مقاطعة القضاة للانتخابات تربك الحكومة الانتقالية في الجزائر

انتهت المليونية الثامنة في الجزائر، وهي أول تظاهرة احتجاجية بعد تنصيب عبدالقادر بن صالح رئيسا مؤقتا للبلاد، والتي رفع فيها المحتجون شعارات رافضة لإشراف رموز نظام عبدالعزيز بوتفليقة على المرحلة الانتقالية، بصدامات بين المئات من الشبان وعناصر الشرطة قادت إلى تعنيف المتظاهرين، في خطوة تكشف عن لجوء السلطة إلى العنف للجم صوت الشارع وتقييد الحراك الشعبي.

 زاد تعنيف السلطة لسلمية الحراك الشعبي عبر لجوء قوات أمنية خلال نهاية المليونية الثامنة إلى استعمال وسائل قمعية بطرق عشوائية أدت إلى تسجيل إصابات لدى أطفال ومسنين، من عزلة الحكومة الجديدة وقلّص هامش أجندتها السياسية أمام رفض القضاة تأطير الانتخابات الرئاسية القادمة.

وتفاقمت متاعب حكومة نورالدين بدوي، ومن ورائها السلطة القائمة، بالانتقادات الشديدة التي وجهت لها من طرف الحراك الشعبي والطبقة السياسية، في أعقاب لجوئها إلى تعنيف الحراك الشعبي السلمي بتشدد الشرطة مع المتظاهرين.

وبالموازاة مع فشلها في إقناع الرأي العام بممارسات القوى الأمنية، واشتداد العزلة الشعبية عليها، حيث صار أعضاؤها عرضة لمطاردات المحتجين، تلقت ضربة قاصمة بإعلان القضاة، السبت، عن مقاطعتهم لعملية الإشراف على الانتخابات الرئاسية المقررة في الرابع من شهر يوليو القادم.

وطارد العشرات من الشبان في مدينة بشار (جنوب غرب)، وزير الداخلية الجديد صلاح الدين دحمون، وطالبوه بالرحيل عن محافظتهم، ووجدت المصالح الأمنية نفسها في مواجهة محتجين لا يبارحون بأماكنهم منذ ليلة الجمعة إلى السبت في محيط المطار لمنع الوزير من زيارة المحافظة، واضطر الوفد الرسمي إلى التواري عن الأنظار تحت ضغط المتظاهرين الذين تقفوا أثره إلى غاية السبت.

وتعيش حكومة نورالدين بدوي عزلة شعبية كبيرة، لم تشهدها أي حكومة في البلاد، حيث بات أعضاؤها عرضة لمطاردة الشارع، وحتى غضب موظفيها، كما هو الشأن بالنسبة لوزيرة الثقافة مريم مرداسي، التي انتفض موظفوها وكوادرها ضدها، وضد الحكومة والسلطة القائمة.

وفشلت الحكومة في تمرير رسائلها السياسية في بياناتها الأخيرة، حين وقعت في تناقضات كبيرة، بين صعوبة تبرير استعمال وسائل القمع على الحراك السلمي، وإقناع الرأي العام بروايات مفتعلة حول ضبط شبكة تجسّس أجنبية ومجموعة إرهابية مندسة وسط المتظاهرين.

وأفضت الممارسات القمعية التي مارستها قوات أمنية على متظاهرين في محيط النفق الجامعي وساحة موريس أودان والشوارع المجاورة لها في العاصمة الجزائرية، في الساعات الأخيرة من يوم الجمعة، إلى وقوع عدد من الإصابات في صفوف المحتجين لاسيما الأطفال والمسنين والاختناقات الخطيرة داخل النفق المذكور.

وذكر بيان صادر عن مديرية الأمن، أن مصالحها سجلت نحو 30 إصابة في صفوف أعوان الأمن منهم أربعة في حالات خطيرة، وأنه تم توقيف أكثر من 100 شاب وصفهم البيان بـ”المندسين والمنحرفين”، استعملوا وسائل حادة وحجارة في استهداف عناصر الأمن.

لكن البيان الذي سبقه أثار الكثير من الجدل، قياسا باللهجة السياسية التي وظفها في خطابه، وحديثه عن روايات لم تقنع الرأي العام، تتعلق بضبط مجموعة إرهابية كانت تستهدف جرّ الحراك إلى الفوضى عبر استهداف عناصر الأمن، ومجموعة جوسسة أجنبية كانت بحوزتها أجهزة حساسة وحبوب مهلوسة، وكانت تعمل على تجنيد الأطفال.

بحجة الفوضى الشرطة الجزائرية تعنّف المتظاهرين
بحجة الفوضى الشرطة الجزائرية تعنّف المتظاهرين

ولم يستبعد الإعلامي والناشط في الحراك الشعبي ايدير دحماني، أن تكون السلطة بصدد استحضار سيناريو العنف الذي أحاط بأحداث منطقة القبائل والعاصمة في العام 2001، من أجل تفكيك الحراك السلمي، وجره إلى مآلات تستطيع التحكم فيها في ما بعد.

وأضاف دحماني في تصريح لـه أن “ما قامت به السلطة مساء الجمعة، هو مناورة من المناورات المكشوفة، فقد استعانت بهذا السيناريو في مختلف المحطات، لكن هذه المرة كانت لعبة مفضوحة وغبية”.

وأضاف “الوضع يختلف بين الحراك الشعبي الحالي وبين أحداث العام 2001، فالأول قائم في جميع محافظات ومدن البلاد ومطالبه عالية وأساليبه سلمية وهادئة، بينما الثاني كان محصورا في ثلاث محافظات فقط وفي العاصمة، وكانت مطالبه بسيطة جدا”.

ولفت إلى أن الحيلة لم تنطل على أحد من أفراد الشعب، ولا أحد يصدق الروايات التي قدمتها السلطة ووقوعها في تناقض صريح، لأن محاولة التبرير تحولت إلى اتهام لها، ولا يمكن تصديق مصالح تلقي القبض على مجموعة إرهابية وأخرى للجوسسة وسط سيول بشرية، ولا تستطيع تحييد مجموعة من المشاغبين.

وأكد المتحدث أن روايات أجهزة السلطة يشوبها الكثير من الغموض الذي يطرح تساؤلات عن مغزى تعنيف المتظاهرين، ويشير إلى أن الطابع السلمي للحراك الشعبي بات يشكل لها قلقا حقيقيا، فمنذ جمعة الـ22 من فبراير انطلق الحراك سليما وهادئا ولم يعط الفرصة للسلطة من أجل جره للفوضى، ونزول العائلات والمسنين والأطفال يثبت نوايا ورسالة الحراك للسلطة وللعالم.

وتابع متسائلا “كيف يقتنع الناس بروايات ضبط جواسيس أجانب وسط المتظاهرين، وتوقيف مجموعة إرهابية أيضا كانت تستهدف عناصر الأمن كانت تستعمل في تسعينات القرن الماضي؟”.

وكانت مصالح الأمن والدرك قد ضربت طوقا أمنيا على العاصمة عشية المليونية الثامنة، وحولتها إلى سجن مفتوح، حيث امتدت طوابير المركبات إلى العشرات من الكيلومترات، خلف المداخل والتخوم المؤدية إلى العاصمة، ومع ذلك خرج السكان بقوة لتجديد مطالب رحيل السلطة القائمة، ومحاسبة التركة الموروثة عن نظام بوتفليقة.

وأوضح ايدير دحماني أن “هناك مجموعة من الشباب لا يتجاوز عددهم الثلاثين عنصرا على أقصى تقدير، كانوا يستفزون عناصر الشرطة، لكن ذلك لا يبرر ما قامت به القوى الأمنية بتعنيف المتظاهرين عبر وسائلها القمعية، حيث لم تفرق الشرطة بين هؤلاء وبين المحتجين، خاصة الأطفال والمسنين”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: