المهاجرون وسكان شرق ألمانيا ضحايا التمييز وعدم الاعتراف في البلاد
مواطنون من الدرجة الثانية” هكذا يرى بعض الألمان أنفسهم خاصة من سكان شرق البلاد ويشاركهم في هذا الشعور المهاجرون، وذلك لحصولهم في أغلب الأوقات على فرص عمل تكون براتب أقلّ ممّا يحصل عليه الألمان في غرب البلاد.
وبناء على ذلك يعتبر سكان شرق ألمانيا والمهاجرون أنه غير معترف بهم داخل المجتمع الألماني وأنهم يتعرضون إلى معاملة تمييزية في حقهم بموجبها لا يمنحون نفس الحقوق التي يتمتع بها سكان غرب البلاد، وهو ما ذكر في دراسة حديثة أنجزها المركز الألماني لأبحاث الاندماج والهجرة.
وبحسب الدراسة التي تحمل عنوان “التنافس على الاعتراف” والتي نشرت وكالة الأنباء الألمانية الثلاثاء البعض من المعطيات التي أوردتها، يتهم مواطنو غرب ألمانيا كلا الفئتين بتصوير أنفسهم على أنهم ضحايا وبأنهم غير مواكبين لألمانيا اليوم.
الحكومة الألمانية الاتحادية حاولت بإمكانياتها احتواء الأزمات المنبثقة عن رفض الأجانب ومعاداتهم والتمييز بكل أشكاله من خلال نشاط الهيئة الاتحادية لمكافحة التمييز، فيما عمدت البعض من الحكومات المحليّة إلى التركيز على محاربة التمييز
وذكرت الدراسة أن “مواطني غرب ألمانيا لا يعترفون بوضع مواطني شرق البلاد بناء على المقارنة: إنهم يتجاهلون بذلك جراح إعادة التوحيد”. وتوصل خبراء المركز إلى نتيجة مفادها أن الأفراد المنحدرين من أصول مهاجرة ومواطني شرق ألمانيا يعانون، إلى جانب المساوئ الهيكلية مثل انخفاض مستويات الأجور أو ارتفاع نسبة البطالة، من “التقليل من قيمتهم الاجتماعية والثقافية والمتعلقة بالهوية”.
وتعدّ هذه الدراسة جزءا من سلسلة دراسات متعلقة بسكان شرق ألمانيا والمهاجرين، والتي شملت أكثر من 7200 شخص، وتم استطلاع آرائهم عبر الهاتف. وتتعزز فكرة التمييز هنا التي تقسم المجتمع الألماني بمعطيات أخرى تؤكد زيادة ملحوظة في طلبات المشورة، التي وردت خلال العام الماضي على مركز مكافحة التمييز بألمانيا وهو هيئة مستقلة علن الحكومة الاتحادية.
وتزامن الكشف عن نتائج الدراسة التي تشير إلى غياب المساواة والأفضلية التي يحظى بها سكان غرب ألمانيا على حساب غيرهم من سكان شرق ألمانيا والمهاجرين، مع تقديم التقرير السنوي للمركز الذي أكد ارتفاع طلبات المشورة بنسبة 15 بالمئة تقريبا في 2018 مقارنة بالعام السابق. وتلقى مركز مكافحة التمييز 3455 طلب مشورة خلال العام الماضي بخصوص سمات تمييز مختلفة. وتشمل سمات التمييز: العمر أو الإعاقة أو الأصل العرقي أو النوع أو التوجه الجنسي أو الديانة أو العقيدة.
وقال رئيس المركز، برنهارد فرانكه، “نطاق حالات المشورة وتطوّرها يظهر أن هناك مشكلة في مسار الحياة اليومية”. وأغلب طلبات المشورة، وفق التقرير السنوي لمركز مكافحة التمييز، كانت بخصوص سمات الأصل العرقي وصفات عنصرية، حيث بلغت نسبتها 31 بالمئة. وتلتها الطلبات بشأن النوع بنسبة 29 بالمئة، ثم الإعاقة بنسبة 26 بالمئة، والعمر بنسبة 14 بالمئة، والديانة بنسبة 7 بالمئة والهوية الجنسية بنسبة 5 بالمئة والعقيدة بنسبة 2 بالمئة.
وأشار المركز إلى أن أكثر من ثلث طلبات المشورة كانت ذات صلة بتمييز في الحياة المهنية، ويندرج ضمن ذلك مثلا تهميش الحوامل في العمل وتهميش الأشخاص الباحثين عن عمل من أصول مهاجرة أو عدم المساواة في الأجور. وجاء في تقرير المركز أن زيادة عدد الشكاوى من التحرش الجنسي تعدّ لافتة إلى الأنظار.
مع استقبال ألمانيا لأعداد كبيرة من المهاجرين تقارب المليون مهاجر خاصة من دول الشرق الأوسط بسبب ما تعرفه المنطقة من أزمات وصراعات بداية ازدادت عنفا خلال السنوات الأخيرة، تنامت في ألمانيا مشاعر الخوف من الأجانب لتكون محرّكا لظهور ممارسات عنصرية داخل المجتمع في مناطق مختلفة من البلاد.
وشهدت ألمانيا خروج تظاهرات مناهضة للمهاجرين تزامنت مع صعود قوى وتيارات اليمين المتطرف في البلاد. وفي رد على العنصرية ومعاداة المهاجرين نظمت احتجاجات شارك فيها الآلاف من الرافضين للعنصرية والأفكار اليمينية المتطرفة، ويدعون إلى مجتمع ألماني متسامح تتعايش فيه الثقافات المختلفة بكل سلم ووئام. ونادى المتظاهرون المناهضون للعنصرية بشعارات من قبيل “ابنوا جسورا لا جدرانا” و”متحدون ضد العنصرية” و”متحدون من أجل مجتمع منفتح وحر”.
الحكومة الألمانية الاتحادية حاولت بإمكانياتها احتواء الأزمات المنبثقة عن رفض الأجانب ومعاداتهم والتمييز بكل أشكاله من خلال نشاط الهيئة الاتحادية لمكافحة التمييز، فيما عمدت البعض من الحكومات المحليّة إلى التركيز على محاربة التمييز في مواقعها الإلكترونية الرسمية بتقديم مفهومه وأشكال التصدي له وسبل التبليغ عن التعرض للتمييز على أي أساس كان، وهو ما لجأت إليه ولاية برلين على سبيل المثال. وذكرت صحيفة دي فيلت الألمانية أن كثيرا من الشباب المسلمين في أوروبا يقولون إن مواقفهم المعادية للسامية نابعة من محاولات تهميشهم والتمييز الذي يقع عليهم بسبب الإسلاموفوبيا.