الجيش الجزائري ينحاز للمؤسسات الانتقالية على حساب الحراك الشعبي

خيبت رسالة الرجل الأول في المؤسسة العسكرية في الجزائر، آمال المراهنين في الطبقة السياسية والحراك الشعبي، على مساهمة الجيش في الدفع بالبلاد إلى مخرج سياسي سريع وملب للمطالب المرفوعة منذ الـ22 من فبراير الماضي، بعدما أبدى ميولا للمؤسسات الانتقالية، وألمح إلى ترحيل جزء من المطالب إلى الرئيس المنتخب القادم.

 وجه قائد أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، انتقادات مبطنة للمعترضين على أجندة السلطة الانتقالية، بسبب المقاطعة التي حظيت بها ندوة المشاورات السياسية، والحصار الشعبي للحكومة ولمسؤولي الأجهزة التنفيذية، ولما أسماه بـ”الأصوات غير المقتنعة بالمكاسب المحققة”.

وقال قايد صالح في كلمة ألقاها أمام ضباط وإطارات الناحية العسكرية الأولى بالبليدة، “وجب التنبيه إلى الظاهرة الغريبة المتمثلة في التحريض على عرقلة عمل مؤسسات الدولة ومنع المسؤولين من أداء مهامهم.. إنها تصرفات منافية لقوانين الجمهورية لا يقبلها الشعب الجزائري الغيور على مؤسسات بلده ولا يقبلها الجيش الوطني الشعبي، الذي التزم بمرافقة هذه المؤسسات وفقا للدستور”.

ودعا إلى “عدم الوقوع في فخ التعميم وإصدار الأحكام المسبقة على نزاهة وإخلاص إطارات الدولة، الذين يوجد من بينهم الكثير من المخلصين والشرفاء والأوفياء، الحريصين على ضمان استمرارية مؤسسات الدولة وضمان سير الشأن العام خدمةً للوطن ومصالح المواطنين”.

وأكد قايد صالح “أن الجزائر تمتلك كفاءات مخلصة من أبنائها في كل القطاعات، يحملونها في قلوبهم، ولا ولاء لهم إلا للوطن، همهم الوحيد خدمة وطنهم ورؤيته معززا بين الأمم”.

وباتت مواقف وتصريحات قائد المؤسسة العسكرية، تمثل مؤشرا لتقييم واستشراف الوضع السياسي في البلاد، منذ تنحية الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، استنادا إلى حفاظ المؤسسة على تماسكها وقوتها ونفوذها في المشهد الجزائري، رغم ما تنطوي عليه المسألة من شكوك حول تدخل العسكر في الشأن السياسي، وإدارة غير مباشرة للوضع السائد.

ورافع الجنرال قايد صالح، لصالح مقاربة الانتقال السياسي في البلاد داخل الإطار الدستوري، واستكمال المرحلة عبر المؤسسات الانتقالية، والمتمثلة في الرئاسة المؤقتة وحكومة نورالدين بدوي، وهما المؤسستان اللتان كانتا محل رفض شعبي كبير، تجسد في الشعارات التي رفعت خلال المسيرات المليونية.

ودعا الجزائريون خلال احتجاجاتهم إلى “الرحيل الكلي لرموز السلطة”، وعلى رأسهم ما وصف بـ”الباءات الثلاثة”، وهم ابن الرئيس عبدالقادر بن صالح ونورالدين بدوي وقبلهما طيب بلعيز رئيس المجلس الدستوري.

وساد إجماع لدى الطبقة السياسية في الجزائر، على أن ندوة المشاورات السياسية، هي مشروع ولد ميتا، بدليل غياب رئيس الدولة الذي دعا إلى تنظيمها. وحتى البيان الختامي الباهت الذي توج أشغالها دعا إلى “رحيل رموز السلطة والذهاب إلى مرحلة انتقالية، وإلى تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى موعد لاحق”.

تجنب الدفع بالبلاد إلى فخ الفراغ الدستوري
تجنب الدفع بالبلاد إلى فخ الفراغ الدستوري

وغابت مفردات التعاطف والتلاحم بين الجيش والشعب في خطاب الجنرال أحمد قايد صالح واستخلفتها بشكل مفاجئ إشارات العتاب واللوم على تمسك الشارع الجزائري بمطالب رحيل السلطة وتحقيق التغيير الجذري، وعوضتها مصطلحات “التعنت” و”اليقظة”، و”الحذر”، مما يوحي بأن الرجل، ومن ورائه المؤسسة العسكرية، غير مستعد للمطالب المنادية بمرحلة انتقالية بوجوه محايدة.

وعاد قايد صالح إلى التحذير مما أسماه بـ”سيناريو المؤامرة المحبوكة ضد البلاد”، وألمح مجددا إلى مخطط يدفع بالبلاد إلى الانسداد منذ العام 2015، وهو العام الذي أقيل فيه المدير السابق لجهاز الاستخبارات المنحل الجنرال محمد مدين (توفيق)، مما يوحي بأن الرجل لا يزال متمسكا بوقوف الجنرال المذكور وراء ما يحاك ضد البلاد، وهو الذي قاد أخطر وأكبر جهاز في الدولة لربع قرن (1990- 2015).

وقال “سجلنا ظهور بعض الأصوات التي لا تبغي الخير للجزائر تدعو إلى التعنت والتمسك بنفس المواقف المسبقة، دون الأخذ بعين الاعتبار كل ما تحقق، ورفض كل المبادرات ومقاطعة كل الخطوات، بما في ذلك مبادرة الحوار الذي يعتبر من الآليات الراقية التي يجب تثمينها، لاسيما في ظل الظروف الخاصة التي تمر بها بلادنا، بحيث يتوجب استغلال كل الفرص المتاحة للتوصل إلى توافق للرؤى وتقارب في وجهات النظر يفضي إلى إيجاد حل بل حلول للأزمة، في أقرب وقت ممكن“.

وأضاف “هذا الوضع ستكون له آثار وخيمة على الاقتصاد الوطني وعلى القدرة الشرائية للمواطنين، لاسيما ونحن على أبواب شهر رمضان الفضيل، كل هذا يؤكد أن هذه الأصوات والمواقف المتعنتة تعمل على الدفع بالبلاد إلى فخ الفراغ الدستوري والدخول في دوامة العنف والفوضى، وهو ما يرفضه أي مواطن مخلص لوطنه ويرفضه الجيش قطعا، ولهؤلاء نقول إن الشعب الجزائري سيد في قراراته وهو من سيفصل في الأمر عند انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، الذي تكون له الشرعية اللازمة لتحقيق ما تبقى من مطالب الشعب المشروعة”.

وتابع “أجدد دعوتكم أبناء وطني، إلى المزيد من الفطنة والحرص لكي تحافظ مسيراتكم على سلميتها وحضاريتها، وذلك بالعمل على تأطيرها وتنظيمها، بما يحميها من أي اختراق أو انزلاق، كما كان الحال بمسيرات الجمعة الفارطة التي تميزت بالهدوء والسكينة، وبذلك نفوت الفرصة معا، ككل مرة، على المتربصين بأمن وطننا واستقراره”.

ولفت إلى أن الجيش توصل إلى معلومات مؤكدة حول التخطيط الخبيث للوصول بالبلاد إلى حالة الانسداد، الذي تعود بوادره إلى سنة 2015، حيث تم كشف خيوط هذه المؤامرة وخلفياتها، ونحن نعمل بكل هدوء وصبر، على تفكيك الألغام التي زرعها أولئك الفاسدون المفسدون في مختلف القطاعات والهياكل الحيوية للدولة، وسيتم تطهير هذه القطاعات بفضل تضافر جهود كافة الخيرين.

ويبدو أن الرجل الأول في المؤسسة العسكرية، يراهن على فتح القضاء لملفات الفساد ورجال الأعمال والسياسيين المشبوهين، لإقناع الجزائريين بالعودة إلى بيوتهم. حيث تم إيداع رجل الأعمال المحسوب على الجنرال المتقاعد ( توفيق )، يسعد ربراب السجن المؤقت ليل الاثنين إلى الثلاثاء، كما حوّل الأشقاء الأربعة من عائلة كونيناف، المحسوبين على عائلة بوتفليقة، نهار أمس على محكمة سيدي امحمد، للاستماع إليهم في قضايا فساد.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: