الأجهزة الأمنية تتقاذف مسؤولية قمع المظاهرات السلمية في الجزائر
تسود حالة امتعاض شديدة داخل كوادر المديرية الأمنية في الجزائر، بسبب الممارسات القمعية التي ظهرت في المسيرة الشعبية الثامنة، التي انتظمت الجمعة الماضي، بسبب اعتقاد لديها بأن جهات في السلطة تريد خلط الأوراق في البلاد، بإضفاء أجواء من التوتر على الشارع، وتشويه العلاقة الطيبة التي تشكلت خلال الأسابيع الماضية بينه وبين قوات الأمن.
وأكد مصدر أمني في الجزائر أن “الممارسات القمعية التي ظهرت في نهاية المسيرة المليونية الثامنة التي انتظمت الجمعة الماضي، فاجأت الكوادر الأمنية التي كانت تدير المظاهرات الشعبية في العاصمة”.
ولم يستبعد دخول جهات أمنية أخرى على خط الأزمة، من أجل إثارة التوتر، وتشويه العلاقة بين المتظاهرين وجهاز الأمن، بعد أسابيع عديدة من التلاحم وحتى التعاون بين الطرفين، وشدد على أن العناصر التي ظهرت بزي مدني وترمي القنابل المسيلة للدموع، لا تمت بصلة للجهاز الأمني. ولفت إلى أن “التعليمات التي وردت إلى المديرية العامة للأمن الوطني، من وزارة الداخلية، تنص على تطويق مداخل وتخوم العاصمة، وحصر المسيرات الشعبية في يوم الجمعة فقط، لكنها تضمنت مراعاة المعاملة القانونية مع المتظاهرين”.
وفيما لم يصدر أي تعليق رسمي من الحكومة على التجاوزات التي وقعت في حق المتظاهرين، يسود تضارب كبير حول الجهة الأمنية التي تدخلت بذلك الشكل الذي أوقع إصابات في صفوف أطفال ومسنين.
وأكد المصدر الأمني أن “جهة ما في السلطة تريد تشويه العلاقة بين الشارع والجهاز الأمني، وأن التكامل الذي ظهر في المسيرات المليونية بين الطرفين، يكون قد أزعجها كونها تخشى أن تتحول تلك العلاقة بمرور الوقت إلى قوة ميدانية تسحب البساط من تحت الأجهزة الأخرى في المشهد القادم”.
ولا يزال الغموض يكتنف مصدر الوقائع التي سجلت الجمعة الماضي، خاصة في ظل إشارة مصادر متابعة إلى تدخل جهاز الأمن الرئاسي، بتنفيذ تدخل ميداني والقيام بممارسات قمعية ذات دلالات سياسية تستهدف تحييد العائلات من المشاركة في المسيرات الشعبية، ثم التصرف القمعي مع الشباب لاستفزازهم وجرهم إلى حالة من الفوضى.
وأثارت الممارسات التي تعرضت لها ناشطات من جمعيات وأحزاب سياسية، في مخفر الشرطة في ضاحية براقي بالعاصمة، انتقادات شديدة من الدوائر والجمعيات الحقوقية والسياسية، على خلفية تجريدهن من ملابسهن، وتعرضهن لممارسات استفزازية ومهينة داخل المخفر من طرف ضابطة أمن، قبل أن يطلق سراحهن لاحقا.
ويشدد ناشطو الحراك الشعبي في الجزائر، في حملاتهم التعبوية على شبكات التواصل الاجتماعي، على العلاقة الأخوية بين الشعب وأجهزة الأمن والدرك والجيش، وأن القيادات المديرة لها هي جزء مما بات يوصف بـ”العصابة الحاكمة في البلاد”.
وأظهر تسجيل من مدينة بشار الجنوبية قيام مجموعة من الشبان بمساعدة رجال قوات الأمن على إخراج سيارتهم التي انغرست في الرمل، رغم حالة الصدام التي كانت بينهما، حيث كانت القوات الأمنية بصدد تأمين زيارة وزير الداخلية صلاح الدين دحمون، بينما كان المتظاهرون يطاردونه لمنعه من زيارة مدينتهم.
وفي تفاصيل جديدة لتطورات الحراك الشعبي في الجزائر، قرر طلبة الجامعات الدخول في إضراب عام بجميع الكليات والمدارس العليا، وتنظيم وقفات يومية للتنديد بالسلطة القائمة والدعوة إلى رحيلها.
وبالموازاة مع ذلك تمددت موجة التمرد في الإدارات المحلية والبلديات، التي رفضت تأطير الانتخابات الرئاسية المقررة في الرابع من يوليو المقبل، حيث عبر رؤساء بلديات وأمناء عامون ومنتخبون محليون، عن رفضهم التفاعل مع الأوامر التي وردتهم من الولاة (المحافظين) للشروع في إحصاء جديد للائحة الهيئة الناخبة.
وتستمر حالة الحصار الشعبي على حكومة نورالدين بدوي، بسبب رفض المتظاهرين للنشاط الميداني لأعضاء الطاقم، وكان آخرها طرد وزيرة الثقافة مريم مرداسي، الاثنين، من طرف عشرات المحتجين في مدينة تيبازة بغرب العاصمة، وهو ما يعجل برحيلها القريب تحت ضغط الحراك الشعبي.
ويتطلع مراقبون إلى عرض سياسي جديد من السلطة، من المرتقب أن يكشف عنه قائد أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، الذي يقوم بزيارة ميدانية إلى الناحية العسكرية الرابعة بورقلة، الواقعة على الحدود البرية مع ليبيا، في خطوة تستهدف تفكيك حالة الانسداد التي تمر بها البلاد منذ منتصف شهر فبراير الماضي.
ولا يستبعد هؤلاء المراقبون أن تكون التصريحات التي أدلى بها رئيس الحكومة السابق مولود حمروش، جزءا من صفقة سياسية تتم بلورتها في الخفاء، يتم بموجبها اضطلاع الرجل بإدارة مرحلة انتقالية في البلاد، بالتعاون مع المؤسسة العسكرية.
وشدد مولود حمروش على أن حالة الوعي الجمعي المتشكلة في الشارع الجزائري، تتوجب مرافقتها بدور للمؤسسة العسكرية، وهو ما يتوافق مع العديد من المقاربات المطروحة في الساحة الجزائرية للخروج من المأزق الذي تتخبط فيه منذ شهرين.
وأضاف “تموقع قيادة الجيش مع مطالب الشعب المشروعة، حافظ على الطبيعة الوطنية للجيش الوطني الشعبي، وبقي على قيادته الآن، الإسهام في إتمام بناء الدولة الوطنية وصياغة دستور وإقامة مؤسسات تملك فعليا سلطات الترخيص والضبط والتأهيل والرقابة التي ستضع نهائيا الجيش في مأمن من أي تنازع سياسي متحزب، ومن توظيفه كقاعدة حكم سياسي أو كوسيلة في يد أي كان”.