قيادة الجيش تخذل الحراك الشعبي في الجزائر
خيب خطاب الرجل الأول في المؤسسة العسكرية آمال الشارع الجزائري في رحيل السلطة القائمة، وتحقيق انتقال سياسي جذري في البلاد، وذلك من خلال إعلان دعمه للرئيس المؤقت، وحصر حلول الأزمة السياسية في المقاربة الدستورية، وهو الأمر الذي يضع الجزائر في منعرج حاسم، في ظل الاستقطاب الحاد بين السلطة والشارع.
فاجأ رئيس أركان الجيش الجزائري الجنرال أحمد قايد صالح، الشارع الجزائري، بتعبيره عن دعمه لسلطة المرحلة الانتقالية التي يقودها منذ أول أمس في البلاد، الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، وعن انحيازه إلى صالح المقاربة الدستورية التي لم تلبّ مطالب الشارع منذ الثاني والعشرين من فبراير الماضي.
وشكل خطاب قايد صالح خيبة كبيرة لدى نشطاء الحراك الشعبي، ووصفوه بـ”الخذلان”، بعدما علق الشارع آمالا كبيرة على الجيش، في إعانته على تحقيق التغيير السياسي الجذري في البلاد، ولاسيما أنه لم يلتزم بما قطعه على نفسه خلال الأسابيع الماضية، بتفعيل البند السابع والثامن إلى جانب البند 102 من الدستور.
وعاشت العاصمة الجزائرية، الأربعاء، يوما استثنائيا بسبب المعاملة القمعية الممارسة من طرف قوات الأمن ضد المتظاهرين من طلبة وقوى عمالية ونقابية، تنفذ إضرابا عن العمل لمدة يومين، في خطوة للتضامن مع الحراك الشعبي.
وهو ما اعتبر بمثابة انقلاب من السلطة على الشارع، بدخول القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه لأول مرة، لتفريق المتظاهرين، فضلا عن تطويق عدد من مداخل العاصمة والشوارع والساحات العمومية، واعتقال عدد من الطلبة.
ورأى المحلل السياسي عبدالحق بن سعدي، في اتصال مع “أخبارنا الجالية ” أن “الحكومة تحاول المناورة من جديد، والسعي لاستعادة جزء من الميدان بعدما فلت منها طيلة الأسابيع الماضية، وأن تغير المعاملة الأمنية مع المتظاهرين، هو مؤشر على مسعى لدى السلطة الجديدة لإثبات ذاتها”.
وأضاف “الحراك الشعبي أثبت طيلة شهرين طابعه السلمي والهادئ بعدما فشلت الوسائل الإعلامية والجيوش الإلكترونية في النيل منه، وأظن أنه تجاوز بكثير السلطة، لأن أي انزلاق في الظرف الراهن، تتحمل مسؤوليته وحدها أمام الرأي العام المحلي والدولي”.
واضطرت قوات مكافحة الشغب التي انتشرت بكثافة في العاصمة، إلى الانسحاب من مواقعها مما سمح للمحتجين بالعودة إلى مواقعهم في ساحتي البريد المركزي وموريس أودان، والتعبير عن رفضهم المطلق لـ”الباءات الأربعة”، وعلى رأسهم الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح.
وكان الرئيس الانتقالي الجديد، قد أعلن في خطاب له مساء الثلاثاء، عن شروعه في “مشاورات سياسية مع الأحزاب والمجتمع المدني وقوى الحراك الشعبي، من أجل إطلاق لجنة وطنية ذات سيادة لتنظيم الانتخابات الرئاسية القادمة “، وهو العرض الذي وصفه رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية محسن بلعباس بـ”المناورة” وبـ”الكذبة الجديدة للسلطة”.
وتحدث محسن بلعباس عما أسماه بـ”المسار المريب لعبدالقادر بن صالح في السلطة، وإشرافه لعقود على التزوير والسطو على إرادة الشعب في مختلف الاستحقاقات الانتخابية، فقد قضى جل مسيرته المهنية في الهيئات النيابية، وهو أمر يتنافى مع أدبيات الممارسة الديمقراطية”.
وتحدث الوالي (المحافظ) السابق لولاية (محافظة) وهران بشير فريك عن “فرض جهاز الاستخبارات السابق لعبدالقادر بن صالح، في صدارة لائحة مترشحي حزب التجمع الوطني الديمقراطي في الانتخابات التشريعية لعام 1997، رغم أنه ليس أصيل الولاية، وأن المدير السابق للجهاز المنحل الجنرال محمد مدين (توفيق)، اتصل به شخصيا لوضعه على رأس القائمة حينئذ”.
ويمثل اصطفاف الرجل الأول في المؤسسة العسكرية، إلى جانب السلطة الانتقالية الجديدة، تحولا لافتا في مسار الحراك الشعبي، ولا يستبعد أن ينضم الجنرال القوي، ومعاونوه في المؤسسة إلى لائحة المغضوب عليهم لدى الشارع، وهو ما يفاقم حالة التعقيد في البلاد.
ويشن ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي، حملة تعبئة قوية من أجل الاستمرار في التظاهر والتجند خاصة نهار غد الجمعة، للتأكيد على رفض موروث عبدالعزيز بوتفليقة الذي يريد الاستحواذ على المرحلة الانتقالية، والالتفاف على مطالب الشارع، لاسيما بعد عدم التزام الجيش بوعوده السابقة.
وحاول الجنرال قايد صالح في كلمته، تقديم ضمانات للشارع بالسهر على مرافقة المرحلة الانتقالية لتحقيق طموحات الحراك الشعبي، من خلال ضمان انتخابات رئاسية نزيهة وشفافة، في إطار المبادئ الدستورية، وحذر من مغبة الذهاب إلى فراغ دستوري أو مؤسساتي.
حديث عن مسار مريب لبن صالح في السلطة، وإشرافه لعقود على التزوير والسطو على إرادة الشعب في مختلف الانتخابات
وشدد على أن الجيش يسهر على محاربة من وصفها بـ”العصابة التي استولت على مقدرات البلاد”، وأن “القضاء سيحاسب الجميع، (وسيعيد فتح ملفات) بما فيها إعادة فتح ملفات سوناطراك والطريق السيارة ومجمع الخليفة”.
ويصر رئيس حزب الاتحاد الوطني الديمقراطي (غير معتمد) كريم طابو، في تصريحات صحافية، على أن “الأزمة سياسية وتتطلب حلولا سياسية، وأن الدستور تجاوزه الزمن بما فيه البند 102، لأن السلط المتعاقبة هي التي أمعنت في اختراق الدستور، خاصة الرئيس السابق بوتفليقة، الذي عدله ثلاث مرات في 20 سنة”.
وعاد قائد الجيش إلى نظرية المؤامرة، من خلال اتهام “أطراف خارجية بمحاولة توجيه الحراك لصالح توجهاتها، عبر الدفع بأعوانها إلى الواجهة للتموقع الجيد في المشهد الجديد”، وحذر من التحديات الاجتماعية والاقتصادية المطروحة، والتي تتطلب -حسب رأيه– “التصرف بعقلانية ورزانة”.
وأضاف “أود أن أجدد التذكير بأنني قد التزمت شخصيًا بدعم الشعب في هذه المرحلة الهامة، والوقوف إلى جانبه، رغم ظهور بعض الأصوات الناعقة في الداخل والخارج، ممن يزعجهم التلاحم القوي بين الشعب وجيشه “، وهو ما يطرح إمكانية تعرض قيادة الجيش إلى ضغوط خارجية.