جمعة عاشرة في الجزائر تقطع حبال الود مع الجيش
الخطوات التي اتخذها القضاء الجزائري في الأيام الماضية بإيعاز من الجيش، في اتجاه محاسبة شخصيات محسوبة على نظام بوتفليقة وإحالتها على التحقيق، لم تقنع الشارع الجزائري الذي يصر على ضرورة رحيل كل رموز النظام السابق، وهو الأمر الذي ترفضه المؤسسة العسكرية.
توسّعت الهوة بين الحراك الشعبي في الجزائر، وبين قيادة أركان الجيش بشكل يوحي باهتزاز الثقة بين الطرفين بعد أسابيع من الود والتناغم، وذلك عقب ظهور بوادر التفاف للمؤسسة العسكرية على مطالب الشارع، من خلال التوجه إلى فرض مخرج معين للأزمة السياسية دون العودة إلى مطلب التغيير الشامل.
ونظم متظاهرون في ساحة موريس أودان بالعاصمة، استفتاء رمزيا مكشوفا، طرح فيه المنظمون سؤالا حول من يؤيد ومن يرفض قائد الأركان الجنرال قايد صالح، كفاعل في المشهد السياسي، فكان الرفض شاملا، وأعقبته هتافات تدعو إلى الرحيل كغيره من رموز السلطة، كلما طرح السؤال على الحاضرين.
ويعكس الموقف تطور موقف الشارع الجزائري مما بات يعرف بـ“مناورات” قيادة المؤسسة العسكرية، للالتفاف على مطالبه السياسية المرفوعة منذ الثاني والعشرين من فبراير الماضي، لاسيما بعد التضارب في تصريحاته الأخيرة، حيث باتت مواقف الجنرال أحمد قايد صالح، محل شكوك الناشطين والمعارضين السياسيين.
ولا زالت الريبة تلف موقف المؤسسة العسكرية، بين الخطاب وبين الممارسات الميدانية، ففيما يشدّد قايد صالح على حماية المتظاهرين من الاختراقات والاعتداءات، يجري خنق العاصمة بحواجز أمنية شديدة لمنع المتظاهرين من الوصول إلى شوارعها وساحاتها الرئيسية.
وللجمعة العاشرة على التوالي يخرج الجزائريون في مظاهرات شعبية من أجل التأكيد على تحقيق مطلب التغيير الشامل، ورحيل رموز السلطة وعلى رأسهم الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، ورئيس الحكومة نورالدين بدوي، ويدعون إلى “محاسبة جميع الفاسدين من الهرم إلى القاعدة، وعدم الاكتفاء ببعض رجال المال والأعمال فقط لذر الرماد في العيون”.
وكان سعيد بوتفليقة، ورؤساء حكومات سابقين كعبدالمالك سلال وأحمد أويحيى وعبدالمجيد تبون، ووزراء ومسؤولين كبار، على رأس المطلوبين للحساب من طرف الشارع، قبل أن ينضم إليهم الجنرال قايد صالح، كواحد من المرفوضين والمدعوين للرحيل. وجددت المليونية العاشرة في العاصمة ومختلف مدن ومحافظات الجمهورية، العهد مع مطلب التغيير الشامل في البلاد، وعدم التفاعل مع مقاربات الالتفاف على الحراك الشعبي، بحصر آليات الخروج من الأزمة، في تنظيم انتخابات رئاسية تشرف عليها مؤسسات ورموز “النظام البوتفليقي”.
وفشلت الدعاية الإعلامية والافتراضية التي نصبتها قيادة الأركان في إقناع المحتجين برفع الحصار الشعبي عن مسؤولي المؤسسات الحكومية، أو التفاعل مع دعوات الحوار السياسي التي أطلقتها الرئاسة المؤقتة، وانتهت هي الأخرى إلى توصيات تدعو إلى مرحلة انتقالية ورحيل رموز السلطة.
وذكر مصدر مطلع أن “الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، ربما يكون قد قدم استقالته منذ أيام، إلا أن ضغط قائد الأركان حال دون الإعلان عنها، كونه يرفض الذهاب إلى حلول تتجاوز الآليات الدستورية الحالية”.
وهو ما يطيل عمر الانسداد السياسي في البلاد، بسبب الاستناد إلى ما يعرف بالبند 102 من الدستور، الذي وضعه المشرّع لمعالجة الانتقال من رئيس إلى رئيس مؤقت في الحالات العادية، ولأن الوضع في البلاد استثنائي فالبند المذكور غير كاف للخروج من المأزق. وشدد المتظاهرون على ضرورة تفادي التفعيل الانتقائي للدستور، والذهاب إلى جميع البنود التي تعيد السلطة والسيادة للشعب في اختيار مؤسساته وممثليه، وهو ما كان قد وعد به قائد أركان الجيش، قبل أن ينقلب على موقفه ويدخل في تضارب مشبوه في خطاباته وتصريحاته الأخيرة.
ولم يعد الشارع مقتنعا بخطوات محاربة الفساد التي حرّكها القضاء خلال الأسبوع الأخير، حيث أقدم على إحالة عدد من رجال المال والأعمال على السجن المؤقت، على غرار يسعد ربراب والإخوة كونيناف، وقبلهم علي حداد، وإعادة فتح المحكمة العليا لملفات مغلقة لديها، كالطريق السيارة شرق غرب، وسوناطراك 1 و2 ومجمع الخليفة.
المتظاهرون شددوا على ضرورة تفادي التفعيل الانتقائي للدستور، والذهاب إلى جميع البنود التي تعيد السلطة للشعب
وطالبت شعارات وهتافات رددت في المسيرة العاشرة الجمعة، بإحضار رموز الفساد السياسي، وعلى رأسهم سعيد بوتفليقة، الذي لا يزال يشغل منصب مستشار في رئاسة الجمهورية، ورؤساء حكومات ووزراء، ولوبيات إدارية في المحافظات والبرلمان والمجالس المنتخبة.
وأعرب تكتل قوى التغيير من أجل نصرة مطالب الشعب، عن رغبته في فتح مشاورات سياسية مع قيادة الجيش، لبلورة خارطة طريق مشتركة تخرج البلاد من وضعية الانسداد. ودعا في بيان توّجه اجتماع له عقد الخميس، إلى عقد ندوة في القريب العاجل مفتوحة لجميع القوى الناشطة، واستثنى منها من وصفهم بـ”أسباب الأزمة”، في إشارة إلى أحزاب الموالاة السياسية.
ويبدو أن تحرك قوى المعارضة المنضوية تحت التكتل المذكور، يريد تجاوز المؤسسات الموروثة عن نظام بوتفليقة، والذهاب مباشرة إلى القوة الفاعلة في البلاد (المؤسسة العسكرية)، لوضعها أمام الأمر الواقع، رغم سعيها للنأي بنفسها عن التورط في الشأن السياسي الداخلي، والتظاهر بالاحتكام إلى الدستور، وهو ما قد يسمح بتحقيق خطوات ميدانية تنفّس من حالة الاحتقان الذي دخل شهره الثالث.
وأرجعت مصادر مطلعة جهر قوى معارضة بفتح مشاورات مع المؤسسة العسكرية، إلى وجود اتصالات غير مباشرة ربما جرت بين الطرفين، لبلورة سيناريو جديد يطيح بالمؤسسات الموروثة عن نظام بوتفليقة، ويحقق واحدا من المطالب المرفوعة بحدة في الحراك الشعبي.