انتخابات أوروبا: الانقسام يقلص حظوظ الشعبويين رغم تنامي شعبيتهم

في ضوء التوقعات التي تشير إلى أن أكبر كتلتين سياسيتين ستخسران أغلبيتهما المشتركة في انتخابات البرلمان الأوروبي المزمع عقدها في 26 مايو القادم، يأمل اليمين المتطرف في تشكيل تحالف من المعارضين والمشككين في الوحدة الأوروبية للفوز بما يكفي من المقاعد في المجلس لتعطيل التشريعات أو تأييدها.

وتربط بين قيادات اليمين المتطرف أهداف عقائدية عامة تتمثل في الحد من المسار الليبرالي الواضح الذي يسير فيه الاتحاد الأوروبي وإعادة زمام السلطة إلى عواصم الدول الأعضاء.

وفي كثير من الدول الأعضاء ازداد التأييد للقوميين المشككين في الوحدة الأوروبية بسبب الاستياء العام من بطء النمو الاقتصادي والتهديدات الأمنية التي يمثلها متشددون إسلاميون ورد الفعل المعارض للهجرة عبر حدود مفتوحة في أوروبا.

يورغ مويتن: لدينا مواقف متشابهة في سياسة الهجرة، إنما مختلفة جدا في المجالات الأخرى
يورغ مويتن: لدينا مواقف متشابهة في سياسة الهجرة، إنما مختلفة جدا في المجالات الأخرى

وتشير التوقعات إلى ارتفاع عدد مقاعد كتلة أوروبا الشعوب والحرية التي تنتمي إليها الأحزاب اليمينية المتطرفة من 37 إلى 61 مقعدا مع الصعود المنتظر لحزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبن وحزب الحرية النمساوي.

ويتوقع مراقبون اشتداد الغموض السياسي بعد انتخابات 26 مايو التي سيتم فيها اختيار أعضاء البرلمان الأوروبي البالغ عددهم 705 أعضاء أو 751 عضوا إذا فشلت بريطانيا في الخروج من الاتحاد الأوروبي.

وتبدأ الحركات الشعبوية الأوروبية حملتها الانتخابية مدعومة بشعبية قوية واستطلاعات للرأي مؤاتية، لكنها تجد صعوبة في تخطي انقساماتها وتبعات مأزق بريكست.

وتفتتح الحملة السبت بتجمع ينظمه حزب البديل لألمانيا بعد دخوله المدوي إلى الساحة السياسية الألمانية عام 2015، حيث يسعى الحزب إلى تثبيت هذا الاختراق في ظل استطلاعات للرأي تمنحه 10 بالمئة من نوايا التصويت، ولو أن هذه النسبة في تراجع منذ بضعة أشهر. ورغم الفضائح المالية التي طالته، لا يزال الحزب يحظى بشعبية، مستغلا المخاوف الناجمة عن قرار المستشارة أنجيلا ميركل فتح الحدود في العام 2015 أمام أكثر من مليون طالب لجوء.

وبعد يومين في ميلانو، يجمع وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني زعيم حزب الرابطة الذي تتوقع استطلاعات الرأي نيله أكثر من 30 بالمئة من الأصوات، حلفاء أوروبيين، سعيا لوضع أسس كتلة كبرى في البرلمان الأوروبي المقبل يمكنها التأثير على قرارات المفوضية الأوروبية.

وتعتزم الرابطة العضو في كتلة أوروبا الأمم والحريات، مد اليد خصوصا لحزب الفنلنديين الحقيقيين والحزب الشعبوي الدنماركي، وهما حاليا في كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين.

وقال ماركو تساني مستشار سالفيني للشؤون الخارجية “فكرتنا هي التلاحم، لتكوين تكتل جديد يعكس بصورة أفضل الآراء المشككة في الوحدة الأوروبية التي تجمعنا، والوقت الحالي هو فرصتنا لتوحيد صفوفنا دفعة واحدة”.

وسيشارك يورغ مويتن الذي يتصدر لائحة البديل لألمانيا في تجمع ميلانو فيما تغيب عنه رئيسة التجمع الوطني الفرنسي مارين لوبن التي تأمل في الحلول في طليعة النتائج الانتخابية في فرنسا في 26 مايو.

ورغم أوجه الشبه الواضحة، مثل التشكيك في جدوى أوروبا ومعاداة الإسلام، فإن وحدة الصف ليست بالأمر اليسير بين هذه الحركات.

ولفت مويتن إلى أن هذه الأحزاب الموزعة بين الدول الأوروبية “لديها مواقف متماثلة أو متشابهة في سياسة الهجرة، إنما مختلفة جدا في المجالات الأخرى”.

Thumbnail

والفارق شاسع مثلا بين البديل لألمانيا المؤيد لاقتصاد السوق، والتجمع الوطني الداعي إلى اتباع السياسات الحمائية، والرابطة وفيديس المجري الأكثر ليبرالية بكثير. كما أن الرابطة وحزب العدالة والقانون البولندي يتمسكان بجذور أوروبا المسيحية، في حين أن التجمع الوطني لا يجعل منها أولوية مناديا بالعلمانية.

وحتى في سياسة الهجرة، ثمة انقسامات عميقة بين الرابطة المؤيد لتوزيع طالبي اللجوء على دول أوروبا، والتجمع الوطني والبديل لألمانيا المعارضين لذلك. وهذا ما يدفع كلا من هذه الأحزاب والتيارات إلى السعي لكسب حلفاء جدد لتعزيز كتلته الخاصة.

وأدرك المحافظون في الحزب الشعبي الأوروبي هذا الأمر، وهذا ما جعلهم يعلقون عضوية رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان دون الوصول إلى حد استبعاده رغم استفزازاته المتكررة، حتى لا ينتقل إلى تعزيز صفوف إحدى كتل التيار السيادي. وإن كانت أحجام الكتل قد تتبدل قليلا في البرلمان الأوروبي، فمن المستبعد حصول تسونامي حذر منه العديد من المراقبين لفترة طويلة.

وتشير توقعات عرضها البرلمان الأوروبي في فبراير بناء على استطلاعات للرأي وطنية، إلى أن نتائج التيار السيادي الإجمالية ستمثل خمس البرلمان، أي ما يقارب نسبة البرلمانيين المتوقعة. كما أن مأزق بريكست بما يرافقه من فوضى وغموض، له مفعول رادع لأي دعوات إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي.

وبات العديد من السياديين يمتنعون عن المطالبة بالانفصال، وأبرزهم مارين لوبن التي تخلت عن الحديث عن “فريكسيت”، لكن سفين هاتن الخبير السياسي في جامعة برلين الحرة حذر من استخلاص العبر بشكل متسرع، معتبرا أن الدعوات إلى الخروج من أوروبا قد تطرح مجددا في المستقبل. ولفت إلى أن صعوبات بريكست قد تستخدم “لتعزيز الشعور بأن الاتحاد الأوروبي لا يحترم إرادة الدول ولا الناخبين”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: