البابا للمسيحيين في المغرب: دوركم التعايش وليس التبشير
ترأس البابا فرنسيس بابا الفاتيكان في الرباط الأحد قداسا ضخما يشارك فيه الآلاف من المصلّين، وذلك في اليوم الثاني من الزيارة الرسمية التي يقوم بها الحبر الأعظم إلى المغرب والتي يشكّل الحوار بين الأديان أحد محاورها الأساسية.
وشارك نحو 10 آلاف شخص في القداس الذي أقيم في المجمّع الرياضي مولاي عبدالله بالرباط. ويدين السواد الأعظم من المغاربة بالإسلام، وهناك أيضا أقليّة مغربية يهودية. ويمارس اليهود المغاربة والمسيحيون الأجانب شعائرهم الدينية بحريّة.
ويمثل المسيحيون الكاثوليك في المغرب، وعددهم 23 ألفا أغلبهم من الوافدين من أوروبا وخاصة فرنسا ومن المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، أقل من واحد بالمئة من سكان المغرب البالغ عددهم نحو 35 مليون نسمة.
وقال البابا فرنسيس للطائفة الكاثوليكية الصغيرة في المغرب الأحد إن دور أفرادها في تلك الدولة ليس السعي لإدخال جيرانهم في المسيحية بل في التعايش بأخوة مع الأديان الأخرى.
وقال البابا، في لقاء مع قيادات الطائفة الكاثوليكية في كاتدرائية الرباط، “المسيحيون أقلية صغيرة في هذا البلد. وفي رأيي أن تلك ليست مشكلة رغم أنني أدرك أن الأمر قد يكون صعبا على بعضكم في بعض الأوقات”. وكثيرا ما يوجه محافظون من الكاثوليك انتقادات لموقف البابا المناهض لبذل جهود منظمة لاستقطاب من يحتمل إدخالهم في المسيحية.حو 50 ألف مهاجر منذ 2014.
وقوبل البابا بالتصفيق عندما قال “الكنيسة تنمو لا بالتبشير بل بالاستمالة”. وأضاف “وهذا يا أصدقائي الأعزاء معناه أن مهمتنا كأفراد معمدين وقساوسة ورجال ونساء نذروا أنفسهم لا تتحدد في الواقع بعدد أو حجم المساحات التي نشغلها بل بقدرتنا على تحقيق التغيير وإيقاظ الدهشة والرحمة”.
وأضاف أن الكاثوليك مطالبون بأن يكونوا جزءا لا يتجزأ من الحوار بين الأديان في عالم “تمزقه سياسات التطرف والانقسام”. وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس في مقدّمة مستقبلي البابا فرنسيس أسفل سلم الطائرة عند وصوله إلى مطار الرباط سلا السبت. وتوجها في موكب نحو مسجد حسان التاريخي في العاصمة، حيث ألقيا خطابين وسط تصفيق الحاضرين الذين قدّرت السلطات عددهم بنحو 12 ألفا.
ودافع البابا في خطابه عن “حرية الضمير” و”الحرية الدينية”، داعيا إلى مجابهة “التعصّب والأصولية” بـ”تضامن” جميع المؤمنين. ومن جهته، جدّد العاهل المغربي التأكيد على أنه “المؤتمن على حماية اليهود المغاربة، والمسيحيين القادمين من الدول الأخرى، الذين يعيشون في المغرب”.
بات المغرب طريقا رئيسية لعبور المهاجرين من جنوب الصحراء نحو أوروبا. وتتبنى الرباط سياسة “إنسانية” في هذا الملفّ، إذ تمّت تسوية أوضاع نحو 50 ألف مهاجر منذ 2014
وقال الملك محمد السادس “لا يمكنني الحديث عن أرض الإسلام، وكأنه لا وجود هنا لغير المسلمين. فأنا الضامن لحرية ممارسة الديانات السماوية”. وزار البابا في فبراير الإمارات العربية المتحدة حيث وقّع مع شيخ الأزهر أحمد الطيّب “وثيقة من أجل الأخوّة الإنسانية”.
وعبّر البابا عن “سروره” بزيارة معهد تكوين الأئمة في الرباط، مشددا على “أهمية توفير تنشئة ملائمة للقادة الدينيين في المستقبل، إذا ما أردنا أن نعيد إحياء المعاني الدينية الحقيقية في قلوب الأجيال الصاعدة”. ومن ناحيته، شدد العاهل المغربي على ضرورة إيلاء الدين الأهمية التي يستحقها في مجال التربية، معتبرا أن مواجهة التطرف تكون بالتربية وليس بالعسكر أو المال.
وقال الناطق باسم البابا أليساندرو جيزوتي “إنّها المرة الأولى التي يُستقبل فيها البابا في معهد لتكوين الأئمة، إنّه حدث له دلالات كبرى”. والتقى البابا بعد ذلك مهاجرين في مركز جمعية “كاريتاس″ الكاثوليكية الخيرية، حيث شدّد على “حقّ أي إنسان في ضمان مستقبله”، ودعا إلى “تشجيع مسارات تسوية الأوضاع الاستثنائية”، مندّدا بـ”أشكال الترحيل الجماعية”.
وقال جيسون هورويتز رئيس مكتب “نيويورك تايمز” بروما، في مقال نشرته الصحيفة الأميركية السبت إن “البابا فرنسيس دعا إلى إصلاح الجرح الكبير والعميق الذي فتحته أزمة الهجرة أثناء زيارته إلى المغرب”.
وأفاد هورويتز بأنه بعد سنوات من انفجار أزمة هجرة زعزعت استقرار أوروبا، ووفرت علفا للسياسيين المتشددين الذين وصلوا إلى أعلى مراتب السلطة في جميع أنحاء القارة، ظهر توافق في الآراء المناهضة والسياسات المتشددة التي قد تصل إلى إغلاق الحدود في وجه اللاجئين. وبات المغرب طريقا رئيسية لعبور المهاجرين من جنوب الصحراء نحو أوروبا. وتتبنى الرباط سياسة “إنسانية” في هذا الملفّ، إذ تمّت تسوية أوضاع نحو 50 ألف مهاجر منذ 2014.