بروكسل تسعف تيريزا ماي بمهلة جديدة لتجاوز مأزق بريكست
تمكنت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي من إقناع الأوروبيين بتمديد مهلة بريكست مرة ثانية لمساعدتها في تجاوز مأزق التصويت على الاتفاق في مجلس العموم البريطاني الذي رفض الاتفاق ثلاث مرات. ويرى متابعون أن مخاوف الاتحاد الأوروبي من تداعيات بريكست دون اتفاق لا تقل عن مخاوف لندن، وهو ما يفسّر القبول بمهلة إضافية.
بروكسل – عقد قادة الاتحاد الأوروبي الـ27 قمة استثنائية الأربعاء في بروكسل وافقوا خلالها على إرجاء جديد لبريكست مرفق بشروط، في محاولة لتجنب انفصال دون اتفاق تكون تداعياته كارثية على الطرفين.
وقبل التوصل إلى قرار بشأن الإرجاء، طلب قادة دول الاتحاد الأوروبي الـ27 إيضاحات من ماي حول نقطتين: الأولى هي تقدّم المحادثات مع معارضة حزب العمال من أجل التوصل إلى تسوية تسمح بتحقيق غالبية في مجلس العموم، والثانية هي إجابة صادقة حول ما إذا كانت لندن ستشارك في الانتخابات الأوروبية.
وقالت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إنها تسعى لأي تأجيل خاص بخروج المملكة من الاتحاد الأوروبي، من شأنه تمكين بريطانيا من مغادرة التكتل حالما تصدق على اتفاق الخروج، وهو ما لا ترفضه بروكسل.
وقالت ماي “المهم هو أن يمكننا أي تمديد من الخروج في المرحلة التي نصادق فيها على اتفاق الانسحاب. وبالتالي يمكننا المغادرة في 22 مايو وبدء بناء مستقبلنا الأكثر ازدهارا”.
وذكّر رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، بموقف الاتحاد الأوروبي في رسالة الدعوة إلى القمة، وهو أن المملكة المتحدة لا يمكن أن تبقى في الاتحاد الأوروبي إذا لم تشارك في الانتخابات الأوروبية.
وإذا بقي البريطانيون في الاتحاد الأوروبي حتى موعد الانتخابات الأوروبية، ولم يقروا اتفاقا بحلول 22 مايو، عليهم احترام التزامهم بتنظيم انتخابات وإلا فسينفذ بريكست في 1 يونيو.
ويرى توسك أن “لا أسباب قوية للاعتقاد بأن عملية المصادقة يمكن أن تنتهي بحلول نهاية يونيو”. وتخوفا من “بريكست دون اتفاق” وحرصا منه على تجنب “قمم متكررة حول بريكست”، اقترح توسك “تمديدا مرنا لا يستغرق إلا الوقت اللازم وليس أكثر من سنة”، لكن يمكن وقف هذا الأمر حين تتم المصادقة على اتفاق الانسحاب من قبل الطرفين.
والأربعاء، أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي التقت تيريزا ماي الثلاثاء، أنها تفضل إرجاء بريكست إلى ما بعد 30 يونيو، فيما قالت أوساط الإليزيه إن فرنسا التي تتصدر معسكر مؤيدي اعتماد أكبر حزم ممكن، “لا تعارض إرجاء بريكست إنما مهلة سنة تبدو طويلة جدا”.
ورأى دبلوماسي أوروبي أن “كلا الخيارين، إرجاء ممدد أو محدود، لهما إيجابيات وسلبيات، نحن في منطقة رمادية”.
وقال الإليزيه الثلاثاء إن فرنسا “ستكون حازمة جدا، وكلما طالت مهلة الإرجاء تطلب الأمر أن تكون الضمانات أكثر جدية” بأن عمل الاتحاد الأوروبي لن يتأثر.
وستكون الأشهر المقبلة حساسة، مع تشكيل مفوضية أوروبية جديدة في أعقاب الانتخابات، ومع المناقشات حول عدة ملفات مثل الميزانية المستقبلية على المدى البعيد للاتحاد الأوروبي.
وتبنى رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشال الأربعاء موقفا مماثلا لموقف باريس، وأكد في حديث مع إذاعة “أر تي أل” أنه “كلما طال الإرجاء، سيكون على الضمانات التي تقدمها بريطانيا من أجل حسن سير الاتحاد الأوروبي أن تكون أكثر جدية وحزما”.
ورأى دبلوماسي أوروبي أنه “توجد حقوق والتزامات تحددها الاتفاقات وتضمنها، لكن يمكن أيضا أن تضاف التزامات بشأن أداء المملكة المتحدة”.
ويتحدث خصوصا عن “تدبيرين وقائيين”، سيطلبان من لندن مع إرجاء طويل لبريكست، وهما الموافقة على اجتماع الدول الـ27 دون المملكة المتحدة، وعدم عرقلة أي قرار تأخذه الدول الـ27، أي التنازل عن استخدام حق النقض أو المشاركة في تعطيل تقوم به أقلية.
وفي بيان نشر الأربعاء، طلب البرلمان الأوروبي أن يكون الإرجاء الذي يمنحه الاتحاد الأوروبي لبريطانيا، “مؤطرا بشكل يسمح باحترام مبدأ التعاون الصريح، وعدم السماح بأي حالة بإعادة فتح ملف اتفاق الخروج أو فتح المفاوضات بشأن العلاقات المستقبلية”.
وتواصل الحكومة البريطانية محادثاتها مع المعارضة على أمل التوصل إلى تسوية حول خطة الخروج من الاتحاد الأوروبي يقبلها البرلمان.
وأثارت هذه اليد الممدودة لحزب العمال غضب المشككين في الاتحاد الأوروبي الذين يخشون من أن تتجه الحكومة إلى اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما يطالب به حزب العمال، لكنه يمنع لندن من اعتماد سياسة تجارية مستقلة بعد بريكست. وهذه المحادثات لم تؤد إلى نتيجة حتى الآن حيث يأخذ زعيم حزب العمال جيريمي كوربن على الحكومة رفضها “أن تبتعد عن هذه الخطوط الحمر الأساسية”.
ولتجنب خروج بريطانيا دون “اتفاق” -وهو ما تخشاه الأوساط الاقتصادية- صادق مجلس اللوردات مساء الاثنين على مشروع قانون للنواب يهدف إلى إرغام رئيسة الحكومة قانونيا على إرجاء بريكست.
وتتضمن خطة حزب العمال اتحادا جمركيا دائما بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، والاندماج في السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي، فيما يدفع العديد من نواب حزب المحافظين المؤيدين للاتحاد الأوروبي باتجاه خروج “سلس” من التكتل. وإذا تم التوصل إلى اتفاق، فسيتم دمجه في إعلان سياسي حول العلاقة المستقبلية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، والذي يصاحب اتفاق الانسحاب.
ورفض البرلمان البريطاني ثلاث مرات الاتفاق الذي توصلت إليه ماي مع بروكسل التي أبدت نفاد صبرها.
وكان من المقرر أن تخرج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في التاسع والعشرين من مارس. إلا أن ماي حصلت خلال قمة أوروبية عقدت في 21 و22 مارس على إرجاء القرار حتى الثاني عشر من أبريل الجاري، في حال لم يتم إقرار اتفاق الطلاق، وحتى الثاني والعشرين من مايو في حال تمت الموافقة على الاتفاق في مجلس العموم.