هل يستطيع المغرب ضبط «الرعونة» السعودية؟
يمثّل حديث وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي ناصر بوريطة أول أمس عن «ضوابط» ضرورية لاستمرار العلاقة بين الرباط والرياض تطوّرا مهماً في مؤشّر توتّر العلاقات بين البلدين.
كان مهمّا، في هذا الخصوص، كلام بوريطة عن أن السياسة الخارجية هي «مسألة سيادة بالنسبة للمغرب»، وبما أن الحديث موجّه بوضوح إلى السعودية والإمارات، فإنه يدلّ على أن محور الرياض ـ أبو ظبي انتهك، أو حاول أن ينتهك، سيادة المغرب، بطريقة أو بأخرى.
ولتوضيح هذه النقطة بشكل لا لبس فيه أشار بوريطة إلى ضرورة أن يكون التنسيق «وفق رغبة من الجانبين» و«ألا يكون حسب الطلب»، وأن «يشمل جميع القضايا المهمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، وهو ما يعني أن المحور السعودي ـ الإماراتي حاول فرض مواقف سياسيّة معيّنة على الرباط، وأنه ركّز على جوانب بعينها، كحرب اليمن، على سبيل المثال، والتسوية السياسية للنزاع الفلسطيني، وربّما قضية حصار قطر، مع تجاهل لمصالح المغرب في ليبيا والصحراء المغربية والموقف من القدس وفلسطين.
تعتبر هذه التصريحات نقطة عليا جديدة في مؤشر الغضب المغربي من «رعونة» المحور السعودي ـ الإماراتي، بعد انفجار الأزمة بشكل صريح مع قرار المغرب استدعاء سفيره لدى الرياض للتشاور فبراير الماضي إثر عرض قناة «العربية» السعودية تقريرا بشأن الصحراء الغربية يدعم مزاعم بأن المغرب احتلّها بعد أن غادر المستعمر الإسباني عام 1975، وتناظر استدعاء السفير مع انسحاب الرباط من التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن.
كان لافتا أيضاً أن هذه التصريحات جرت في حضور وزير الخارجية الأردني أيمن صفدي، وهو ما اعتبر إشارة لـ«تفهّم» أردنيّ لموقف المغرب، وخصوصاً بعد زيارة الملك عبد الله الثاني الأخيرة للرباط ولقائه الملك المغربي محمد السادس، فلدى الأردن طبعاً أسبابه الخاصّة للغضب أيضاً، ولكن عوامل جغرافية وسياسية تمنع المسؤولين الأردنيين من إبداء مواقفهم الصريحة من أشكال مماثلة من «الرعونة» تتعرض لها بلادهم، وخصوصاً في ما يتعلّق بموضوع ولاية الأردن على المقدّسات الإسلامية في فلسطين، وتحوّل انخراط الرياض وأبو ظبي المكشوف لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عمليّا، إلى تنسيق مع واشنطن وتل أبيب في الضغط على الأردنيين والفلسطينيين.
مجيء تصريحات بوريطة قبيل قمّة تونس مهمّ أيضاً لـ«ضبط» الموقف العربيّ الرسميّ، ومهم بعدها طبعاً لأنه من المتوقع أن يجدّد المحور السعودي ـ الإماراتي هجومه بعد خروج ترامب سالماً من نتائج تقرير المحقق روبرت مولر الذي لم يستطع إثبات حصول «تداخل» بين التأثير الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2018 وحملة ترامب.
غير أن نقاط ضعف المحور السعودي ـ الإماراتي عديدة، بدءاً من عدم إمكانية إقفال ملف اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، ومروراً بحرب اليمن وتداعياتها، ووصولاً إلى أوضاع المنطقة العربيّة برمّتها، التي تحتوي مجاهيل عديدة، في فلسطين، وسوريا، وليبيا والجزائر واليمن وغيرها.
يضاف إلى ذلك أن المغرب سيجد حلفاء كثيرين لأن العطب في الآلة السعودية كبير، ويتعلّق بطبيعة القيادة نفسها، وبضعف الموارد بسبب تراجع أسعار النفط، وحرب اليمن، وهروب المستثمرين، والسمعة البائسة التي يجرّها وليّ العهد السعودي وراءه حيثما حلّ، كما يتعلّق بالمتضررين الكثر من كل ذلك.