إحالة أحمد أويحيى على القضاء تعري نظام بوتفليقة

غصت الشوارع المؤدية والمحيطة بمقر محكمة عبان رمضان في العاصمة الجزائرية، بالعشرات من الجزائريين الذين قدموا من الساعات الأولى لنهار الأحد من أجل متابعة أطوار استدعاء رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، ووزير المالية محمد لوكال، من أجل الاستماع إليهم في قضايا فساد وجهت لهما.

ورفع العديد منهم شعارات تطالب ببناء دولة القانون والعدالة واستقلالية القضاء ومحاسبة الجميع.

وكانت هيئة المحكمة قد وجّهت استدعاءات لكل من أحمد أويحيى ومحمد لوكال، بتهم تتعلق بالفساد المالي، كتبديد المال العام ومنح مزايا غير قانونية لرجال أعمال.

وتعدّ هذه المرة الأولى في تاريخ الجزائر المستقلة، التي يوجه فيها الاتهام لرئيس وزراء ولوزير عامل، واستدعائهما للمثول أمام القضاء للتحقيق معهم، رغم ما يعرف بـ”الامتياز القضائي” الذي يحظى به كبار المسؤولين في الدولة.

وكان العديد من الوزراء ومسؤولين حكوميين، قد رفضوا العام 2013 المثول أمام محكمة البليدة، سواء كشهود أو متهمين، خلال معالجة ملف مجمع الخليفة، استنادا للامتياز المذكور.

المؤسسة العسكرية توصل حملة تطهير واسعة في بعض أجهزتها، لقطع الطريق على تواطؤ محتمل بين بعض الضباط والمعنيين بالتحقيقات

ويعتبر أحمد أويحيى، واحدا من كبار مسؤولي الدولة الذين تقلّدوا مناصب سامية في رئاسة الجمهورية والحكومة منذ ما قبل العام 1995، وعايش مختلف التحوّلات السياسية في البلاد، منذ أن كان في دائرة الإعلام برئاسة الجمهورية خلال عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، إلى غاية توليه منصب رئيس الوزراء في مارس 2018 في عهد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، ومرورا بعهد الشاذلي بن جديد، وحقبة العشرية السوداء (1990-2000).

في حين يعدّ محمد لوكال، واحدا من الكوادر المالية، حيث تمّت ترقيته خلال السنوات الأخيرة، من منصب مدير البنك الخارجي الجزائر، إلى محافظ للبنك المركزي، ثم وزيرا للمالية في حكومة نورالدين بدوي الحالية.

وجاء هذا التطور اللافت، في أعقاب الرسائل شديدة اللهجة، التي وجهها قائد أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، في بحر الأسبوع الماضي، إلى العدالة من أجل التحرك السريع بفتح ملفات الفساد، والذي يعد أحد مطالب الحراك الشعبي.

وذكر مصدر مطلع ، بأن “رجل الأعمال الموقوف في سجن الحراش منذ شهر مارس الماضي علي حداد، قد أسرّ للمتهم الأول في ملف قضية الكوكايين كمال شيخي، الموجود في نفس السجن بأنه كشف جميع الأسماء للمحققين، وأنه مصرّ على استقدامهم جميعا للسجن”.

ولفت إلى أن المتهم حُوّل الأسبوع المنقضي، إلى المحكمة العسكرية بالبليدة، للاستماع إليه في تهمة حيازة أسلحة دون رخصة، وأن الرجل متواجد هناك منذ أيام.

ويعكس سجن علي حداد، واستدعاء مسؤولين سامين للتحقيق القضائي، تحولا لافتا في مسار التطورات السياسية بالجزائر، قياسا بما يمثله هؤلاء من ثقل ونفوذ داخل نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، والوريث الآلي لسلطته بعد رحيله.

ويعدّ أحمد أويحيى، أحد وجوه ما بات يعرف بـ”الدولة العميقة” التي تناور بقوة من أجل سحب البساط من تحت الحراك الشعبي. ويعتبر سقوطه زلزالا كبيرا في النظام المقاوم للاحتجاجات الشعبية المتواصلة منذ منتصف شهر فبراير الماضي، وسيسمح بأن يكون بداية لتهاوي ما وصفه الجنرال قايد صالح بـ”العصابة الحاكمة”.

ويتزامن مثول رئيس الوزراء السابق ووزير المالية الحالي، مع تحقيقات أخرى تطال العديد من الأثرياء ورجال الأعمال والمسؤولين الكبار، على غرار يسعد ربراب، عائلة كونيناف ومدراء بنوك ومديرين مركزيين في بعض الوزارات، كوزارة الصناعة والبريد والاتصالات.

وتوصف عائلة كونيناف بـ”راعية نظام بوتفليقة” ويخضع أفرادها للتحقيق على خلفية الثروة الطائلة وملكيتهم لأكثر من ثلاثين شركة في الداخل والخارج، والمزايا التي كانوا يحوزون عليها، فضلا عن نفوذهم في إدارة القرارات الاقتصادية خلال المرحلة السابقة، لاسيما تعيين الوزراء والولاة ومدراء البنوك.. وغيرهم.

Thumbnail

وتتحدث مصادر مطلعة، عن أن وزراء الحكومة الحالية، قد تم تعيينهم بقوة اقتراح رجال أعمال وأصحاب نفوذ في سلطة بوتفليقة، بغية قطع الطريق على الحراك الشعبي، واستكمال مسلسل نهب المال العام، وطمس الأدلة والملفات، حيث بقي منصب محافظ البنك المركزي شاغرا لعدة أسابيع، رغم حساسية المرحلة ومخاطر استغلال الوضع لتهريب وتحويل النقد الأجنبي.

وتواصل قيادة المؤسسة العسكرية، التي أوعزت بتحرك القضاء لمحاربة الفساد، حملة تطهير واسعة في بعض أجهزتها، لقطع الطريق على تواطؤ محتمل بين بعض الضباط والمعنيين بالتحقيقات، حيث تم إنهاء مهام العقيد زغدودي من مسؤولية مصلحة التحريات في جهاز الدرك، بعد عدم اقتناع قيادة المؤسسة بمضمون التحقيق الذي أجرته المصلحة مع رضا كونيناف.

كما تمّ الأحد، إنهاء مهام الجنرال عبدالقادر، المحسوب على الجنرال المقال بشير طرطاق، الذي يعدّ إحدى أذرع نظام بوتفليقة، من قيادة مديرية الأمن الداخلي، واستخلافه بالجنرال واسيني بوعزة، في خطوة تستهدف بتر امتدادات “الدولة العميقة”.

ويعتبر التمويل التقليدي، أكبر الفضائح الاقتصادية التي تلاحق حكومة أحمد أويحيى، حيث يجهل لحد الآن الكتلة النقدية التي تمّ طبعها دون غطاء اقتصادي، ولم تشهدها حتى الدول التي تعيش أوضاعا سيئة كسوريا وليبيا.

ورغم تصريح وزير المالية برقم يفوق ما يعادل 56 مليار دولار، فان مصادر مطلعة أشارت إلى “ما يعادل 70 مليار دولار وربما أكثر”، وهو ما سيعرّض البلاد إلى أزمة تضخم كبيرة وانهيار خطير للعملة المحلية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: