تقارب بين المغرب وروسيا: الرباط توازن في تحالفاتها الدبلوماسية
تشهد العلاقات المغربية الروسية تطورا إيجابيا وتقاربا منذ زيارة العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى روسيا عام 2016. وقد اتفقت الرباط وموسكو، الثلاثاء، عقب مباحثات بين وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، بموسكو، مع نظيره الروسي سيرجي لافروف، عن إحداث آلية منتظمة للتشاور الدبلوماسي بين وزارتي خارجتي البلدين والمزيد من الانفتاح الاقتصادي. أما بخصوص قضايا المنطقة فأجمع الطرفان على نهج حل سياسي لتجاوز الأزمات، ويرى المغرب أن موسكو فاعل أساسي في قضايا عربية ملحة.
عقد ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، اجتماعا مع نظيره الروسي سيرجي لافروف، على هامش الدورة الوزارية لمنتدى التعاون الروسي العربي الذي ينعقد بموسكو، نوقشت خلاله تطورات ملف الصحراء المغربية، في محاولة منه لتفادي أي مفاجأة غير متوقعة في هذا الملف.
وتناول اللقاء حسب بيان صادر عن وزارة الخارجية الروسية، الأربعاء، مسألة تمديد ولاية بعثة المينورسو بالصحراء، عشية شروع مجلس الأمن في مناقشة المسودة التي تقدمت بها الولايات المتحدة، كما تبادل الوزيران وجهات النظر حول القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وكان التركيز الرئيسي على الوضع في ليبيا وسوريا.
وشدّد سيرجي لافروف وناصر بوريطة على “ضرورة تجاوز الأزمات بوسائل سياسية وليس عن طريق الصراع مع مراعاة أعراف القانون الدولي وبنود ميثاق الأمم المتحدة، وهي إشارة تؤكد من خلالها روسيا أنها ترفض أي حلّ غير متوافق عليه أو تطبيق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة كما تنادي بذلك جبهة البوليساريو الانفصالية.
ملف الصحراء المغربية
ولاحظ مراقبون تقاربا أكثر بين البلدين منذ زيارة الملك محمد السادس لروسيا في العام 2016، ولقائه بالرئيس فلاديمير بوتين، وتوقيع عدد من الاتفاقيات الزراعية والصناعية، وتأكيد روسيا على ضرورة إيجاد حل سياسي متوافق عليه لملف الصحراء المغربية على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي.
ويرى خبراء في العلاقات الدولية أن هذا اللقاء يكتسي أهمية بالغة في تعميق العلاقات الثنائية بين المغرب وروسيا وفتح آفاق جديدة للتعاون الوثيق بينهما،
وكذلك يصب في خانة الرباط التي تنهج تنويع الشركاء وخلق نوع من التوازن في تحالفاتها الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية.
ويأتي هذا اللقاء بعد المائدة المستديرة حول الصحراء المغربية التي احتضنتها العاصمة جنيف يوم 21 مارس الماضي. وفي هذا الصدد شدد وزير الخارجية والتعاون الدولي على أن “المغرب لا يرغب في عقد اجتماعات حول الصحراء لمجرد الاجتماع، وأنه غير مستعدة للتعامل مع مواقف تتعارض مع قرارات مجلس الأمن الدولي”.
وبخصوص لقاء جنيف برعاية المبعوث الأممي إلى الصحراء هورست كوهلر، أوضح بوريطة أن الاجتماع الذي كان في جنيف يأتي في إطار هذا المسار الجديد، وكان هناك تقدم، لكنه غير كاف، لأن اليوم ما هو ضروري أن تتحلى كل الأطراف المعنية بإرادة حقيقية للدفع نحو حل واقعي عملي مبني على التوافق، بالابتعاد عن الأحلام والأشياء غير الممكنة.
وعلى كافة الأطراف التحلي بالواقعية والإرادة الحقيقية للوصول إلى حل، حسبما قال ناصر بوريطة في تصريحات صحافية، موضحا أن “المغرب تعامل، منذ البداية، بوضوح مع هذا ولا يريد اجتماعات لمجرد اجتماعات، ويريد إنهاء هذا النزاع الإقليمي الذي طال أمده، وإذا كانت هناك رغبة حقيقية عند الأطراف الأخرى، فالمغرب وضع فوق الطاولة مبادرة للحكم الذاتي”.
ويقول بوريطة “وإذا كانت بعض الأطراف لا تزال متمسكة بمواقف عفّى عليها الزمن، فالمغرب يخرج بنتائج ويحدد موقفه، لكنه غير مستعد للاستمرار في مسلسل للكلام ولاجترار مواقف متناقضة مع قرارات مجلس الأمن، وأكثر من ذلك، مواقف غير عملية وبعيدة عن التوافق”.
وسبق للمغرب أن تواصل روسيا بشأن نزاع الصحراء المغربية في أبريل 2013، حيث توجه وفد مغربي إلى موسكو لطلب الدعم ضد مشروع قرار صاغته إدارة أوباما، يدعو إلى تمديد ولاية بعثة المينورسو، وقامت الولايات المتحدة بإعادة صياغة مشروع القرار.
انفتاح اقتصادي
يعمل المغرب على تطوير مكتسباته الاقتصادية والاجتماعية وتنميتها من خلال تطوير علاقاته مع القوى الدولية وخصوصا الولايات المتحدة وروسيا، ويأتي هذا اللقاء بموسكو القوة المؤثرة داخل مجلس الأمن لتحصين مصالحه في محيط إقليمي مشحون بأزمات معقدة.
وعلى المستوى الإقليمي، أكد وزير الخارجية المغربي أن من شأن الدور الروسي أن يكون عاملا مساعدا للعودة إلى مسلسل الحوار بين الأطراف الليبية، بما يضمن مخرجا حقيقيا للأزمة الليبية وفق اتفاق الصخيرات وبعيدا عن الحلول العسكرية والتدخلات الخارجية غير البناءة.
وكون المغرب معنيا بشكل مباشر بمسألة فلسطين والقدس الشريف فالمساهمة الروسية مطلوبة لدعم الموقف العربي في ما يخص القضية الفلسطينية، كما يرى ناصر بوريطة، في لقائه بالمسؤولين الروس، خاصة في ضوء التطورات المحبطة والخطيرة التي يُراد إخضاع هذه القضية لها، وللحفاظ على ثوابت تسويتها المتمثلة في إقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وفق مرجعيات قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
واعتبر وزير الخارجية المغربي أن روسيا فاعل أساسي في قضايا عربية ملحة كالأزمة السورية، وعامل توازن مطلوب في القضية العربية المركزية التي هي القضية الفلسطينية، وأنها شريك موثوق في العلاقات الثنائية مع العديد من الدول العربية بما في ذلك المغرب.
ويعمل المغرب على الاستفادة من موقع روسيا الدولي لإحراز دعم مستمر لملفاته الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والأمنية في الصحراء واستقطاب الرأس المال الروسي إلى الاستثمار بالأقاليم الجنوبية في إطار تجويد العلاقات الاقتصادية وتنويع الصادرات والواردات بين البلدين.
وفي هذا الإطار قال ناصر بوريطة إن المغرب مقتنع بالدور الروسي في إرساء أسس نظام عالمي متوازن، موضحا أن التعاون المغربي الروسي عرف طفرة نوعية إثر الزيارة التاريخية للملك محمد السادس إلى موسكو شهر مارس 2016، والتوقيع على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية المعمقة، والعديد من الاتفاقيات ذات البعد التنموي التي ترجمت إلى نتائج ملموسة أدت سنة 2018 إلى الرفع من حجم المبادلات التجارية بنسبة 100 في المئة مقارنة بسنة 2017، حيث يعد المغرب من الشركاء التجاريين الثلاثة الأوائل لروسيا على الصعيد العربي.