بالإضافة إلى عبداللطيف جميل محمد (36 عاما)، الذي درس هندسة الطيران في المملكة المتحدة لمدة عامين تقريبا، ثم عاش لفترة في أستراليا.

وأكد مسؤولو الدفاع السريلانكيون أن معظم المفجرين كانوا من الجالية المسلمة المزدهرة في البلاد، والتي تمثل أقل من 10 في المئة من السكان ولكنها بارزة في مجال الصناعة في الدولة ذات الأغلبية البوذية. وقال أنيميش رول، وهو خبير في مكافحة الإرهاب بمنطقة جنوب آسيا، “أولئك الذين لديهم الوسائل والوقت هم القادرون على شراء المواد اللازمة لإحداث فوضى من هذا القبيل. لقد ألهم تنظيم الدولة الإسلامية الجماعات والأفراد المتطرفين في بنغلاديش والهند وسريلانكا وجزر المالديف، وشهدنا الدمار الذي خلفه ذلك”.

ونقلت شبكة “سي.أن.أن” عن نائب مدير المجلس الإسلامي في سريلانكا حلمي أحمد، قوله إنه يعرف أن محمد إبراهيم عضو مهم في المجتمع، ووصفه بأنه “غني جدا”، وأن أولاده متعلمون بشكل جيد، ودرسوا في الخارج، وشك في أن يكون الوالد محمد إبراهيم على معرفة بخطط ولديه، فقد “كان رجل أعمال مشغولا.. ربما جهل ما يجري حوله، وأشك في أنه كان يعلم”. وذكرت صحيفة فاينانشيل تايمز أن الأخوين إبراهيم ينتميان إلى طبقة النخبة السريلانكية، ويتحدثان الإنكليزية بطلاقة. وكانا يقطنان في منزل عائلتهما الفخم المكون من ثلاثة طوابق في حي ديماتوجودا، وهو من أرقى أحياء مدينة كولومبو. وكان لإلهام مصنع للنحاس في ضواحي كولومبو، وأعماله مزدهرة.

لكن تلفت إلى أن الأخوين كانا يعيشان حياة مزدوجة، فرغم حالة الرفاه التي يعيشان فيها كانا يميلان إلى التطرف الأمر الذي انتهى بهما جزءا من مجموعة من منفذي سلسلة من الهجمات الإرهابية التي أسفرت عن مقتل أكثر من 350 شخصا في كولومبو ومحيطها.

وسلطت صحيفة الغارديان الضوء على عبداللطيف جميل محمد الذي درس بجامعة كينغستون في جنوب غرب لندن في فترة امتدّت من 2006 إلى 2007، ثم أكمل تعليمه في أستراليا قبل أن يعود إلى سريلانكا.

وقتل عبداللطيف شخصين عندما فجر حزامه الناسف بدار ضيافة قرب حديقة حيوان كولومبو، بعدما كان هدفه الأساسي فندق تاج سامودرا، الكائن قرب ثلاثة فنادق أخرى استهدفت خلال الهجمات، لكن لم تنفجر القنبلة ما اضطره للعودة إلى مكان آمن قبل شن هجومه.

ونقلت صحيفة تليغراف عن أشخاص كانوا يعرفونه أنه كان متعاطفا مع داعش، حيث أوضح أحد أصدقاء طفولته “لم نأخذه قط على محمل الجد عندما تحدث عن آرائه. من كان يعتقد أن بيننا مجانين سيرتكبون أعمالا وحشية من هذا النوع ويقتلون أناسا أبرياء؟”.غراف

شهد العالم عدة أمثلة مشابهة، سواء في أيام ازدهار تنظيم القاعدة أو مع نشأة تنظيم الدولة الإسلامية، وإن كانت الظاهرة نمت بشكل أخطر في فترة استقواء داعش. ويعد أبرز مثال لهؤلاء المتعلمين الإرهابيين المصري محمد عطا الذي قاد ثمانية عشر رجلا من تنظيم القاعدة في هجمات الحادي عشر من شتنبر درس عطا العمارة في كلية الهندسة بجامعة القاهرة قبل أن ينتقل لاستكمال دراساته العليا في ألمانيا.

لكن، وفيما تجد التقارير رابطا بين الفترة الزمنية التي نشأ فيها عطا، وتأثره كغيره من الجيل الجهادي الأول بالحرب في أفغانستان، مع نشأة تنظيم القاعدة، تستغرب كيف يمكن أن يتحول شاب في العشرين من عمره مثل محمد إبراهيم، يمتلك كل ما يحلم به أي شاب، إلى فريسة للتطرف.

هنا، يشير المحللون إلى رابط خفي يحمل بين سطوره الإجابة، وهو أدبيات الإخوان المسلمين. فقد كشفت دراسات عديدة، سلطت الضوء على تصاعد الحالة الجهادية وأفكار التطرف في العالم في السنوات الأخيرة، أن الرحلة نحو التطرف تبدأ من تلك المنظمات الإسلامية التي تعتبر نفسها غير متطرفة.

وفيما تلقى الجيل الأول والثاني من الجهاديين المبادئ الإخوانية في الجامعات ومن خلال كتب سيد قطب وأشرطة الداعية عبدالحميد كشك، وغيرهما من منظري الإخوان، كانت العلاقات الشخصية ووسائل التواصل الاجتماعي مصدر استقطاب للجيل الجديد، الذي ليس ضروريا أن يكون على اطلاع بأيديولوجيا الإخوان، فمن يقوم باستقطابهم يملك تلك الخلفية، وهو يحتاج إلى من ينفذ تعليماته.

وتشير راشيل بريسون، الباحثة في معهد توني بلير لتغيير العالم، إلى أن العديد من الجهاديين والمتشددين توجهوا إلى التطرف من خلال العلاقات الشخصية، أو بعد مداومتهم على التواجد في المؤسسات الإسلامية، بما في ذلك المساجد التي تضم الدعاة الإسلاميين.

المهاجمون من نخبة المجتمع ودرس بعضهم في الخارج
المهاجمون من نخبة المجتمع ودرس بعضهم في الخارج

والرابط بين منفذي هجمات سريلانكا والإخوان، هو زهران هاشم، زعيم الجماعة الإسلامية المتهمة بالوقوف وراء الاعتداءات، ولقي حتفه في واحدة من الهجمات. وكانت صورة تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي تجمع بين زهران ويوسف القرضاوي منظّر الإخوان والرئيس السابق لتنظيمهم الدولي، هي الخيط الذي كشف عن ذلك الرابط.

ورغم أن الصورة لا تظهر تاريخا محددا، إلا أنها تفتح الباب مجددا للبحث  في عمق العلاقة بين الإخوان والجماعات المتشددة في جنوب شرق آسيا. ويرى خبراء أن الإخوان، الذين نجحوا في التغلغل في المجتمعات الأوروبية من خلال الجمعيات الخيرية، اعتمدوا في آسيا على الجماعات المحلية المتشددة، على غرار جماعة التوحيد والنور، التي يترأسها زهران هاشم.

انتماءات مختلفة

يلفت الخبراء إلى أن هناك اختلافات في انتماءات وطبقات هؤلاء المستقطبين، فمثلا أغلب الجهاديين الأوروبيين يملكون خلفيات إجرامية أو يعانون من أزمة اندماج، سواء كانوا من أبناء المهاجرين أو من الأوروبيين أنفسهم، في حين تظهر علامات الثراء والرفاه الاجتماعي على منفذي هجوم سريلانكا، وفي دول أخرى يكون التركيز على الفقراء وأيضا على أصحاب الشهائد المهمّشين، خاصة في الدول العربية.

ويقول مسؤولو الدفاع في سريلانكا إن زهران هاشم، المعروف باسم محمد زهران، والذي ينحدر من منطقة باتكالوا، هو المسؤول عن تنظيم التفجيرات. وظهر هاشم، الذي كان معروفا لوكالات الاستخبارات الهندية بسبب منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي، في شريط فيديو بثه داعش بعد الهجمات. وأكد الرئيس السريلانكي مايثريبالا سيريسينا أن زهران هاشم زعيم الجماعة الإسلامية المتهمة بالوقوف وراء اعتداءات عيد الفصح في بلاده، قتل في واحدة من الهجمات الانتحارية التي سقط فيها 253 قتيلا في الجزيرة الواقعة جنوب آسيا.

وكانت السلطات تبحث عن هاشم الذي كان مصيره مجهولا ووضع على رأس لائحة الذين تبحث عنهم قوات الأمن. وقال الرئيس السريلانكي في لقاء مع صحافيين إن “ما أبلغتني به وكالات الاستخبارات هو أن زهران هاشم قتل في الهجوم على فندق شانغري-لا”. وأوضح أن هاشم قاد الهجوم الانتحاري على الفندق، مع انتحاري آخر تم التعريف عنه باسم “إلهام”.

وأوضح أن هذه المعلومات جاءت من الاستخبارات العسكرية وتعتمد على لقطات كاميرا للمراقبة في مكان التفجير. ويظهر زهران هاشم بشكل واضح في تسجيل فيديو بثه تنظيم الدولة الإسلامية الذي أعلن مسؤوليته عن الهجمات. وقد ظهر على رأس سبعة رجال في إعلان مبايعة زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي. وقد بدا بوجهه المستدير في التسجيل، الرجل الوحيد الذي كشف وجهه بين ثمانية أشخاص.

وتأتي هذه التفجيرات بمثابة تذكير بالتهديد العالمي الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية على الرغم من تدمير الخلافة في سوريا. ولضرورات أمنية أُغلقت الكنائس الكاثوليكية في البلاد حتى إشعار آخر، وقد ألغت بعض المساجد صلوات الجمعة، وتلك التي أقامتها شهدت إقبالا ضعيفا وقد جرت تحت حماية أمنية مشددة. ويخشى مسلمو سريلانكا أن يقعوا ضحية انتقام الأقليات أو الإسلاميين المتطرّفين.

اعتداءات جديدة “محتملة”
 

من بريطانيا إلى إسرائيل مرورا بهولندا، دعت دول عدة رعاياها إلى تجنب التوجه إلى سريلانكا أو إلى مغادرتها إذا كانوا هناك. وتحدثت أستراليا الجمعة عن اعتداءات أخرى “محتملة”. وتشهد البلاد جدلا حادا بشأن عجز أصحاب القرار السريلانكيين عن منع وقوع الهجمات. وفي هذا الإطار استقال مسؤولان كبيران حتى الآن، أحدهما أرفع مسؤول في وزارة الدفاع، الخميس، والثاني قائد الشرطة السريلانكية الذي أعلن الرئيس استقالته الجمعة.

واعترفت كولومبو بوجود “ثغرة” في المجال الأمني إذ أنها تلقت مساعدة من فريق من مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (أف.بي.آي)، ولم تتمكن من منع وقوع الاعتداءات مع أن المعلومات التي توفرت لديها كانت دقيقة جدا. فقد كتب قائد الشرطة بلاغا في 11 أبريل يحذر من اعتداءات، ولم ينقل إلى رئيس الوزراء أو وزراء كبار في أجواء النزاع على السلطة بين الرئيس سيريسينا الذي يتولى أيضا حقيبتي الداخلية والدفاع، ورئيس الوزراء رانيل وكيريميسينغني.

وحذرت الهند مرات عدة قبل الاعتداءات، سريلانكا من خطر وقوع هجمات انتحارية. وأضاف أن الهند صادرت محتويات “خطيرة” بينها تسجيلات فيديو خلال عمليات توقيف في جنوب البلاد لأشخاص مرتبطين بتنظيم الدولة الإسلامية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: