الاستخبارات الألمانية تحذر من “خلافة داعش” السيبرانية
رغم هزيمة تنظيم داعش عسكريا في معاقله الرئيسية بالعراق وسوريا، ما زالت أيديولوجيته بعيدة عن الهزيمة، حيث ما زال التنظيم المتشدد يمثل خطرا متفاقما على الدول الأوروبية المتوجسة من عمليات إرهابية تنفذها ذئاب منفردة. ويعكس قلق أجهزة الاستخبارات حجم المخاطر المتربصة بهذه الدول في ظل مقاربة أمنية عاجزة ومنظومة قوانين هشة تحول دون الحزم في التصدّي للإرهابيين.
حذر رئيس الهيئة الاتحادية لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) في ألمانيا من الاستهانة بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) حتى بعد هزيمته العسكرية، فيما يتنامى القلق من تزايد أعداد الإسلاميين المتشددين في البلاد.
وقال توماس هالدنفانج “لا يمكن أن يكون هناك وقت تحذير في ما يتعلق بتنظيم داعش، لا يزال يتعين علينا توقع حدوث هجوم في ألمانيا في أي وقت”.
وأضاف هالدنفانج أن “داعش لا يزال قائما بالنسبة إلى أوروبا، لاسيما بمفهوم وجود خلافة سيبرانية افتراضية تحرض على هجمات، ولا يزال بإمكانها السيطرة على أتباع لشن هجمات”.
وقد ازداد عدد الأشخاص الذين تصنفهم الهيئة إسلاميين راديكاليين يحتمل أن يكونوا مصدر خطر على الأمن خلال العام القادم بما يزيد على 300 شخص، بحسب تصريحات رئيس الهيئة.
وتابع “نحسب حاليا نحو 2240 شخصا في ألمانيا ضمن من يطلق عليهم الأشخاص المحتمل أنهم ينتمون إلى التيار الإسلامي-الإرهابي، نحن مقتنعون بأنه يمكن أن يقوموا بهجوم أو يدعموا مثل هذا الأمر”.
ويندرج ضمن هؤلاء من يعرفون بأنهم أشخاص خطرون أمنيا تم تحديد هويتهم من قبل أجهزة الشرطة وكذلك “الأشخاص المهمون ذوو الصلة”، فضلا عن آخرين تراقبهم الاستخبارات الداخلية.
ويقصد بـالخطرين أمنيا من لا تستبعد الشرطة قيامهم بجرائم ذات دوافع سياسية، مثل هجوم إرهابي.
وارتفع عدد الإسلاميين المصنفين خطرين أمنيا في ألمانيا من500 شخص في يونيو عام 2016 إلى نحو 775 شخصا في الوقت الراهن، إلا أن بعضهم يقبع في السجون حاليا.
وارتفع إجمالي عدد السلفيين -الذين ينتمي إليهم أيضا متدينون متطرفون ليس لديهم مساع إرهابية- في غضون عام من 9700 إلى 10800 فرد.
واستقر عدد السلفيين الذين سافروا إلى المناطق التي يسيطر عليها إرهابيون، وليس في ذلك مفاجأة، حيث تقلصت هذه المناطق بوضوح عقب طرد تنظيم داعش من مدينة الموصل العراقية ومدينة الرقة السورية.
ويتضمن “الأشخاص المهمون ذوو الصلة” كل من يقوم بدور قيادي داخل التيار المتطرف أو الذي يعد داعما أو لديه اتصالات وثيقة مع أشخاص مصنفين خطرين أمنيا.
وأكد رئيس الاستخبارات الداخلية أن “مراقبة هؤلاء الأشخاص على مدار الساعة أمر غير ممكن فسنكون بحاجة إلى 40 موظفا لكل شخص. لذا، نحن نركز على الأشخاص الذين نعتبرهم خطرين بصفة خاصة”.
وأشار إلى أن هناك مخاوف لدى هيئة حماية الدستور من أطفال لأتباع داعش العائدين إلى ألمانيا والذين أقاموا مع أسرهم في مناطق سيادة التنظيم السابقة في سوريا أو العراق.
وأضاف أن أطفال الجهاديين عايشوا العنف لدى داعش ويبجلون آباءهم الذين سقطوا كأبطال، لافتا إلى أن محاولات شن هجمات في الأعوام الماضية أظهرت أنه يمكن للنشء التحول مبكرا إلى معتدين، ودعا إلى تغييرات قانونية كي يتسنى مراقبة أطفال في حالات فردية.
ومع تلقي تنظيم داعش المزيد من الضربات القاسية وخسارته جميع مناطق سيطرته في العراق وسوريا، فإن أيديولوجيا التنظيم لا تزال بعيدة عن الهزيمة، كما أن خلاياه لا تزال تنشط في العديد من مناطق سوريا والعراق مع احتمالات التخطيط لهجمات عنيفة في بعض الدول الأوروبية.
وقد لا تعني الهزيمة العسكرية الكثير لمستقبل تنظيم داعش ووجوده في المدى القريب بالقدر الذي تتهدد هذا الوجود خلافات حادة في أعلى الهيكل التنظيمي على أسس عقائدية ومنهجية، وهي الخلافات الأكثر خطرا، والتي لا يمكن التغافل عن تداعياتها على جسم التنظيم في قاعدته السفلى التي تمثل عماد ديمومته.
وباشر التنظيم الذي خسر آخر منطقة يسيطر عليها في العراق وسوريا بإعلان الرئيس الأميركي في 23 مارس 2019 النصر الكامل على التنظيم، بث خطاب دعائي عبر النوافذ المتاحة له في وسائل التواصل الاجتماعي يعلن عبره الالتزام بـ”الحرب الطويلة” وحرب “الاستنزاف” متوعدا بالانتصار على “الأعداء” وهزمهم في نهاية المطاف.
وسيحاول التنظيم عبر وسائل الإعلام تبني الخطاب الطائفي لحشد دعم المجتمعات السنية في مواجهة الشيعة والغرب لاستعادة مكانته التي خسرها في أوساط تلك المجتمعات خاصة البعيدة جغرافيا عن العراق وسوريا.
وسيبقى تنظيم داعش كفكر طالما نجح في توظيفه بالصراع الوجودي الذي تشهده المنطقة، وهو صراع ذو خلفيات طائفية في مجمله، وسيتضاءل الإقبال على فكر التنظيم ومنهجه في حال عملت الولايات المتحدة ودول المنطقة على إزالة أسباب وجوده سواء السياسية أو الاجتماعية القائمة على الشعور المتنامي بالظلم لدى المجتمعات المحلية في غياب تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية للعرب السنة في سوريا والعراق تحديدا.
وسيظل التنظيم بحاجة إلى تجديد صفوفه وتجنيد المزيد من المقاتلين من دول العالم بعد أن باشر خطابا إعلاميا بعدة لغات لدول تعيش فيها أقليات مسلمة حالات اضطهاد أو تمييز على أساس ديني، مثل الفلبين وبعض الدول الأفريقية والأوروبية.
ولذلك، سيظل تهديد داعش للأمن والاستقرار قائما بشكل واسع، مع احتمالات واردة جدّا أن يكثّف نشاطاته في الفروع البعيدة كالفلبين وأفغانستان وأفريقيا، وكذلك في الدول الأوروبية.