فشل مبكر للانتخابات الرئاسية في الجزائر
توقع معارضون سياسيون ونشطاء في الحراك الشعبي الجزائري، أن تسقط الانتخابات الرئاسية المعلن عنها من طرف الرئيس المؤقت للبلاد، كما سقطت المواعيد الانتخابية الأخيرة، قياسا برفضها المطلق من طرف الشارع والطبقة السياسية لأن تكون حلا للأزمة التي تتخبط فيها البلاد.
واستهجن القيادي في حزب جبهة القوى الاشتراكية المعارض حكيم بلحسل، إعلان الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، عن تاريخ الرابع من يوليو القادم، كموعد للانتخابات الرئاسية، كونها تمثل قفزا نحو المجهول، نظير الأزمة التي تتخبط فيها البلاد منذ شهرين.
وأضاف “لا يمكن الحديث عن انتخابات رئاسية في ظل الأجواء التي تعيشها البلاد، وعدم تقديم ضمانات حقيقية للشارع، لتحقيق مطالبه السياسية، لاسيما المتعلقة بتحقيق التغيير الجذري في السلطة، والوصول إلى انتقال سياسي يقطع مع مرحلة الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة”.
وساد شبه إجماع لدى المعارضين السياسيين ونشطاء الحراك الاجتماعي، على أن الانتخابات الرئاسية المعلن عنها، لا تحمل أية مؤشرات على حل الأزمة السياسية، وإنما هي فرصة لإعادة إنتاج النظام القائم. وذكر الحقوقي والناشط السياسي مصطفى بوشاشي، أن “تمسك السلطة الحالية بالمقاربة الدستورية لحل الأزمة، تحايل على الحراك الشعبي، لأن الأزمة السياسية تجاوزت الحلول الدستورية، ولا يمكن أن تحل إلا بالمقاربة السياسية”.
يخوض نشطاء الحراك الشعبي، حملة تعبئة كبيرة على شبكات التواصل الاجتماعي، من أجل تجديد الحضور الكبير في العاصمة، وتجاوز جميع العراقيل التي تفتعلها الحكومة
وكان الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، قد أعلن فور تنصيبه عن شروعه في مشاورات سياسية مع الأحزاب والجمعيات والمنظمات، لتشكيل لجنة عليا للانتخابات تخلف اللجنة المنحلة بموجب قرار سابق للرئيس المستقيل في 11 مارس الماضي.
وتسود توقعات كبيرة، بأن تسقط الانتخابات المعلن عنها، كما سقطت الانتخابات السابقة، حيث تم إلغاء موعد الـ18 من أبريل الجاري، تحت ضغط الحراك الشعبي، الذي ما زال رافضا للحلول المقترحة عليه تباعا من طرف السلطة.
وفي خطوة لاحتلال الشارع وتحقيق نوع من التوازن الميداني، بادرت الحكومة إلى ممارسات قمعية منذ مطلع هذا الأسبوع، حيث رمت بتعزيزات أمنية كبيرة للشوارع والساحات العمومية، من أجل منع المحتجين من التظاهر.
واستعملت لأول مرة بكثافة الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه، وحتى القنابل الصوتية، للحيلولة دون تجمع المتظاهرين الذين لم يتوقفوا عن الاحتجاج منذ تنصيب بن صالح رئيسا مؤقتا للبلاد.
وأوعزت السلطة إلى قوات الأمن بتطويق جميع مداخل العاصمة ومحاصرة التخوم القريبة منها، تحسبا لمظاهرة مليونية جديدة منتظرة نهار اليوم الجمعة في العاصمة، للتعبير عن رفض الحراك للسلطة الجديدة، والتأكيد على التركة التي خلفها نظام بوتفليقة.
ويخوض نشطاء الحراك الشعبي، حملة تعبئة كبيرة على شبكات التواصل الاجتماعي، من أجل تجديد الحضور الكبير في العاصمة، وتجاوز جميع العراقيل التي تفتعلها الحكومة، كوقف حركة القطارات والميترو، وتطويق المداخل بالحواجز الكثيفة لعناصر الدرك. وما زال موقف قيادة المؤسسة العسكرية، المعبر عنه من طرف قائد أركان الجيش، والمنحاز إلى السلطة الجديدة، يثير استياء وخيبة الشارع، نظرا لما وصف بـ”الانقلاب” على الالتزامات التي أطلقها في وقت سابق، بالدفاع عن مطالب الشعب، والسير لتحقيق انتقال سياسي في البلاد، عبر تفعيل بنود دستورية تتيح للشارع استعادة السلطة على الآليات التشريعية والمؤسساتية.
ومع ذلك أعلن أمس الخميس، المترشح السابق للانتخابات الملغاة الجنرال المتقاعد علي غديري، عن نيته خوض غمار الانتخابات الرئاسية القادمة، وهو ما يمثل أول تجاوب من طرف قوى سياسية وشخصيات مستقلة مع الموعد، رغم الغليان الذي يسود الشارع الجزائري.
وفي رسالة وجهها الرئيس السابق لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض سعيد سعدي، إلى الجنرال قايد صالح، دعاه إلى الرحيل وترك موقعه للجيل الجديد في المؤسسة العسكرية، وهو موقف غير مسبوق، مرشح لأن يتحول إلى أحد مطالب الشارع.
وقال سعيد سعدي “في هذه الأوقات الحاسمة للوطن، كل جزائري موضوع أمام مسؤولياته، وأنتم بشكل خاص.. لقد حان وقت رحيلكم، لأنكم بلغتم من العمر عتيا، ولأن النظام الذي ساندتموه فشل، بالأحرى، تمت إدانته بفضل تعبئة شعبية لا مثيل لها أعادت الروح للأمة منذ 22 فبراير”.
وأضاف “إن مواصلة التصريح بأن الجيش مواكب للشعب الذي يطالب بدولة جديدة في مستوى آماله، وحقوقه وديمغرافيته المتجددة، أمر جدير بالثناء والتقدير، ولكن القيام بعكس ما يتم التغريد به منذ شهر ونصف الشهر، لا يمكن أن يقنع الكثير ولا يمكن أن يوقف الديناميكية التي أرجعت لمواطنينا التحضر والأمل”.
ولفت المتحدث إلى أنه “منذ بدأ هذا الحراك، عرف خطابكم تقلبات عديدة، كنتم مناصرين للعهدة الخامسة، واتهمتم المتظاهرين بالعملاء المتلاعب بهم من أجل زعزعة استقرار بلدهم، وانتهيتم أخيرا بتقبل فكرة أن الشعب محق في حراكه، ولو بإعطاء مضمون معارض لمطالبه”.