المطلقة تدفع ثمنا باهظا لأجل حرية لا يعترف بها المجتمع
لا شيء أكثر شيوعا من الطلاق في المجتمعات، يحدث الطلاق في كل مكان من العالم، لكن ما لا يحدث في كل مكان هو العار الذي يلحق بالمطلقات في المجتمعات العربية خصوصا.
لندن – “أنا الحرة التي أبت أن تحكمها ورقة، مازلت صالحة للحب، فالروح عذراء يا حمقى”، هذه الكلمات جزء من أغنية “المطلقة” للفنانة اللبنانية كارول سماحة، التي انتصرت فيها لقضية المطلقات، وهن شريحة واسعة من المجتمع، يواجهن حكم المجتمع القاسي بعد حصولهن على لقب “مطلقة”.
استعانت كارول سماحة بعبارات جريئة في أغنيتها المصورة “المطلقة”، وهي تعد أول الأغنيات التي تتحدث من خلالها عن قضية الطلاق.
وكلمات الأغنية التي كتبها الشاعر علي المولى، تصف المجتمع بشكل مباشر وقبيح، فتصور المرأة بعد خوضها تجربة الانفصال وما تواجهه مع رجال لا يجدون فيها سوى محطة عابرة، فتقول “كأنني محطة انتظار، يزورها الجميع لكن لا أحد فيها يبقى”.
الكثير من العبارات القاسية يحملها العمل، والتي قد يصعب على النساء المطلقات مواجهتها في حياتهن اليومية، فكثيرات منهن يعانين من هذا الواقع بـصمت.
وجاءت كلمات أغنية “المطلقة”، “حكم علي بالوحدة والجريمة.. حاك الناس لي من ألسنتهم مشنقة.. وصار لقبي المطلقة، ممنوعة أن أعشقَ، للاستعمال السريري فقط مع شهادة خبرة مصدقة امرأة مستعملة.. زورق بأشرعة ممزقة، يراني الرجال سريرا أو كوب رغبة يريدون منه ملعقة، كأنني محطة انتظار يزورها الجميع لكن لا أحد فيها يبقى نعم أنا المطلقة..”.
وأثارت الأغنية جدلا واسعا. ففيما اعتبر معلقون أنه يحسب للأغنية أنّها أضاءت على بشاعة المجتمع، وأخرجت إلى العلن معاناة نساء يناضلن ليصحّحن مفاهيم مجتمع يأبى أن يغيّر مفاهيمه، اعتبرت الإعلامية هناء حمزة أن الأغنية عززت نظرة دونية للمرأة المطلقة بأغنيتها هذه، أخطأت سماحة إذ خفضت من مستواها الفني والثقافي بالقدر الذي خفضت فيه مستوى المرأة المطلقة ونزعت عنها حقها بولادة جديدة واختزلت صورتها بكوب رغبة.
لم تكن سماحة الأولى التي أشارت إلى قضية الطلاق في عمل فني. ومن بين أجمل أغاني الطلاق أغنية للمطرب العراقي الراحل علاء سعد بعنوان “أنت طالق”، كتبها الشاعر كاظم السعدي ولحنها الفنان كريم هميم، وكانت معبرة في نص قصصي جميل، لكن المزاج السياسي آنذاك دمر الأغنية وحرض الجمهور لاعتبارها أسوأ أغنية بدعم من تلفزيون الشباب الذي كان يشرف عليه عدي صدام حسين.
معدلات قياسية
تتسابق الدول العربية اليوم في تسجيل معدلات قياسية في حالات الطلاق. هناك أسباب متشابهة، لكن لكل مجتمع عربي ما يميزه في حالات الانفصال بين الزوجين.
وفي المجتمعات العربية، إذا لم يتزوّج الرجل لا أحد يلومه، بينما الفتاة لا يحق لها العزوف عن الزواج وسرعان ما تلقّب بـ”عانس”، وهذا ما يدفع عددا كبيرا من النساء إلى الهروب والقبول بأيّ زوج غير آبهات لمدى ملاءمته لهن.
وبينما تحاول الفتاة الهروب من “العنوسة”، تسير أحيانا بقرار الارتباط باتجاه “المطلقة”. وتحتل مصر المرتبة الأولى عالميا في نِسب الطلاق؛ حيث تحدث حالة طلاق كل 4 دقائق.
وفي منطقة الخليج، احتلت الكويت الصدارة في ارتفاع عدد حالات الطلاق، إذ أوضحت البيانات أن 60 بالمئة من العلاقات الزوجية انتهت بالانفصال في النصف الأول من العام 2017.
ووفقا لإحصائيات وزارة العدل في المملكة العربية السعودية لعام 2015، فإن نحو 188 حالة طلاق تحدث يوميا.
ووفقا لمركز الإحصاء الوطني التونسي، تسجل تونس 1000 حالة طلاق شهريا، أي نحو 4 حالات كل 3 ساعات.
وأعلنت السلطة القضائية الاتحادية في العراق أن حالات الطلاق ارتفعت بنسبة 70 بالمئة في السنوات العشر الأخيرة. وأصبحت تسجل حالات الطلاق أكثر من 60 ألف حالة سنويا.
وأعلنت وزارة العدل المغربية ارتفاعا ملحوظا في حالات الطلاق في البلاد وصل إلى 60 ألف حالة سنويا، أي حالة كل 10 دقائق. وكشفت الإحصائيات عن 100 ألف طفل مغربي يقعون ضحايا بسبب انفصال الوالدين.
ووفقا لتقديرات دائرة الإفتاء، وصلت حالات الطلاق في الأردن إلى نحو 15 ألف حالة، بزيادة سنوية 1000 حالة.
إن المتأمل في وضع المرأة في العالم الإسلامي تبعا لما يسمى بـ”الشريعة الإسلامية” يجد اختلافا كبيرا بين “ما وجدنا عليه آباءنا” من فكر سلفي تقليدي في قضية طلاق المرأة، وما أمر به القرآن الكريم في نفس القضية.
وكانت هيئة كبار العلماء في الأزهر أقرت قبل فترة بحكم الطلاق الشفوي، مع أخذ الاعتبار في توثيقه فور وقوعه حفاظا على حقوق المطلقة وأبنائها.
وانتقد حقوقيون في الدول العربية الفتوى الصادرة من الأزهر، معتبرين أنّ هذه الفتوى “مشوشة”، لأنّ الطلاق، وفق ما تنصّ عليه مدوّنات الأسرة في عدة دول عربية، لا يقع إلا بعد استكمال الإجراءات والمساطر الخاصة به في المحاكم.
وتشعر المرأة بالاضطهاد تجاه هذا النوع من الطلاق الذي يجعل مصيرها مقيّدا بلسان الزوج من خلال كلمات قليلة.
ويقول المفكر توفيق حميد “في تناقض واضح مع صريح القرآن، أباح شيوخ الدين طلاق الزوجة ببضع كلمات دون وجود شهود كما أمر القرآن ‘وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْل مِّنكُمْ’، وفي انعدام كامل للرجولة أقر نفس الشيوخ والفقهاء طرد المرأة من بيت الزوجية، أو بمعنى أصح بيتها بالرغم من قول الله تعالى ‘لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ’، وفي تحد واضح لإرادة الخالق سبحانه ابتدع رجال الدين و’الشريعة الغراء!’ مبدأ ‘بيت الطاعة’ وإجبار الزوجة على الحياة الزوجية بالقوة فيه، وضربوا عرض الحائط بالآية الكريمة ‘فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوف أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان’”.
الحقيقة أن المرأة العربية تدفع في أحيان كثيرة ثمن الطلاق وحدها. فوقع كلمة “أنت طالق” ليس هينا أبدا على المرأة فسواء وقع الطلاق سلميا أو بعد نزاع فإن حصول المرأة على لقب مطلقة ما هو إلا بداية حياة من الصراعات المتلاحقة أولها وأشدها هو صدام مع المجتمع يعتبر فيه نجاح الزواج ولو شكليا هو المعيار الوحيد لنجاح المرأة.
وتقول حنان (32 عاما) “في حالة المطلقة، لا شيء يعود كما كان فلا يحق للمرأة المطلقة ممارسة حياتها بشكل طبيعي.. فالمطلقة التي تعود إلى منزل والديها بعد الطلاق تجد نفسها داخل سجن من نوع مختلف.. إنه سجن اللقب، لقب مطلقة.
ولا يختلف الحال كثيرا إذا أتيح للمطلقة أن تعيش في سكن بمفردها، بل إن الوضع يزداد تعقيدا.. إذ لا يوافق المؤجرون وأحيانا الجيران أن تسكن عندهم مطلقه سواء بمفردها أو مع أطفالها، ويعود ذلك بسبب وصم المجتمع للمطلقة ووضعها دائما في موضع الشك والاتهام”.
وتضيف “استطعت الحصول على سكن منفرد مع طفلي، لكن جاراتي يراقبنني بينما الرجال في الشارع في حالة استنفار إنهم متحرشون”… ولا يختلف الحال كثيرا مع أصدقائها في العمل، فتتجنبها الفتيات خوفا على سمعتهن إن اختلطن بمطلقة.. وتبتعد عنها المتزوجات خوفا من أن تخطف أزواجهن، أما الرجال فهم على النقيض تماما.. إذ أنهم لا ينفكون من محاولة التقرب لها.
وتقول كوثر، المطلقة بعد معارك قضائية دامية، على حد وصفها، “أنا الفتاة التي اختارت استعادة حريتها كي تعيش في سلام بعيدا عن المشكلات والصراعات، بعيدا عن التوتر والخلافات، التي قررت ترك الماضي بمشكلاته وأحزانه لتعيش حاضرا أكثر إشراقا وأمانا، لكن المجتمع قام بجلدي لاختياري العيش بمفردي بعدما كنت زوجة أحدهم”.
وتضيف “لا يرحم المجتمع المرأة المطلقة من نظراته وهمساته وتلميحاته، أحيانا أحاول أن أغض بصري عما يحدث لي فلا أستطيع، طليقي يعيش حياته بسعادة وأعاد تجربة الزواج، لكن أنا يلومني الجميع لفشلي، حتى الرجل الذي أحببته من طفولتي وقررنا أن نبني حياتنا معا رفضت والدته ارتباطه بي لأني مطلقة بل هدده والده بأنه سيتبرأ منه.. حكموا علينا بالإعدام النفسي”.
مصيبة.. عربيا فقط
لطالما شكل هاجس التقاليد والأعراف حاجزا يجبر النساء في المجتمعات العربية على العيش مع أزواجهن الذين يمارسون عليهن أشكالا مختلفة من العنف والاغتصاب الزوجي.
وكانت إيمان البالغة من العمر 28 سنة ضحية الاغتصاب الزوجي، غير أن المؤثر في قصتها أنها عاشت الاغتصاب وهي طفلة قبل أن تدخل في علاقة زواج كرست العنف الجنسي بشتى أنواعه، والسبب في هذه التجربة أنها قبلت الزواج من مغتصبها الذي أقدم على تعنيفها وهي في سن مبكرة، ليجبرها بعد الزواج على إدمان مخدرات جنسية لتلبية رغباته التي اعتبرتها إيمان “شاذة”. قررت إيمان الحصول على الطلاق ما إن وصلت إلى ألمانيا لاجئة بل رفعت قضية ضد زوجها لمقاضاته من أجل تعذيبها.
وتطلب بعض النساء الطلاق قبل أن يتممن عامهن الأول في ألمانيا رغم أنهن تحملن أزواجهن في موطنهن الأصلي.
وتقول سمر “كنت أفكر في الانفصال عن زوجي منذ أن كنت في سوريا، إلا أنني عدلت عن ذلك خوفا من تدهور وضعي المالي وكلام المجتمع والعائلة”.
زواج سمر من زوجها الذي هو في الحين نفسه ابن عمها، كان تقليديا. تأملت سمر هذه السنوات التي قضتها مع زوجها صامتة أمام تعنيفه قائلة “بعد عام من زواجنا أخذت أواصر العلاقة الزوجية بيننا تتدهور. لقد شرع يضربني ويهينني ويتركني لوحدي في البيت ليلا، ومنعني من زيارة أهلي وأقاربي…”.
وتضيف “لقد طلقته لم أكن مرتاحة في حياتي مثل اليوم أنا أعمل وأعيل ابني في ألمانيا، لا أفكر في العودة أبدا إلى مكان كنت أعامل فيه كجارية”.
وتقول فيكتوريا هوفر من منظمة “فراون كرايزه” إن “ظاهرة الانفصال والطلاق لدى اللاجئات السوريات من الوافدين الجدد في برلين في ازدياد”.
وبالمقابل، يضع بعض اللاجئين السوريين علامات استفهام على عمل المنظمات النسوية في دعم النساء السوريات اللواتي يتعرضن للعنف في العلاقات الزوجية.
وتقول خبيرة العلاقات كاثرين وودوارد توماس إن جملة “عاشوا في سعادة أبدية” خرافة ابتدعت منذ نحو 400 عام، عندما كان متوسط عمر الشخص أقل من 40 عاما، ولم يكن البشر كثيري التنقُّل، وكانت اختياراتهم في الحياة محدودة.
وتضيف “أحب فكرة أنَّنا عندما نجد شريكا فإنَّنا ننوي أن نظل معه للأبد، لكنَّ الافتراق الواعي بديل متاح إن اتضح أن الزوجين على وشك الانفصال”.