قمة تونس تبعث رسائل حازمة ضد التدخلات الخارجية
أرسلت قمة تونس إشارات واضحة تؤكد أن المرحلة القادمة سيكون هدفها الرئيسي السعي لمواجهة التدخلات الخارجية، الإقليمية والدولية، في مختلف القضايا العربية سواء ما تعلق بمحاولة الولايات المتحدة فرض رؤيتها كأمر واقع في القدس أو الجولان، أو بتدخلات إيران وتركيا في الدول العربية التي فاقمت الأزمات.
وتضمنت كلمات القادة والزعماء العرب دعوات صريحة إلى مغادرة مربع الانتظار والبدء بصياغة رؤية عربية موحدة لمواجهة التدخلات الخارجية وفق آليات واضحة، ما يعكس رغبة جماعية في أن تدفع القمة بمُخرجاتها وقراراتها السياسية والاقتصادية والأمنية، نحو انعطافة جديدة.
وبدا واضحا أن هذه الانعطافة التي بدأت ملامحها تتبلور تدريجيا، باختيار عنوان لها “العزم والتضامن”، لم تفرضها الضرورة السياسية فحسب، وإنما أيضا التحديات الاقتصادية، والمخاطر الأمنية التي تتعدد فيها التهديدات، سواء تلك التي تُشكلها ظاهرة الإرهاب أو تلك المُرتبطة بالتدخلات الأجنبية.
وليست مصادفة أن تتبلور ملامح تلك الانعطافة في قمة تونس، التي اختارت مسارات العزم والتضامن في معالجة القضايا العربية الضاغطة، والتحديات الماثلة للوصول إلى تطابق في الآراء والمواقف، على قاعدة المصالح المشتركة، التي تستدعي تعزيز التعاون في مختلف المجالات كالتجارة والاستثمارات وتنظيم الهجرة والأمن ومشكلة تغيّر المناخ.
ولم يتردد الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في اقتراح شعار “العزم والتضامن”، على هذه القمة التي تسلم رئاستها الأحد، رسميا، من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، خلال الجلسة الافتتاحية لأعمالها.
وقال قائد السبسي في كلمته، إنه “من غير المقبول أن تستمر المنطقة العربية في صدارة مؤشرات بؤر التوتر واللاجئين والمآسي الإنسانية والإرهاب وتعطّل التنمية، وأن تُدار قضايانا العربية المرتبطة مباشرة بالأمن القومي، خارج أطر العمل العربي المشترك”.
وشدد في هذا السياق على أنه “لا خيار للدول العربية غير التآزر وتعزيز الثقة والتعاون بينها”، لافتا إلى أن الوطن العربي “لا تعوزه آليات العمل المشترك ولا عناصر الوحدة والتكامل”.
وشكلت دعوة الرئيس قائد السبسي إلى “وقفة متأنية وحازمة لتحديد أسباب الوهن، ومواطن الخلل في العمل العربي المشترك”، أحد أبرز تلك المؤشرات التي تدفع إلى تلك الانعطافة، لاسيما وأنه كان واضحا عندما أكد أن بلورة مقاربات لمعالجة جميع المخاطر والتحديات التي تواجهها المنطقة، أصبحت “حاجة ملحة لا تنتظر التأجيل”.
ولم يكتف بذلك، وإنما أكد أيضا على ضرورة “العمل على استعادة المبادرة والأخذ بزمام الأمور بأيدينا، وهو ما يقتضي تنقية الأجواء العربية، لأنه لا خيار اليوم غير التآزر وتعزيز الثقة والتعاون”.
وعكس الموقف الجماعي الرافض لقرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخصوص القدس والجولان تحوّلا عمليا في الموقف العربي تجاه الأجندات الخارجية ككل، وليس فقط الملف الفلسطيني، وكانت كلمة العاهل السعودي الأكثر وضوحا حين أكد على مرجعية مبادرة السلام العربية في أي حل مستقبلي. وكذلك رفض المملكة “القاطع لأي إجراءات من شأنها المساس بالسيادة السورية على الجولان”، وأكد على “أهمية التوصل إلى حل سياسي”.
وطالب الملك سلمان بن عبدالعزيز “المجتمع الدولي بإلزام الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران بوقف ممارساتها العدوانية التي تسببت في معاناة الشعب اليمني وتهديد أمن واستقرار المنطقة”.
وقالت مصادر “أخبارنا الجالية ” في القمة إن قيادات عربية ركزت في المشاورات واللقاءات الثنائية على ضرورة التحرك لقطع الطريق أمام التدخلات الخارجية التي زادت في توسيع دائرة الخلافات وأربكت العمل العربي المشترك.
وكان الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط قد أشار بوضوح كامل إلى أن “التدخلات، من جيراننا في الإقليم، وبالأخص إيران وتركيا، فاقمت من تعقيد الأزمات وأدت إلى إطالتها، بل واستعصائها على الحل، ثم خلقت أزمات ومشكلات جديدة على هامش المعضلات الأصلية، لذلك فإننا نرفض كافة هذه التدخلات وما تحمله من أطماع ومخططات”.
وإثر كلمة أبوالغيط غادر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني جلسات القمة دون أن يلقي كلمته في خطوة فهم منها غضب قطري على ما جاء في كلمة الأمين العام من تلميحات، لكن وكالة الأنباء القطرية الرسمية نشرت أن الشيخ تميم بعث ببرقية إلى الرئيس التونسي يعرب فيها عن خالص شكره وتقديره على ما قوبل به من حفاوة وتكريم خلال وجوده في تونس للمشاركة في اجتماعات القمة العربية، ما يوحي بأنه لم يغادر غاضبا.
وأجمع المراقبون على أن قمة تونس، بتوقيتها ومضامين القضايا التي طرحتها، نجحت في لمّ شمل العرب، بعيدا عن الرؤى والأهداف المُتباينة والأجندات المُتضاربة، التي تعكسها الاصطفافات الخطيرة التي لا تُراعي مبدأ التضامن العربي، لتُحدث بذلك فارقا سياسيا لا يمكن تجاهله في هذه الظروف السياسية المُعقدة وغير المسبوقة.
وقال الدبلوماسي التونسي سمير عبدالله لـ”أخبارنا الجالية ”، إن بصمة تونس في مُخرجات هذه القمة واضحة للعيان، وتعكسها تلك المواقف التي انتصرت للقضايا العربية، بمُقاربات عقلانية وواقعية من شأنها تمكين العرب من المسك بزمام المبادرة في مختلف القضايا والملفات، وخاصة منها تلك التي تُعاني من التدخلات الأجنبية.
واعتبر أن الحضور السياسي اللافت في هذه القمة، في علاقة بعدد الرؤساء والقادة العرب الذين شاركوا فيها والذين وصل عددهم إلى 14، يعكس رصيد الثقة التي تحظى بها تونس لدى القادة العرب، في هذا الزمن الذي يتسم بتعدد الخلافات.
وأضاف أن ذلك الحضور جعل قمة تونس “قمة العقلانية” التي “عكست صحوة عربية هامة بضرورة انتصار العرب لمصيرهم، وفق خطط للتحرك خلال المرحلة القادمة لتدعيم العمل العربي المشترك في مختلف المجالات، على أسس عقلانية وبراغماتية.