الصويرة المغربية ملهمة الفنانين ومستقر الأجانب في خريف العمر
تتشابه أغلب المدن المغربية في جمالها ومناخها، لكن تمتاز كل واحدة عن الأخرى بخصوصيات جغرافية وتاريخية وحتى معمارية، فمدينة الصويرة التي يحدها المحيط الأطلسي من جهات ثلاث، أضحت لا فقط مقصد الفنانين والرسامين يوثقونها في أعمالهم الفنية بل تحولت إلى مدينة مستقر للعديد من الأوروبيين لأنها لا تعرف البرد القارس كما أن حياتها الشعبية محببة لكل من زارها.
ما إن تزور مدينة الصويرة المغربية قادما من مراكش إلا وتشعر أنك لم ترَ مدينة تشبهها من قبل، مدينة مختلفة تفرض عليك أن تستعيد ما عشته في أيام طفولتك، وصباك من أحلام وخيالات عن مدن خيالية.
سكينتها وبساطة أهلها، وامتزاج ما هو تاريخي فيها بما هو حديث، يجعلك تتأمل أزقتها وأسوارها وقلاعها ورياضها وأبوابها وكل شبر فيها، فتظن أنك حللت بمدينة من القرون الوسطى.
ويذكرك المحيط الأطلسي الذي يحيط بها من ثلاث جهات بقصص السندباد والقراصنة، كل موجة تشاهدها من فوق سور مرفئها تذكرك بالربابنة والبحارة الغرقى منذ تأسيس المدينة في زمن الفينيقيين قبل القرن السادس الميلادي، واستخدامها كقاعدة تجارية إلى يومنا الحالي، فنادقها الحديثة ورياضها، وشواطئها، ومعارض الرسم فيها، وعمرانها يذكرك بحداثة المدن الحديثة.
عند زيارتها ستشاهد بعض المواقع الأثرية في المدينة، فتذكرك بحكايات ألف ليلة وليلة، وتعتقد أنك شاهدت هذه المواقع في مكان ما من قبل، خصوصا أسوار وأبواب “قلعة السقالة” فتتذكر، أنها ظهرت في أفلام كثيرة منها، الفيلم الشهير”الإسكندر” الذي حكى عن حياة الإسكندرالأكبر، للمخرج أوليفر ستون.
تذكرك أسواقها ودروبها الضيقة، بلوحات كثيرة رسمها رسامون مغاربة، وأجانب كثيرون منهم عن الصويرة، كفريد بلكاهية، بنحيلة الركراكية، الحسين الميلودي، والإيطالي روجيروجيا نجيا كومي، والفرنسية ميكام وغيرهم. ولا تزال لوحات من رسم المدينة وأسواقها، معلقة في معارضها، كمعرض حميد البوهالي، ديزدمونة، دامكارد، والميلودي، وغيرها.
السيارة التي تقلك من مراكش إلى الصويرة تقطع 170كم، في رحلة لمدة ساعتين، ويمكنك أن تستقلها من إحدى المحطتين في مراكش. تقع الأولى بالقرب من الكتبية في سيدي ميمون، والثانية عند باب دكالة، وأجرة النقل تتراوح بين 170 و200 درهم.
ويمكنك أن تنتقل إلى الصويرة بسيارات سياحية صغيرة تقلُّ 10 ركاب، أو يمكن أن تتفق مع مكتب سياحي، لتقوم بجولة في عدد من المرافق السياحية في طريقك إلى الصويرة. وعلى بعد 12 كم من الصويرة يمكنك زيارة تعاونية مرجانة، أركان مود، التي تنتج زيت الأركان، الذي يعتبر ذهب المغرب.
وتتذوق فيها الـ”أملو” الذي هو خليط من زيت الأركان والعسل واللوز، لما فيه من فوائد صحية في التناول، ويستعمل زيت الأركان تجارياً في صناعة مراهم الوجه ومواد التجميل.
ويوجد أكثر من 30 رياضا منتشرة على طول الطريق، خارج المدينة القديمة، ويمكنك أيضا تأجير سيارة خاصة من مكاتب سياحية في مراكش، كيوروب كار أو سيكست أو منارة، لتقوم بجولة في المدن المغربية.
وتمر في طريقك إلى المدينة على العديد من الشقق، والمنتجعات السياحية، وتتوفر هذه الإقامات على جميع المتطلبات السياحة الحديثة، كالنوادي الصحية، وملاعب التنس، والمسابح، والمطاعم، والمتاجر.
في مركز الصويرة تزدحم المقاهي بالزوار، وتجد العديد من السماسرة، الذين يعرضون عليك مفاتيح شقق مفروشة بأسعار أقل بكثير من أسعار الفنادق أو الإقامات. وهي على هيئة دور منعزلة تذكرك ببيتك، ومؤثثة على الطراز المغربي التقليدي. الشقق التي يعرض عليك السماسرة كراءها تتراوح أسعار الليلة الواحدة فيها بين (400 ـ 600 ) درهم (الدولار يساوي 9،4 درهم) بينما الأسعار في الشقق الفندقية تقفز حسب المواسم، وأقلها سعرا يبدأ بـ800 درهم، وعليك الحجز فيها بواسطة مواقع الحجز على شبكة الإنترنت قبل أيام من القدوم إلى المدينة.
يقول رضوان (30 سنة) سائق ميكروباص تقلُّ القادمين من مراكش إلى الصويرة، “محظوظ من يجد حجزا في أحد المنتجعات السياحية خارج أسوار الصويرة”.
وأوضح أسباب تفضيله لهذه المرافق بقوله، “تمتاز بهدوئها، وتجد العائلات فيها جميع الخدمات والمرافق الرياضية، ووسائل تخسيس الوزن، والساونا، وتطل بعض غرفها على ساحل المحيط، وأضيف إليها أيضاً فندقي ‘الجاسرة’، و’رياض زهرة’ القريبين من الشاطئ”.
الصويرة مدينة ضاجة بالحياة والدفء والجمال، السياحة الشتوية والربيعية فيها مزدهرة بسبب اعتدال مناخها، فدرجة الحرارة صيفاً وشتاء لا تتجاوز العشرينات. وهذا المناخ المعتدل شجع على مزاولة رياضة ركوب الأمواج في شواطئها واستخدام الطائرات الشراعية، وركوب الجياد والجمال.
ومن شواطئها الجميلة التي يفضلها الزوار والمغاربة، شاطئ تافدة وسيدي كاوكي وافتان وسيدي أحمد السايح، وكاب سيم وغيره، كما أن اعتدال أسعار فنادقها، ومطاعمها خصوصاً في المدينة القديمة تغريك لمدِّ إجازتك فيها لعدة أيام إضافية. ويلفت نظر الوافد إلى المدينة أيضا، ما يباع في أسواقها من بضاعة، خصوصاً في “سوق الأحد” كالفخار الملون، والزرابي والمشغولات الخشبية التذكارية من خشب العرعار الثمين، وكذلك ما يبيعه النقارون (الصاغة) في الأسواق، كالأساور والخواتم والحلي من الذهب والفضة، وجميعها منحوتة بنقوش، وزخارف مدهشة.
يذكر شايع الغفلي ــ 27 سنة ــ من الإمارات، وهو من الذين زاروا الصويرة عدة مرات، “أن من يزور الصويرة مرة سيزورها ألف مرة”، وعلق على قول مرافقه راشد، الذي أكد على عشقهما للمدينة وهدوئها، فهو وصديقه يختاران هذا الوقت من السنة للتمتع برياضة الطيران الشراعي، فالمنطقة معرضة للرياح طوال السنة، وهي ميزة تسهل هذه الرياضة. وقال “سنتدرب في هذه السفرة كذلك على ركوب الأمواج، فالصويرة مدينة يستقبل أهلها السياح بودّ، ويقومون بإرشادك إلى كل ما ينبغي فعله”. وأضاف “أهلها طيبون حقاً، ونحن نحمل بعد كل زيارة للمدينة أجمل الذكريات عنها”.
تجذبك روائح شواء سمك السّردين وخليط التوابل والمطيبات بالقرب من ميناء المدينة في مطعم “دي بلاج”، وبعد أن تتناول شواء السردين الساخن مع المخللات، الذي يبرع أهل المدينة بتحضيره. وما إن تغسل يديك وفمك وتغادر المطعم ويبقى طعم السردين والمخللات والمطيبات بعد تناول وجبتك تحت لسانك لفترة طويلة، فإنك تقرر مع نفسك العودة إليه في اليوم التالي. وفي المدينة أكثر من 60 مطعماً يقدم وجبات الأسماك الطازجة، التي يتم اصطياد أسماكها من المحيط في ذات اليوم، وتقدم بعد طهيها للزبائن، وأهمها سمك الإسقمري والسردين والصّول (سمك موسى) والقريدس وغيرها من الأسماك.
ويلفت نظرك وغيرك من زائري الصويرة، أن الخدمات المقدمة فيها زهيدة الثمن، وهذا ما شجع الكثير من الأجانب على العيش في الصويرة بشكل دائم، خصوصاً من فئة المتقاعدين وكبار السن.
الفرنسي إيمانويل (80 عاما) وولده إميل (50 عاما) من بين الذين يعيشون في الصويرة منذ سنوات، وقد افتتح الابن صيدلية في المدينة، يقول إميل، الذي تعلم اللهجة المغربية بسرعة، ولكن بعض الكلمات تستعصي عليه فينطقها بصعوبة، “ما إن زار والدي الصويرة في العام 1990 حتى وقع في حبها، وقرر الإقامة فيها، ونصحني عند إكمال دراستي أن افتتح صيدليتي الخاصة في هذه المدينة، وبالفعل هذا ما فعلته، ونحن سعداء في هذه المدينة، ولدينا الكثير من الأصدقاء المغاربة في هذه المدينة الجميلة، ونحن نستقبل العديد من الأصدقاء الفرنسيين القادمين للسياحة إلى المغرب، فالصويرة مدينة ساحرة حقاً، وتعشقها العيون من أول نظرة”.
سجلت مدينة الصويرة ضمن مواقع التراث العالمي لمنظمة اليونسكو سنة 2001 وبلغ عدد زائريها في العام 2018 حسب منشور للمكتب الوطني المغربي للسياحة، أكثر من نصف مليون زائر وسائح.