الفشل يخيم على المشاورات المرتقبة للحكومة الانتقالية في الجزائر
مع عودة المئات من الآلاف من المحتجين إلى شوارع الجزائر للمطالبة بإصلاح جذري شامل يتجاوز استقالة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، ومع غرق الأحزاب الموالية للحكومة المؤقتة في صراعات داخلية وتصفية حسابات، يستبعد مراقبون نجاح المشاورات السياسية المرتقبة التي يشرف عليها الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، فيما تتعالى الأصوات الداعية إلى رحيله.
تخيم أجواء الفشل على المشاورات السياسية المرتقبة التي أطلقها الرئيس الجزائري المؤقت عبدالقادر بن صالح، مع العشرات من الشخصيات الحزبية والمستقلة والناشطين السياسيين، لبلورة خارطة طريق جديدة، تحوي مطالب الحراك الشعبي.
ويستبعد متابعون نجاح المشاورات نتيجة المقاطعة العريضة لها من طرف الفاعلين السياسيين في المشهد السياسي، ومع استمرار الشارع في الضغط الميداني عبر المسيرات والاحتجاجات للمطالبة بتغيير ديمقراطي شامل.
وأعلنت العديد من القوى السياسية، مقاطعتها لدعوات المشاركة في المشاورات السياسية المزمع عقدها الاثنين في العاصمة الجزائرية، بحضور الرئيس المؤقت. وأجمعت على أنها محاولة لتجاهل الواقع وتجاوز المطالب الصريحة للحراك الشعبي.
وانضم حزب طلائع الحريات المعارض إلى لائحة العشرات من القوى الحزبية والشخصيات المستقلة الرافضة للمشاركة في المشاورات. من جهته نفى رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، أن يكون قد تلقى دعوة للمشاركة من طرف الرئاسة، واعتبر أن مسار السلطة الحالي امتداد للعهدة الخامسة للرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
وتسود حالة ارتباك كبيرة داخل الأحزاب السياسية الموالية للسلطة أو المقربة منها، فقد قدم العشرات من المناضلين والقياديين استقالتهم من حزب جبهة المستقبل، بمجرد تلبية رئيسها عبدالعزيز بلعيد، لدعوة الرئيس المؤقت ولقائه معه في قصر الرئاسة، في حين تفاقمت الصراعات داخل حزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي.
وفيما تشتد القبضة الحديدية بين جناحي المنسق العام معاذ بوشارب، والموالين للأمين العام السابق جمال ولد عباس، يرتقب متابعون المزيد من التصعيد داخل جبهة التحرير الوطني، بسبب الإفرازات المنتظرة خلال الأيام القليلة المقبلة، بعد عقد الدورة الاستثنائية لهيئة اللجنة المركزية، ورفع الغطاء النيابي عن جمال ولد عباس.
ويعقد نواب مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان)، الأحد، جلسة طارئة بطلب من جهاز القضاء، لرفع الحصانة البرلمانية عن النائبين المعينين في الثلث الرئاسي جمال ولد عباس وسعيد بركات، من أجل مباشرة تحقيقات في ملفات فساد توجه أصابع الاتهام فيها للرجلين.
وينتظر أن تخلط هذه الخطوة أوراق المراهنين من الموالين لولد عباس، من أجل عقد دورة استثنائية للجنة المركزية للحزب في بحر الأسبوع الداخل، لسحب البساط من تحت المنسق العام معاذ بوشارب، وانتخاب أمين عام جديد، حيث كان الرجل يطمح للعودة إلى هرم الحزب، لكن تحقيقات الفساد ستطيح به.
وتحدثت مصادر متابعة عن توقيف تحفظي لولد عباس، من طرف المصالح الأمنية المختصة، في انتظار رفع الحصانة البرلمانية لمباشرة التحقيق معه في قضايا فساد يرجح أنها تتصل برشاوى قبضها خلال عملية إعداد قوائم الحزب في الانتخابات التشريعية التي جرت العام 2017.
وسبق للقيادي سعيد بركات أن شكل عدة حقائب وزراية في حكومات الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وارتبط تواجده بالمبالغ الضخمة التي ضختها السلطة للقطاع الزراعي الذي كان يديره لعدة سنوات، وأثيرت حوله شبهات كثيرة حول تسيير الأموال العمومية الموجهة لدعم الفلاحين والمزارعين.
وتسرب من محيط الحكومة الانتقالية، أن المشاورات السياسية المزمع عقدها الاثنين، ينتظر أن تطرح خارطة طريق جديدة، تقوم على إلغاء موعد الانتخابات الرئاسية المنتظر في الرابع من يوليو القادم، وتشكيل هيئة مستقلة تضطلع باستخلاف رموز الحكومة الانتقالية وعلى رأسهم الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح ونورالدين بدوي، والذهاب إلى تنظيم انتخابات رئاسية في موعد لاحق.
ويسود انطباع واسع لدى الطبقة السياسية والحراك الشعبي، بأن الانتخابات الرئاسية المعلن عنها من طرف الرئيس المؤقت باتت في حكم الملغى بفعل الإكراهات السياسية والتقنية، فهي علاوة على رفضها من طرف الشارع، تفتقد للأرضية اللوجستية والإمكانيات البشرية اللازمة.
وكان نادي القضاة الأحرار (تنظيم نقابي مستقل)، قد أعلن رفضه تأطير الانتخابات الرئاسية، بدعوى تنافيها مع مطالب الحراك الشعبي، كما قرر العشرات من رؤساء البلديات والمنتخبين المحليين في العديد من المحافظات القيام بعملية المراجعة الاستثنائية للوائح الناخبين، وهو ما شكل فشلا مبكرا لمقترح عبدالقادر بن صالح.
وجددت المليونية التاسعة مطالب الشارع من أجل رحيل السلطة، ومحاكمة رموز الفساد في البلاد، وحملت شعارات وهتافات المسيرات الشعبية صور وأسماء عبدالقادر بن صالح ونورالدين بدوي، والعديد من الرموز السابقة، كأحمد أويحيى والمدير السابق لجهاز الاستخبارات المنحل الجنرال محمد مدين ( توفيق ).. وغيرهم.
ونظم السبت، قياديون ومناضلون من حزب التجمع الوطني الديمقراطي، وقفة احتجاجية أمام مقر الحزب في ضاحية بن عكنون بالعاصمة، دعت الرجل الأول أحمد أويحيى إلى الرحيل من قيادة الحزب.
وقاد الوقفة الاحتجاجية الناطق باسم الحزب، الصديق شهاب، ووزير الشباب الأسبق بلقاسم ملاح، الذي نافس أويحي عام 2013 على منصب أمين عام الحزب.
وفي تصريح للصحافيين، اتهم شهاب، أويحي، بخدمة الدائرة المحيطة بالرئيس المستقيل بوتفليقة، وبجعل الحزب “رهينة للقوى غير الدستورية”. و”القوى غير الدستوري”، هي تسمية أطلقت على الدائرة القريبة من بوتفليقة بقيادة شقيقه السعيد، وغالبيتها من رجال أعمال اتهموا بالسيطرة على مقاليد الحكم وصناعة القرار.
وفي وقت لاحق، أصدر أويحيى بيانا وصف فيه الوقفة الاحتجاجية بـ”التصرف الهمجي”، واتهم شهاب “بحشد مجموعة مأجورة لا تتعدى 50 شخصا من الغرباء عن الحزب”.
وتقلد أويحي منصب أمين عام التجمع الوطني الديمقراطي منذ عام 1999 (سنة قدوم بوتفليقة للحكم)، إلى غاية 2013، حيث خلفه الرئيس المؤقت للدولة حاليا عبدالقادر بن صالح. وبنهاية 2013 عاد أويحي لقيادة الحزب مجددا حتى اليوم.