الجيش الجزائري في مواجهة الشارع
بدأ قادة الحراك الشعبي يستفيقون من نشوة النصر الذي تحقق باستقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ويطرحون الأسئلة بشأن المرحلة المقبلة وضمانات الانتقال الديمقراطي الذي يطالبون به، وهل سيكون الجيش وفيا لتعهداته أم أن قادته ركبوا موجة دعم الانتفاضة الواسعة وثقة الشارع لتأمين نفوذهم في المستقبل.
ويسود تخوف واسع من أن تتراجع مؤسسة الجيش عن تعهداتها بتأمين انتقال السلطة عبر انتخابات نزيهة وشفافة إلى جيل جديد من القيادات، وأن يكون ما حصل بمثابة انقلاب أبيض نجح من خلاله قائد الجيش، قايد صالح، في تحييد خصومه من محيط قصر المرادية.
وكان بيان قيادة هيئة أركان الجيش الذي سبق قرار استقالة بوتفليقة، مساء الثلاثاء، قد جهر بتحقيق مطالب الشارع الجزائري، وأعلن انحياز المؤسسة العسكرية لصالح الشعب، عبر تحقيق انتقال سياسي في البلاد، يبدأ بتجسيد البند 102 من الدستور، وينتهي بالبند السابع والثامن، الذي يقر بأن الشعب صاحب سيادة شرعية، ومصدر السلطة التأسيسية، مما يوحي بعدم تسليم مهام الرئاسة الانتقالية لعبدالقادر بن صالح، المرفوض شعبيا والمحسوب على نظام بوتفليقة.
وتسعى قيادات الحراك الشعبي، وكذلك رموز المعارضة، إلى تجنب التلميح أو التشكيك في ضمان الجيش لعملية الانتقال السياسي، خوفا من ردة فعل المؤسسة العسكرية الذي كان قويا في البيان الأخير إلى حدّ وصف محيط بوتفليقة بالعصابة.
ويقول متابعون للشأن الجزائري إن قيادة الجيش، التي لم تتوان في دعم خيار الشارع الجزائري في تحقيق التغيير الشامل والعميق في البلاد، تتعاطى بحذر مع مسألة الانتقال السياسي، تحاشيا لتوريطها في لعب دور سياسي بشكل مباشر، وهي التي تفضل التحرك من وراء الستار.
ويشير هؤلاء المتابعون إلى أن الجيش لا يثق كثيرا في وجود كفاءات جديدة من خارج المنظومة الحاكمة، والتي ارتبطت بالفساد بشكل واسع، يمكن أن يسلمها السلطة ويكتفي في مقابل ذلك بالتوجيه عن بعد. كما أن المؤسسة العسكرية تتخوف من أن تقود الانتخابات إلى ظهور كتل أو قيادات لا يمكن السيطرة عليها، ما يهدد نفوذ المؤسسة العسكرية.
وفيما أجمعت القوى السياسية وناشطون في المجتمع المدني وحتى فاعلون في الحراك الشعبي على الترحيب بدور الجيش في توجيه المشهد السياسي بهذا الشكل الذي انتهى إلى استقالة رأس السلطة، فإن المحاذير وردت من مختلف الدوائر لعدم الضلوع في الممارسة السياسية وتكرار تجربة تسعينات القرن الماضي، لمّا تدخل العسكر لوقف مسار انتخابي زج بالبلاد في حرب أهلية.
ويقلل محللون من سقف التفاؤل بشأن قدرة الجيش على تحقيق مطالب الشارع، حتى لو انحاز لها فعليا، مشيرين إلى أن قايد صالح وحلفه لا يمكنهما أن يواجها طبقة الفساد الواسع في الجزائر، وهي طبقة يتداخل فيها السياسي والاقتصادي والإعلامي، فضلا عن الارتباطات الخارجية.
ويقول المحللون إن الاحتجاجات نبعت من المحسوبية الممنهجة التي جعلت أشقاء الرئيس وأقطاب الأعمال وضباط المخابرات العسكرية السابقين يديرون الجزائر فعليا منذ إصابة بوتفليقة بجلطة دماغية عام 2013 وتواريه عن الأنظار إلى حد بعيد.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، وفي علامة على النهاية السياسية الوشيكة لبوتفليقة، صادرت السلطات جوازات سفر 12 رجل أعمال لهم صلات بمؤسسة الحكم ويخضعون للتحقيق في مزاعم فساد. وذكر تلفزيون النهار، الأربعاء، أن أحد هؤلاء، وهو علي حداد الموالي لبوتفليقة، جرى احتجازه.
وقال المحلل المستقل فريد فراحي “مجموعة بوتفليقة استولت على الدولة، لذلك الأولوية الأولى لأي شخص سيخلف بوتفليقة هي في حقيقة الأمر معاودة الاتصال بالملايين من المحتجين الذين خرجوا لأنهم لم يعودوا يثقون في النظام”.
ويذهب المحامي والناشط السياسي مصطفى بوشاشي إلى أن استقالة بوتفليقة لا تمثل إلا جزءا يسيرا من الأجندة التي عبر عنها الحراك الشعبي، وأن ضغط الشارع يتوجب عليه الاستمرار، لضمان تحييد كل الفلول أو الجيوب من العودة إلى المشهد السياسي.
وألمح في تصريح للصحافيين إلى أن “التجربتين المصرية والتونسية لا يمكن إسقاطهما على الراهن الجزائري، وأن استفادة الشعوب من بعضها البعض هي التي تمكنها من تجاوز المطبات التي أعادت السلط العميقة إلى مواقعها بعد سنوات فقط، بفضل سياسة الالتفاف والاختراق”.
ويعتزم ناشطون في الحراك الشعبي الخروج في مسيرة مليونية جديدة نهار غد الجمعة، للاحتفال برحيل رأس السلطة، وتجديد مطلب الرحيل الكلي والفوري لرموز النظام، بمن فيهم الحكومة الجديدة برئاسة نورالدين بدوي، والبرلمان بغرفتيه وحتى المجلس الدستوري نفسه.