الشارع الجزائري يرفض المؤسسة العسكرية كبديل لنظام بوتفليقة
حملت المليونية السابعة من الحراك الشعبي في الجزائر، رسائل جديدة ترفض نوايا غير معلنة لتفويض المؤسسة العسكرية كبديل لنظام الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، من خلال شعارات رفعت لأول مرة تشدد على أن “الشعب هو القائد” و”الشعب هو وزير الدفاع الوطني”، ردا على بعض الدوائر السياسية والإعلامية التي تدفع بالجيش لاستنساخ النموذج المصري في 2011.
وأثبتت المسيرات الشعبية الضخمة التي عاشتها العاصمة الجزائرية والمدن الكبرى، ومختلف محافظات الجمهورية، عدم اكتفاء الشارع الجزائري بتنحي بوتفليقة، وشدد على رحيل كل رموز السلطة، وعلى رأسها الحكومة والبرلمان والمجلس الدستوري ومختلف التنظيمات والنقابات الموالية للسلطة.
ولا يزال الجدل قائما حول دور المؤسسة العسكرية في مستقبل البلاد، بين المشككين في نوايا قيادة الأركان من خلال حملة التماهي مع مطالب الشارع، من أجل ضمان التموقع الجيد في المستقبل القريب، وإعادة رسم صورة نظام لا يخرج عن تقاليد المؤسسة في صلاحية اختيار القادة السياسيين.
وواصلت قيادة الجيش تفكيك بنية محيط الرئيس المستقيل من خلال الإعلان، الجمعة، عن إقالة منسق المصالح الأمنية الجنرال بشير طرطاق (عثمان)، على اعتبار أنه كان منذ 2015، بمثابة الذراع الأمنية للسلطة.
وأفادت مصادر محسوبة على قيادة الجيش بأن المؤسسة العسكرية قررت انتزاع المصالح الأمنية من مؤسسة الرئاسة، وإرجاعها إلى مكانها الأصلي كواحدة من المديريات التابعة للقيادة العسكرية، وأن كل فرد عسكري يخضع بصفة آلية لها وليس لأي جهة أخرى.
واعتبر رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي محسن بلعباس أن قائد الجيش “الجنرال قايد صالح، هو جزء من النظام (وهو) معني بمطلب الرحيل، لأنه هو من وفر الحماية والرعاية لنظام بوتفليقة منذ العام 2004، وأن المخاوف من التفاف العسكر على الحراك تبقى قائمة، قياسا بقدرة المؤسسة على التغلغل التدريجي وتوجيهه لصالح مقاربة معينة”.
ولكن في المقابل هناك من يقف على النقيض، استنادا إلى ما يعتبره حفاظا على المؤسسة، كونها الضامن الأساسي لاستمرار وحصانة الدولة، ولا تمانع في أداء الجيش لدور المرافق للشعب من أجل تحقيق الانتقال السياسي السلس في البلاد.
ويرى الحقوقي والناشط السياسي مصطفى بوشاشي أن “موقف المؤسسة العسكرية يصب إلى حد الآن في صالح الحراك الشعبي، والخطوات التي قام بها (الجيش) حصنته من حماقات كانت محتملة من طرف نظام بوتفليقة، ولأنه لم تظهر أي نية لقيادة العسكر إلى حد الآن في الالتفاف على الهبة الشعبية، فإنه لا يمكن اتخاذ موقف سلبي تجاهه”.
وذهب رئيس حزب جيل جديد جيلالي سفيان، في حوار سابق إلى أن “المؤسسة العسكرية تملك مؤهلات المرافق المقبول شعبيا لتحقيق الانتقال السياسي، وأن الأحكام النمطية للجيوش في العالم الثالث، ليست قدرا محتوما على الجيش الجزائري، فأمامه فرصة دخول التاريخ لتمكين شعبه من المرور إلى جمهورية ثانية بأقل التكاليف ودون دم أو رصاص”.
ولا يزال الغموض يكتنف الاتهامات التي وجهها بيان سابق لوزارة الدفاع الوطني، إلى من وصفها بـ”العصابة”، التي عقدت اجتماعا سريا “مشبوها”، من أجل تنفيذ انقلاب أبيض عبر تقديم الرئيس السابق اليمين زروال، كقائد للمرحلة الانتقالية.
ونفت قيادات حزبية موالية لبوتفليقة، الأخبار المتداولة في بعض مواقع التواصل الاجتماعي، حول مشاركة المستشار سعيد بوتفليقة، ومنسق المصالح الأمنية بشير طرطاق، والمدير السابق لجهاز الاستخبارات محمد مدين، في اجتماع بحضور عمارة بن يونس، وعمار غول، ومعاذ بوشارب، وممثل عن حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وضباط من الاستخبارات الفرنسية.
ويرى متابعون لتطورات الوضع في الجزائر، أن استعادة المؤسسة العسكرية لجهاز الاستخبارات هي أكبر تفكيك ينفذه قايد صالح لبنية النظام السابق، من أجل قطع الطريق على أي محاولة من طرف ما يعرف بـ”الدولة العميقة”، لاستعادة المبادرة.
وتضاف هذه الخطوة إلى سلسلة الإيقافات والتحقيقات المفتوحة التي طالت الأذرع المالية لنظام بوتفليقة، وذلك بعد إيداع رجل الأعمال علي حداد السجن تحسبا لمحاكمته بعدة تهم، ومنع عدد منها من السفر وإخضاعها لتحقيقات معمقة، كما هو الشأن بالنسبة لمحي الدين طحكوت ورضا كونيناف ومحمد بعيري.