البرلمان الموالي لبوتفليقة يتمرّد على إرادة الجيش والشارع
تجاوزت السلطة خيارات الحراك الشعبي، ومعه المؤسسة العسكرية، عبر تنصيب عبدالقادر بن صالح، رئيسا انتقاليا في الجزائر لمدة ثلاثة أشهر، دون العودة إلى تفعيل البنود الدستورية التي تعيد الشرعية والسلطة التأسيسية للشعب.
ووضع خيار تجسيد البند 102 من الدستور دون سواه، المؤسسة العسكرية في حرج شديد أمام الحراك الشعبي، بعدما كانت قد التزمت بدعم مطالب الشارع، في تصريحات وبيانات سابقة لكل من وزارة الدفاع وقائد الأركان الجنرال أحمد قايد صالح.
وفيما باتت ردود فعل الحراك الشعبي والطبقة السياسية المعارضة مؤطرة بشكل آلي ضد توجهات السلطة، لاسيما المؤسسات الموروثة عن عهد الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، فإن الأنظار تتجه إلى موقف الجيش من قرار البرلمان، الذي تمرّد بشكل واضح على إرادة المؤسسة العسكرية.
ويترقب الجزائريون ردّة فعل المؤسسة العسكرية ومدى قدرتها على تنفيذ التزاماتها تجاه الحراك الشعبي، حيث سبق لقيادة أركان الجيش أن دعت إلى مرافقة تفعيل البند 102 مع البندين السابع والثامن من الدستور، اللذين يقران بأن “الشعب هو صاحب ومصدر الشرعية والسلطة التأسيسية”.
وخرج الآلاف من الطلبة في العديد من الجامعات الجزائرية في مسيرات غاضبة للتعبير عن رفضهم تنصيب رئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح، رئيسا انتقاليا للبلاد خلال الجلسة البرلمانية التي التأمت، أمس، بالعاصمة.
وبهذه الخطوة تكون السلطة قد استكملت تفعيل البند 102 من الدستور، رغم حالة الرفض الشعبي والسياسي، الذي طالب برحيل السلطة.
ولأول مرة منذ اندلاع أحداث الحراك الشعبي، استعملت قوات الأمن العنف وخراطيم المياه، لتفريق الآلاف من الطلبة الجامعيين بوسط العاصمة، وهي الخطوة التي أثارت مخاوف المراقبين من لجوء السلطة إلى قمع المتظاهرين.
وقاطعت الكتل النيابية البرلمانية المعارضة جلسة تنصيب بن صالح رئيسا انتقاليا، بينما اختارت كتلة الأحرار وجبهة المستقبل الانسحاب في آخر لحظة، للتعبير عن رفضهما الخطوة التي وصفت بالصادمة والاستفزازية.
وأثارت خطوة تولي بن صالح للرئاسة الانتقالية في البلاد، ردود فعل توحي بتصعيد شديد في مواقف الحراك الشعبي، حيث أعلن التنظيم النقابي للقوى المنتجة عن الدخول في إضراب شامل في البلاد، ليضاف بذلك إلى إضراب مرتقب، الأربعاء، يشمل مختلف القطاعات الحكومية.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية عبدالحق بن سعدي بأن “تنصيب بن صالح رئيسا انتقاليا كان خيارا منتظرا من السلطة وهو خيار شكلي ولا يمثل مخرجا للأزمة، وإنما مناورة لتكريس استمرار السلطة المرفوضة شعبيا”.
وأضاف عبدالحق في تصريح لـ”أخبارنا الجالية ” أن المطلوب الآن من الحراك الشعبي هو الثبات والاستمرار، والتصعيد في فعالياته ولهجته من أجل الضغط أكثر على السلطة، التي لا تترد في التحايل والالتفاف على المطالب المرفوعة منذ الثاني والعشرين من شهر فبراير الماضي.
ودعا ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي، إلى ضرورة الذهاب إلى خطوات تصعيدية جديدة، من أجل رحيل السلطة وتجسيد المطالب السياسية على أرض الواقع، مع الحفاظ على الطابع السلمي وعدم التفاعل مع الاستفزازات الممكنة من طرف قوات الأمن، وحتى ما بات يعرف بـ”جيوب الثورة المضادة”.
ولاحظ مراقبون للشأن الجزائري أن السلطة تحاول منذ مطلع الأسبوع الجاري استعادة المبادرة وفرض نوع من التحكم في الشارع، عبر قمع الوقفات والمسيرات التي تتم خلال أيام الأسبوع، كما جرى أمس في وسط العاصمة، حيث أخلت قوات الأمن ساحات وشوارع من المتظاهرين الطلبة بالعنف واستعمال خراطيم المياه.
واعتبر بن سعدي أن “السلطة تحاول استعادة المبادرة عبر التحكم في الفضاء العام، من خلال الترويج لحصر المسيرات الشعبية، خلال الجمعة فقط، وهو ما يتوجب على الحراك الشعبي أن يقابله بالطابع السلمي والهادئ، لأن الحكومة افتقدت لمسوغات وذرائع استعمال العنف”.