زمن الصحافة الذكية التي لا يملكها أحد
في كل الأحوال ستنتج التوأمة أو المزاوجة بين الذكاء الاصطناعي والصحافة المستقبلية واقعا جديدا، لن يجعل المستخدمين يتساءلون من هو مالك هذه الصحيفة أو تلك.
ينشغل المستقبليون بدراسة صورة الحياة وتفاصيلها بعد عقود عدة من الآن.
تلك الصورة الافتراضية طالما انشغلت بها أفلام الخيال العلمي فأشغلتنا بفنتازيا عبور الزمان والمكان وبالقدرات الخارقة والبشر الخارقين.
في المقابل هنالك منصات الإعلام والاتصال التي لا غنى عنها وقد تغيرت ملامحها وأهدافها بما يتناسب مع العصف الرقمي الذي سوف يضرب كل أوجه الحياة.
يتحدث المستقبليون عن لا شكل مألوفا لتلك الصحافة الافتراضية المستقبلية، صحافة مموهة شكلا ومحتوى وتطمس فيها هوية الصحيفة وهوية المحررين فما بالك إذا صار المستخدمون، وهم بالملايين، المحررين؟
تلك الصورة للصحافة التفاعلية هي التي سوف تتصدر المشهد وتتحول إلى ظاهرة يتداخل فيها وجود المستخدمين مع وجود المنتجين للخطابات الصحافية كتفا إلى كتف.
ولكن ومع هذا التطور فإن المحررين الأشباح الذين تجاوزوا حدود الجغرافيا يصبحون هم الذين يرسمون المشهد الصحافي تاركين للمستخدمين أن يملؤوا الفراغات وينتجوا القصص الصحافية التي يفضلونها.
صحافة الإثارة والاختلاف لا شك أنها سوف تقوّي مواقعها، وهي التي تتمكن من استقطاب مستخدمين لم تعد تعنيهم الكثير من القصص المكررة والمألوفة.
في كل ما قلناه وما يمكن أن نقوله بصدد توصيف عملية التحرير ووظيفة المحررين فإننا سوف نكون إزاء مقاربة مع الذكاء الاصطناعي الذي سوف يتولى الكثير من تلك الوظائف مهما كانت درجة التعقيد فيها ولهذا فالذكاء الاصطناعي قادر على التماهي مع الجمهور المستخدم وذلك في إطار الصحافة التفاعلية.
واقعيا نحن نعيش في زمننا الراهن مقدمات ذلك العصر الصحافي المختلف، ولكن ما الذي يمكن أن يتعلمه الصحافيون من ذلك الواقع الصحافي المختلف؟ وهل أن هذا الواقع الجديد سوف يحسن ويطور ظروف عمل الصحافيين؟ وما الذي سوف تربحه أو تخسره صناعة الإعلام بصفة عامة؟ هذه الأسئلة وغيرها تطرحها الباحثة ماريا كريسبو في موقع ومجلة “ايكوال تايمز″.
وتتحدث الباحثة عن تجارب المحررين تحت سيطرة الذكاء الاصطناعي، بمعنى ضخ المزيد من المعلومات التي أفضت إلى إيجاد ما يعرف بالمحرر الروبوت الذي بإمكانه أن يشغل مهمة المعلق الرياضي أو مقدم نشرة الأنواء الجوية وأن مهام كهذه أثبتت دقتها بنسبة مئوية متقدمة. لكن في المقابل هنالك الجمهور المستهدف الذي من الممكن للذكاء الاصطناعي واللوغاريتمات الوصول إليه بشكل أسرع بكثير من المحررين في غرفة الأخبار، وهي نقطة تحول أخرى تتعلق بسرعة اختيار الأخبار وضخها بحسب اهتمامات المستفيدين.
واقعيا أن هذا التدفق الحر لن ينحصر في إطار الطبعة التي يطلقها المحررون البشريون بعد طول عناء بل بتدفق إخباري مثير يكرس سلسلة الأخبار الأكثر أهمية المرتبطة بتفضيلات المستفيدين، وبذلك يترسخ وجود نوع من الصحافة الذكية بصرف النظر عن نوع الصحيفة وطواقمها وتوجهاتها وكأنها صحافة لا يملكها أحد.
تحضر في هذا المجال أطروحات الباحثة أندريا فاجمانس التي تدعو إلى إدماج محرري غرفة الأخبار من الآن مع ما يوفره الذكاء الاصطناعي من مميزات باتجاه تشكيل ملامح للصحافة المستقبلية.
إنها تطرح أسئلة برسم المحررين تتعلق بالكيفية التي سوف يسهم فيها الذكاء الاصطناعي في تطوير العمل الصحافي، وهي بذلك ليست مع فكرة الاغتراب عن الواقع الصحافي المستقبلي التي يشيعها بعض المترددين الذين يرون في ما هو آت بأنه لا يتعدى تشويها لجوهر العمل الصحافي.
والقصة ليست بهذا التبسيط، والحاصل أن الصحافيين يجب أن يعملوا جنبا إلى جنب مع المطورين الرقميين لكي تتبلور أدوارهم من جهة، ولغرض أن تتأسس اعتبارات مهنية من جهة أخرى.
في كل الأحوال ستنتج تلك التوأمة أو المزاوجة بين الذكاء الاصطناعي والصحافة المستقبلية واقعا جديدا، لن يجعل المستخدمين يتساءلون من هو مالك هذه الصحيفة أو تلك؟ وأين تصدر؟ ومن هم طاقم محرريها؟ وذلك بسبب انغمار المستفيدين في ما هو أهم: التدفق الإخباري القائم على الإثارة والتفاعل في تواصل وتحديث تلقائي لا ينتهي.