اقتلاع” البشير نهاية تجربة فاشلة للإسلام السياسي
استجابت قيادة الجيش السوداني لمطالب عشرات الآلاف من المحتجين وأطاحت بالرئيس عمر حسن البشير بعد ثلاثين سنة من حكم فاشل للإسلام السياسي في السودان، في وقت تتسارع فيه الأحداث لإنهاء حقبة تجارب الجماعات الإسلامية وداعميها في أكثر من بلد عربي بالتزامن مع رفع الغطاء الغربي عنها.
وأبانت مواقف القيادة الجديدة عن رؤية ذكية في الصراع مع مخلفات نظام البشير حين أقدمت على إطلاق سراح جميع المعارضين الذين كان النظام قد وضعهم في السجون. كما كشفت عن أنها قطعت الطريق أمام خطة للقمع كان البشير والمحيطون به يعدونها لتفكيك الاعتصامات ووقف موجة الاحتجاج.
وحذر جهاز الأمن والمخابرات السوداني من “تطورات في اتجاهات سالبة” للحراك في البلاد. كما دعا للانتباه إلى محاولات جر البلاد إلى انفلات أمني شامل، مؤكدا قدرته والمنظومة الأمنية على “حسم العناصر المنفلتة نصحا بالحسنى أو أخذا بالقوة المقيدة بالقانون”.
وأطاحت القوات المسلحة السودانية الخميس بالبشير وأعلنت عن تشكيل مجلس عسكري لإدارة شؤون الدولة لفترة انتقالية مدتها عامان تتبعها انتخابات.
وأعلن وزير الدفاع عوض بن عوف “تشكيل مجلس عسكري انتقالي” يتولى الحكم لسنتين.
ما بعد البشير
- تعطيل العمل بالدستور
- وضع دستور جديد خلال عامين
- حلّ مؤسسة الرئاسة
- حل مجلس الوزراء وحكومات الولايات
وقال بن عوف في كلمة ألقاها عبر التلفزيون السوداني الرسمي “أعلن أنا وزير الدفاع اقتلاع ذلك النظام والتحفظ على رأسه في مكان آمن واعتقاله”.
وانتقد بن عوف “عناد النظام” وإصراره خلال الأشهر الماضية على “المعالجات الأمنية” في مسألة الاحتجاجات الشعبية ضده.
كما أعلن “تشكيل مجلس عسكري انتقالي يتولى إدارة حكم البلاد لفترة انتقالية مدتها عامان”، مشيرا الى أن المجلس سيلتزم بـ“تهيئة المناخ للانتقال السلمي للسلطة وبناء الأحزاب السياسية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة بنهاية الفترة الانتقالية”.
وأقر بن عوف تعطيل العمل بالدستور، مشيرا إلى أنه سيتم وضع “دستور جديد دائم للبلاد” خلال الفترة الانتقالية، و”حلّ مؤسسة الرئاسة من نواب ومساعدين وحل مجلس الوزراء”. كما أعلن حلّ حكومات الولايات ومجالسها التشريعية.
كما أعلن إغلاق أجواء البلاد “لمدة أربع وعشرين ساعة” والمداخل والمعابر الحدودية “حتى إشعار آخر”، و” حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر”.
ويواجه البشير اتهامات أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي التي أصدرت أمرا باعتقاله على خلفية مزاعم بارتكاب جرائم حرب في منطقة دارفور بالسودان أثناء تمرد بدأ في عام 2003 وأودى بحياة ما يقدر بنحو 300 ألف شخص.
وعكس موقف الإعلام التركي والقطري من التحولات المتسارعة في السودان إحباط أنقرة والدوحة من التحرك الحاسم للجيش السوداني وإسقاط البشير، الذي كان نظامه واجهة لنفوذ قطر وتركيا في السودان من بوابة حكم جماعة الإخوان وتفرعاتها.
وباتت قناة الجزيرة القطرية تتحسر على الانتقال الديمقراطي وثورة الشارع السوداني المهدورة، في تناقض صارخ مع دعمها الدائم لنظام البشير الذي لم يكن يقيم وزنا لأي انتقال ديمقراطي وكان يعمل حثيثا على تعديل الدستور بما يسمح له بولاية رئاسية جديدة بالرغم من بقائه ثلاثين عاما في الحكم.
ويقول متابعون للشأن السوداني إن الدوحة وأنقرة كانتا تقاتلان لأجل بقاء البشير في السلطة خوفا من خسارة نفوذ جديد لهما بعد موجة شعبية واسعة استهدفت حلفاءهما الإسلاميين بدءا من مصر ووصولا إلى ليبيا، حيث يضيّق المشير خليفة حفتر الخناق على ميليشيات إسلامية مرتبطة تمويلا وتسليحا بكل من قطر وتركيا.
ولم يخف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخميس حيرته على مصير البشير، حين قال “نتلقى أنباء متضاربة، ولا يمكننا معرفة مصير البشير وما إذا كان في منزله أم في مكان آخر”، وأن بلاده لديها “علاقات متجذرة مع السودان”، في إشارة واضحة للقلق بشأن مصير الرئيس الذي رهن جزيرة سواكن الاستراتيجية على البحر الأحمر لنفوذ أنقرة، ووضعها على ذمة أردوغان الذي يعمل بكل الطرق للضغط على مصر والسعودية من بوابة البحر الأحمر.
ويمثل إسقاط البشير خسارة كبرى لخطط أنقرة التي تخطط للتمدد في شرق أفريقيا من بوابة السودان. لكنه من جهة أخرى يمثل إعلانا عن سقوط نموذج الفشل كامل الأركان لمنظومة الإسلام السياسي بعد 30 سنة من الحكم.
ولم يستبعد مراقبون محليون أن يكون الانحياز الإعلامي ضد استجابة الجيش لمطالب المحتجين وعلى رأسها تنحي البشير، الذي لم يقدم طيلة ثلاثين عاما سوى الوعود، جزءا من خطة مضادة تعمل الدوحة وأنقرة من خلال علاقتها بجماعات إسلامية محلية لإرباك الانتقال في ساعاته الأولى.
وما أثار مخاوف تركيا وقطر أن الجيش الذي تقدم لإنقاذ الوضع بادر في أول خطوة إلى مداهمة مركز الحركة الإسلامية التي تمثل إحدى واجهات النظام، وهي فصيل من الإخوان الذين استمروا في إسناد البشير وسيطروا في ظل حكمه على مؤسسات الدولة، ودفعوا السودان لخوض معارك في كل اتجاه لتثبيت نفوذهم.
وتهدف المداهمة إلى تأكيد ان المؤسسة العسكرية أنه لا تربطها أي علاقة بالإخوان أو بأي من الفصائل والميلشيات الإسلامية التي تعمل تحت لواء السلطة، وهو ما يعطيها زخما وعمقا في الشراع الذي اكتوى طويلا من نفوذ تلك الفصائل وتشددها وفرضها نمط حياة يتعارض مع طبيعة المجتمع السوداني المتفتح.
ويقول محللون سياسيون إن المرحلة الانتقالية في السودان ستكون تحت الأنظار في العلاقة مع إرث البشير سواء ما تعلق بأزمات الداخل أو في علاقته بالجنائية الدولية التي قد يجد نفسه تحت رحمتها.
ويشير هؤلاء إلى أنه لم يعد ممكنا أم أي دولة التذرع بالحصانة التي يتمتّع بها البشير هين كان رئيسا.
ولكنّ هذه الحجّة “زالت اليوم”، بحسب كريستوف بولوسين، الخبير في القانون الجنائي الدولي في معهد آسر في لاهاي.
ونظرياً، يفترض أن يساهم خلع البشير في تعزيز فرص تسليمه إلى الجنائية الدولية لمحاكمته أمامها في لاهاي، كما قال بولوسين لوكالة فرانس برس.
وأوضح الخبير القانوني أنّ “فرص أن يكون الزعيم السوداني الجديد راغباً في التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية هي حتماً أكبر من السابق”، على الرّغم من أن مستقبل الرئيس المخلوع ما زال غير واضح المعالم.
وفي الواقع فإنّ مصير البشير يتوقف الآن على القادة الجدد للبلاد، بحسب ما تقول فريدريك دي فلامينغ، الباحثة في القانون الجنائي الدولي في جامعة أمستردام.
وتوضح الباحثة القانونية بأنّ القادة الجدد للبلاد “قد يقرّرون حتى محاكمته” في السودان، وفي هذه الحالة لن يكون للمحكمة الجنائية الدولية أي دور على الإطلاق.