الإيمان بنظريات المؤامرة أسهل عند الشباب العرب من تقبل الهزيمة
تتشارك شعوب العالم الانجذاب نحو نظريات المؤامرة، وتكتسب النسخة العربية منها انتشارا واسعا بين أبناء الجيل الجديد في ظل الإحباطات والإخفاقات التي يعيشها، فتبدو فكرة وجود مؤامرة على هذا الجيل مغرية أكثر من الاعتقاد بأنه فاشل ومهزوم.
“العالم يتآمر علينا، العالم يضطهدنا، كنا أصحاب القوة والمجد، لكن هذا النجاح أثار حفيظة الأمم الأخرى وحقدها، فدفعها إلى التآمر علينا، على حضارتنا، وديننا وشعبنا وبلادنا. كل ما نحن فيه من معاناة ما هو إلا نتيجة مؤامرة حيكت بإتقان ضدنا”، والقائمة طويلة من النظريات المتوارثة جيلا بعد جيل تجد آذنا صاغية لدى الشباب العرب.
لا يدرك الكثير من الشباب أن جميع شعوب العالم تتمتع بالانجذاب نفسه نحو نظرية المؤامرة، والمتآمرون أنفسهم يعتقدون أن هناك من يتآمر عليهم.
ادعاءات ومغالطات
وفي العالم العربي على وجه الخصوص يتم الترويج منذ أجيال لنظريات مؤامرة لا حصر لها، خاصة في ظل الإحباطات والإخفاقات لشعوب لديها تاريخ تتغنى به، رغم أنه مشوب بالكثير من الادعاءات والمغالطات إلا أنه ارتبط بالأذهان بالعظمة والمجد، بينما تستمر النكبات والأزمات عليه في شتى المجالات في العصر الحالي.
ولا تقتصر خطورة نظرية المؤامرة على تبرير الهزيمة للجيل الجديد، أو على جعله يتقبل الهزيمة ويستسلم لها، ولكن خطورتها أنها تعمل على تسطيح وعي الشباب والمجتمع، وبمرور الوقت تصبح أي فرصة للإصلاح مظهرا من مظاهر التمرد، ويتكتل الجميع من أجل محاربتها بأي شكل.
كما أن الاستسلام لتحكم ”القوى الخفية” يجعل الشباب غير قادرين على حل مشاكلهم، ابتداء من الأمور الشخصية إلى القضايا الكبيرة، كالصحة وحقوق الإنسان والتعليم في العالم العربي الذي استسلم لفكرة أنّ التعليم سيء؛ لأن الآخرين لا يريدوننا أن نتقدم، وحقوق الإنسان ليست سوى خزعبلات صدرها لنا الغرب لتخريب أخلاقنا وثقافتنا، والصحة كما التعليم تم القضاء عليها من قبل الدول الأخرى التي تهابنا وتخافنا وينشغل حكامها ليل نهار بالتخطيط لإبقائنا أغبياء جاهلين ومرضى؛ لأنّنا سنقضي عليهم إذا تقدمنا، وسنحكم العالم من جديد.
وتؤكد الدراسات الحديثة أن الشباب هم من أكثر الفئات العمرية تأثرا بنظريات المؤامرة حتى في الدول المتقدمة، فقد بينت نتائج استطلاعات رأي في الولايات المتحدة، أن 33 بالمئة من تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات غير متأكدين من أن الأرض كروية.
وأفاد موقع لايف ساينس، بأن هناك حركات اجتماعية قوية في الولايات المتحدة، يعتقد المشاركون فيها بأن الأرض مسطحة. وحسب اعتقادهم، فإن “ناسا” والعلماء وشركات الطيران يخفون هذه الحقيقة عن الناس ضمن إطار المؤامرة العالمية للنخب.
اتجاه جديد لعدد من الشباب يعتبرون أن نظرية المؤامرة هي أكبر مؤامرة ضد شعوب لا تريد أن تواجه مشاكلها
وقد أعلن بعض ممثلي هذه “الاتجاهات الثقافية” عن استعدادهم للتضحية بحياتهم من أجل إثبات ذلك.
ولا يختلف الأمر كثيرا في العالم العربي، بل بالعكس يبدو أكثر انتشارا إذ يمكن ملاحظته بشكل واضح في مواقع التواصل الاجتماعي مع أي خبر وفي أي مجال، حيث يبدو سيل التعليقات وغالبيته من الشباب مروجا لنظريات مؤامرة لا حصر لها.
ويقول خبراء اجتماع إن هناك فئات في المجتمعات العربية تواجه تحديات الحاضر باستدعاء أدوات الماضي، والاعتماد على نظرية المؤامرة وتخوين وتكفير كل من يخالفها في الرأي متحصنة بمفردات دينية، ما يجعل إيمان الشباب بنظريات المؤامرة أحد الأسباب الرئيسية للانقياد وراء التطرف والإرهاب.
ويؤكد الخبراء أن تعزيز الفكر الوسطي لدى الشباب ضروري لمواجهة الخرافة المتعلقة بنظريات المؤامرة والإرهاب، وأن هناك مسؤولية جماعية على عاتق مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام لترسيخ هذا الفكر وزيادة الوعي في المجتمع. وألقت دراسة جديدة الضوء على كيفية انتشار نظريات المؤامرة عبر الإنترنت وعلى أولئك الذين يصدقونها في الواقع.
مؤمنون غير عقلانيين
وحاول فريق من الباحثين الأستراليين كشف السبب الذي يجعل المعتقدات الغريبة، في الكثير من الأحيان، تلقى جاذبية واسعة النطاق. وقام الباحثون بتحليل حوالي 1.7 مليار تعليق وبيانات على الإنترنت، في الفترة بين أكتوبر 2007 ومايو 2015.
ووجدوا أن المؤمنين بنظرية المؤامرة يميلون لأن يكونوا غير عقلانيين وربما حتى مرضى نفسيين. ووفقا للباحث الرئيسي كولين كلاين، فإن أصحاب نظرية المؤامرة يمتلكون نظام اعتقاد “أحادي”، حيث يؤدي الإيمان بمؤامرة واحدة إلى الإيمان بالمؤامرات الأخرى، ويشرحون كل حدث مهم في إطار “المنطق التآمري”.
ومن خلال البيانات الضخمة التي تم تحليلها، كشفت النتائج أن المؤامرات تصبح شائعة وواسعة الانتشار عندما يربطها عدد من الأشخاص المختلفين بمعتقداتهم، حيث أن الكثيرين يتعاملون مع هذه النظريات بسبب عدم الثقة في المصادر التقليدية للمعلومة، وبسبب تفاعلاتهم على الصفحة، أصبحوا متورطين في أفكار متطرفة بشكل متزايد.
وبعبارة أخرى، فإن الباحثين، وجدوا أنه إلى جانب “المؤمنين الحقيقيين” هناك مجموعات مختلفة تقف وراء انتشار نظرية المؤامرة، سواء كانت تلك المجموعات مرتبطة بالأيديولوجيات المشتركة أو اللاعقلانية البسيطة.
ويقول الباحثون إن الأفراد المشاركين في نظريات المؤامرة قد يمتلكون دوافع نفسية ومعتقدات ومواقف مختلفة، فمنهم من يكون غير منطقي وبعضهم يكون غاضبا، والبعض الآخر يكون عنصريا، بالإضافة إلى الذين يشككون في كل شيء. لذلك يمكن القول إن نظرية المؤامرة يمكن فهمها على أنها أفضل وسيلة للتعبير عن انهيار الثقة في مؤسسات مثل الحكومات ووسائل الإعلام، وعلى الرغم من صعوبة إعادة بناء الثقة، إلا أن اكتشاف دوافع ومواقف المؤمنين بنظريات المؤامرة المتنوعة والمعقدة، قد يكون خطوة نحو إيجاد حل لكيفية القضاء عليها.
واستنادا إلى هذه الدراسة ومدى ثقة الشباب العربي في وسائل الإعلام والحكومات، يبدو واضحا سبب الانتشار الهائل لمعتنقي نظريات المؤامرة بين أوساط الشباب.
وفي أحد التعليقات يبرز أحد المدونين الشباب مدى تأثير هذه النظريات على حياته قائلا “الجهل الذي أعاني منه مؤامرة، الفقر مؤامرة، الفساد المستشري مؤامرة، حتى ثورات الربيع العربي الناتجة عن غضب طبيعي من كل الإخفاقات المذكورة، مؤامرة، أنا شخصيا مؤامرة. هنا، نحن نواجه حالة مرضية ناتجة عن ظروف مرضية، وليست مجرد استثارة طفولية حيال قصص خيالية كما في سائر بلاد العالم”.
ولا يمكن التخلص من عقيدة نظرية المؤامرة، إلا بعد استبدال ثقافة المجتمع التي تعتبر الاعتراف بالخطأ من علامات الضعف الإنساني، بثقافة أخرى يلعب فيها النقد الذاتي والإقرار بالخطأ دورا أساسيا، وهذا لا يتم بين ليلة وضحاها إنما يحتاج إلى الكثير من التوعية والتثقيف على مدار سنوات في المدارس والجامعات لزراعة بذور فكر جديد في جيل المستقبل قائم على المنطق والمحاكمة العقلية.
لكن هناك من يطرح تساؤلا؛ كيف ستقوم المدارس والجامعات بدور التوعية وعدم الاستسلام لنظريات المؤامرة التي هي في الحقيقة نظريات استسلام للهزيمة إذا كان القائمون على هذه المؤسسات هم أساسا من المؤمنين والمروجين لهذه النظريات.
في المقابل ظهر اتجاه لعدد من الشباب المثقفين والمنفتحين على الحضارات العالمية يعتبرون أن نظرية المؤامرة هي أكبر مؤامرة ضد شعوب لا تريد أن تواجه مشاكلها وتحيل كل ما تعاني منه إلى كراهية الآخرين لها. ويعتبرون أن هناك تشككا عاما لدى الجمهور حيال الأخبار التي يبثها الإعلام. لهذا كلما انتشر خبر ما، كان الرد جاهزا: نشر هذا الخبر متعمد من أجل إلهائنا به عن القضايا الكبرى.