أزمة بريكست: تيريزا ماي عاجزة والبرلمان فشل والوقت ينفد

تخاطر بريطانيا بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي دون اتفاق في 12 أبريل الجاري ما لم يحسم برلمانها اتفاق بريكست الذي توصلت اليه رئيسة الوزراء تيريزا ماي بشق الأنفس، فيما يرفض الاتحاد الأوروبي تقديم تنازلات إضافية بشأن الحدود الأيرلندية محل الجدل. ومن دون اتفاق تتجه المملكة المتحدة نحو فوضى عارمة رغم إجماع جلّ المتابعين بأنه مهما كان سيناريو الانفصال فإن البلاد تتجه نحو الأسوأ.

عقدت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي اجتماع أزمة مع كبار وزرائها الثلاثاء لمحاولة إيجاد مخرج للأزمة السياسية بشأن بريكست، فيما حذّر الاتحاد الأوروبي من تزايد مخاطر انسحاب لندن من التكتل بدون اتفاق الأسبوع المقبل.

وجمعت ماي وزراءها المنقسمين حول بريكست لمحاولة التوصل إلى اتفاق بشأن الخطوات المقبلة، بعدما فشل النواب الاثنين في الاتفاق على بديل لاتّفاقها مع بروكسل الذي رفضوه حتى الآن ثلاث مرات.

وحدّدت بروكسل لبريطانيا مهلة تنتهي في 12 أبريل لتمرير الاتفاق أو التوافق على بديل أو الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق.

ودفع ذلك نواب الصفوف الخلفية في مجلس العموم للتصويت على ثمانية خيارات بديلة بشأن بريكست، لكن دون أن يتفقوا على أي منها.

وتمت تصفيتها لتصبح أربعة خيارات هذا الأسبوع، لكن الأغلبية صوتت برفض جميعها مجددا.

وكانت النتائج أكثر تقاربا عندما شملت الاقتراحات التفاوض على اتحاد جمركي دائم مع الاتحاد الأوروبي، لكن حتى هذا الاقتراح هزم بفارق ثلاثة أصوات.

وحذّر كبير المفاوضين في ملف بريكست عن الاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه الثلاثاء من أن الأزمة في البرلمان تعني أن احتمال خروج بريطانيا من التكتل الأسبوع المقبل دون اتفاق ينظم العملية “يزداد يوماً بعد يوم”.

وقال بارنييه خلال جلسة عقدها مركز السياسات الأوروبية للأبحاث في بروكسل “إذا كانت لندن لا تزال ترغب بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي بشكل منظم فإن هذا الاتفاق هو الوحيد”، الذي سيكون بإمكان بريطانيا الحصول عليه. ودعا الاتحاد الأوروبي إلى عقد قمة طارئة في العاشر من أبريل للاتفاق على الخطوات المقبلة.

وألمح الوزير البريطاني المكلف بشؤون بريكست ستيف باركلي إلى أن الحكومة قد تعيد عرض اتفاق ماي هذا الأسبوع للتصويت عليه للمرة الرابعة وتجنّب تأخير بريكست بشكل إضافي، وهو أمر سيعني المشاركة في انتخابات البرلمان الأوروبي المرتقبة في مايو المقبل.

وقال باركلي “سيكون على الحكومة تقديم اقتراح ذي مصداقية للاتحاد الأوروبي من أجل ضمان الحصول على أي تمديد إضافي”، مضيفا “الخيار الوحيد هو إيجاد طريقة تسمح لبريطانيا بالخروج باتفاق”.

وصوّت 52 بالمئة من البريطانيين الذين شاركوا في استفتاء العام 2016 لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، لكن شابت العملية انقسامات بشأن شروط الانفصال وشكل العلاقات المستقبلية مع التكتل. وأجبرت الفوضى السياسية ماي على تأجيل خروج بريطانيا إلى ما بعد التاريخ الذي تم تحديده في الأساس في 29 مارس الماضي.

ورُفضت في جلسة تصويت الاثنين اقتراحات بشأن البقاء ضمن الاتحاد الجمركي التابع للتكتل وسوقه الموحدة. ولم يحصل كذلك التصويت على خطط لإجراء استفتاء ثان ومنع بريكست دون اتفاق على موافقة أغلبية النواب.

واستقال النائب نيك بولز الذي كان اقترح خطة للبقاء في كل من السوق الموحدة والاتحاد الجمركي من حزب ماي المحافظ بعد التصويت.

ميشال بارنييه: بريطانيا باتت قريبة على الأرجح من الخروج من الاتحاد دون اتفاق
ميشال بارنييه: بريطانيا باتت قريبة على الأرجح من الخروج من الاتحاد دون اتفاق

وقال بولز أمام البرلمان “بذلت كل ما في وسعي في محاولة للتوصل إلى توافق”، مضيفا ” فشلت بشكل رئيسي لأن حزبي يرفض المساومة، ولذا، يؤسفني أن أعلن أنه لم يعد بإمكاني تمثيل هذا الحزب”.

ويعتمد المحافظون على دعم الحزب الوحدوي الديمقراطي في أيرلندا الشمالية للإبقاء على غالبيتهم الضئيلة في البرلمان، والتي تراجعت بشكل إضافي مع استقالة بولز. لكن أستاذ السياسات الأوروبية في جامعة “كينغز كوليج” في لندن، قال إن عملية التصويت الأخيرة تعني أن اجتماع الحكومة الثلاثاء سيتسم “بالتفاؤل نسبيا”.

وأوضح كوليج “بإمكان الحكومة القول للبرلمان انظروا، منحناكم فرصتين للتوصل إلى حل ما، وفشلتم في كلتا المرتين. صوتوا لصالح اتفاق ماي وإلا فستواجهون الأسبوع القادم خطرا حقيقيا يتمثل في الخروج من التكتل دون اتفاق”.

وفي تعليقها على الأزمة، كتبت صحيفة ديلي ميل على صفحتها الأولى “مهزلة مع فشل مجلس العموم مجددا في الاتفاق على أي خطة بشأن بريكست”، بينما أشارت ديلي ميرور إلى “ليلة أخرى من الانقسام واليأس”.

وأخذت الخلافات في صفوف حزب المحافظين منحى جديدا، بعدما اتهم نائب معارض بشدة للاتحاد الأوروبي وزيرا بارزا بتقديم دعم سري لحملة لتعطيل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وزعم النائب مارك فرانسوا، الذي يدعم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، أن وزير الخزانة فيليب هاموند يدعم “محاولة انقلاب” ضد الشعب الذي صوّت لصالح الخروج من التكتل الأوروبي في استفتاء عام 2016.

وانتقد بعض نواب الحزب تصريح فرانسوا، إلا أن عضوا آخر، مؤيدا للخروج، كتب، على موقع تويتر، رسالة قوية مماثلة للسياسيين الذين يحاولون تعطيل خروج بريطانيا من الاتحاد أو إيجاد خيارات أخف.

وكتب هنري سميث ”يكفي هذا الهراء. الشعب البريطاني صوّت بأكبر أغلبية في استفتاء في تاريخ المملكة لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، فقط افعلوا هذا وانتقلوا إلى مستقبل أفضل”.

ويخشى معارضو الخروج من الاتحاد الأوروبي أن تجعل الخطوة بريطانيا أفقر وتؤدي إلى انقسام في الغرب، الذي يتعامل مع رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة وتصاعد نفوذ روسيا والصين.

ويرى مؤيدو الخروج أن الانسحاب ربما يجلب انعدام الاستقرار على المدى القصير لكنه سيسمح للمملكة المتحدة بالازدهار على المدى الطويل، مع انفصالها عما يصفونه بمحاولة محكوم عليها بالفشل لتحقيق وحدة أوروبية.

ويعارض المتشككون في أوروبا والحزب الديمقراطي الوحدوي الأيرلندي الشمالي، الذي دعم نوابه العشرة حكومة الأقلية البريطانية منذ يونيو 2017، بروتوكول “شبكة الأمان” الخاص بأيرلندا لضمان حدود أيرلندية مفتوحة في فترة ما بعد بريكست.

ويعارض هؤلاء “شبكة الأمان” التي يفترض أن تتجنّب عودة حدود فعلية بين جمهورية أيرلندا وأيرلندا الشمالية، وتنص على أن تبقى بريطانيا في “وحدة جمركية” مع الاتحاد الأوروبي.

وأصدرت المفوضية الثلاثاء الماضي سلسلة من الكتيبات تخطر المواطنين، من بين أشياء أخرى، بأنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق، لن يعود بمقدور المسافرين إلى بريطانيا الاعتماد على برنامج تبادلي خاص بالرعاية الصحية على نطاق الاتحاد الأوروبي، ويمكن أن يتحمّلوا تكاليف خدمة التجوال التي تم إلغاؤها داخل التكتل.

وسيكون المسافرون عرضة لعمليات تفتيش جمركية وقيود إضافية عندما يسافرون مع حيواناتهم الأليفة وكذلك عمليات تأخير محتملة عند الحدود، غير أن زوّار الاتحاد الأوروبي يجب ألاّ يطلبوا تأشيرات إقامة لأقلّ من ثلاثة أشهر.

ونوّهت إلى أن الاتحاد الأوروبي سيضطر إلى تطبيق قواعده ورسومه عند حدوده في حال خرجت بريطانيا دون اتفاق من التكتل، الأمر الذي من المحتمل أن يتسبب في تأخر “ملحوظ” عند الحدود.

وأعدّت المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، سلسلة من خطط الطوارئ في حال الخروج دون اتفاق، للتخفيف من أثر حدوث بريكست غير منظم في مجالات تتراوح من النقل الجوي والبري والسكك الحديدية إلى الخدمات المالية والتبادل الطلابي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: